تلك هى الوصية. احبب روحك، فأنت مفارقها- أو إن شئنا الدقة- فإنها مفارقتك، وكان ذلك من ربك أمرا مقضيا. الروح، ليست واحدة.. قد تسكن جسدك روحان، لكن تبقى أطيب واجمل روح ثانية، تسكنك، هى روح الآخر التي ائتلفت مع روحك. الآخر الذي تنادي عليه، بكل صدقية شغاف القلب: ياروحي! الروح تطلع، لكنها، لا تطلع مرة واحدة. إنها تظل تمارس الطلوع عند كل ناصية فراق، حتى إذا ما بلغت الحلقوم، من كثرة الفراق، طلعت،، طلعت طلعتها الأخيرة، تلك التي لا نزول بعدها، في أرض الجسد الموات! في صالات المغادرة، والأيادي في الأيادي (باي.. باي) تلازمني دائما، فكرة أن اترحم على كل أولئك الذين يموتون بعض الشئ. أنت ترى موتهم بعض الشئ، في ارتعاشة الأيادي،، في نهنهة القلوب بالبكاء،، في عجز اللسان أن يقول شيئا،، في تلعثم الخطاوي.. لو ألقيت السمع، لسمعت فيها عبرة – غصة تطعن في القلب! تلك من مظاهر الموت.. الموت بعض الشئ.. المتهم الأول والاخير في هذا هو الزمن، ذلك الذي يرتب اللقيا ويرتب الفراق ويحشد كل ساعاته، ودقائقه، وثوانيه، وثوالثه، ليجعل من اللقيا – الفراق – ضربة قاصمة من ضربات قواصم الروح.. هكذا يلعب الزمن لعبته الماكرة: يبتسم، يجمع، حتى إذا ما إطمأن أىُّ إثنين، وطاب التلاقي، كشّر عن أنيابه، و.. فرّق! ما أطيب اللقيا، وما ما أحر الفراق ، وما أكثر أشعار من أشعروا في الحالتين.. ما أكثر من تغنى- والقلب يصفق- للقيا، ومن تغنى والقلب ينزف بألم الفراق.. ما أكثر من نعى- شعرا وأغاني- على الزمن اللئيم، مكره، ولا مبالاته بالموت.. هل الموت بعض الشئ هو هذا: " من عرفتك كنت حاسس الزمن ليْ، ما بسيبك …… الزمن عارف مصيرنا حقو ليْ، ما كان يجيبك"؟؟ غنى المغني هكذا، وكان الزمن، قد كتب على الاثنين،أن يموت كل واحد منهما، بعض الشئ، بالفراق الحار. كتب الزمن ما كتب، وهو يبتسم، وهو لا يتوقف- كعادنه منذ الازل- ليترحم على من مات بعض الشئ، أو من مات كل الشئ. إنه دائما، يكتب ما يكتب، بلامبالاته التليدة، ويمضي…يمضي ليكتب لقاءات جديدة، مصحوبة برمز مربع الفراق، ولو بعد حين ! كان الزمن، يتربّصُ ليلعب لعبته الماكرة، وكان الإثنان – في الوقت ذاته – ينعيان على الزمن، لعبته تلك الخشنة، الماكرة.. كانا يبتسمان ابتسامة شاحبة، ساخرة ، وفي ذهن أى منهما، البيتين الشهيرين المنسوبين للإمام الشافعى: "نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا، هجانا" …! عبدالله الشيخ نقلاً عن المواكب