أشرت في المقال السابق إلى أن حالة الانفلات الأمني وأخذ القانون باليد لن تنتهي إلا بحل قوات الدعم الفظيع .. وأقول اليوم إن أي حلول ترقيعية ينتهي إليها الثوار والثورة دون حل هذه القوات ومسح اسمها من الوجود وإدماج بعض منسوبيها للقوات المسلحة وتسريح الآخرين، يكون حلا ناقصا مشوها ما تلبث بعده أن تعود هذه القوات لغرورها وصلفها وغطرستها لأنها شبت على مبدأ القتل وشابت عليه وستبقى عليه ، لا رادع لها عن القتل والاغتيال " ولكل امريءٍ من دهره ما تعودا " .. للأسف، للمرة الثانية يضيع التخطيط القاصر لمن يتولون إدارة الشأن السياسي استغلال الفرص السانحة لفرض شروط الثورة وهيبتها وإعلاء كلمتها على العسكر وأشباه العسكر .. والوصول للنهايات المطلوبة. الحشود الغاضبة التي خرجت تشيع وتودع شهيد الكلاكلة بهاء الدين نوري في العاصمة المثلثة أعادت للأذهان لوحات مشاهد الثورة وهي تتحدى نظام المخلوع ونظام البرهان حين حاول التمرد والانفراد بالسلطة .. هذه الحشود الغاضبة لو تم توجيهها لرفع شعار واحد لا غير وهو " حل وتسريح قوات الدعم الفظيع " ولو أصرت أنها لن تغادر الشوارع دون تحقيق مطلبها لكانت قاصمة الظهر لهذا المكون الميليشياوي البغيض الذي خلق حالة من الرعب لم يشهدها السودان عبر تاريخه وأصبح المواطن غير آمن في بيته أو شارعه. الذي جرى ببساطة هو محاولات تخدير لإخماد ثورة الغضب من قبيل بيانات تتضمن طلب النيابة رفع الحصانة عن القتلة ومسارعة قائد الدعم السريع بالإعلان عن رفع الحصانة وتسليم المطلوبين للنيابة " خوفا ورعبا من الغضب الجماهيري " و" انحناء لريح الغضب العاصفة حتى تمر دون إلحاق الأذى بالقوات القاتلة " . الخطأ الكبير الذي ارتكبته الثورة هو مشاركة عسكر لا يؤمنون بالثورة ولا يعترفون بها في قرارة أنفسهم كصانع ومفجر للثورة دون أن تضع ضوابط تجعلهم في " فتيل " لا يتجاوزونه .. بل إن هذا الشعب في نظر العسكر ما كان له أن ينتصر لولا تدخلهم وذلك نوع من التخليط والتغبيش والتشويش على عقول العامة ووعيهم والذي انساق وراءه الكثيرون حتى من مؤيدي الثورة للأسف .. وكان النظام السابق سيسقط في نهاية المطاف سواء تدخل هؤلاء أم لا .. لأن حالة من الشلل التام هي التي سادت وقوضت أركان النظام ليظفر هؤلاء على الفوز ببقايا " الفطيسة " … كان التقصير في ضبط شراكة العسكر بنصوص واضحة حاجزا للثورة من ممارسة سلطاتها وسلطانها والعالم كله يعرف ، أن الثورة تجبُّ ما قبلها ولها وحدها حق التشريع فهي مفوضة من الجماهير وكان يفترض أن تكون لها قوانينها التي تجتث بها النظام البائد وأجهزته الأمنية والعسكرية وميليشياته من جذورها ومحو آثاره وإجراء محاكمات إيجازية تقتص للشهداء والوطن من الجرائم التي ارتكبت طيلة تلك السنوات العجاف وكلن فيما لم تزل دماء الثوار تنزف تقول أجهزة البطش " هل من مزيد ؟" !! للأسف صرنا نحتكم لقوانين المخلوع وتحويل كل القضايا للقضاء المدني التقليدي يدعوى " تحقيق العدالة " وهو نظام معروف بتعقيداته والتي قد يستغرق الحكم فيها أعواما ليصل لمرحلة التنفيذ ودونكم قضية الشهيد أحمد الخير التي ما تزال بعيدة عن النهايات وها هو بهاء الدين يلحق بذات السكة وسوف تمر أعوام دون أن نصل لحكم يشفي غليل مئات الآلاف ممن خرجوا بالأمس يطالبون بالقصاص. الجريمة البشعة المتمثلة في قتل بهاء الدين كان يجب أن تكون القشة التي تقصم ظهر بعير قوات الدعم الفظيع ، فعلى ظهره أحمال وأوزار كل شهداء الثورة وقبلها الشهداء طيلة ثلاثين عاما وأوزار الاعتداء بالضرب والركل والسحل في الطرقات وبيوت الأشباح ومقرات أجهزة الأمن التي صارت أجهزة للخوف. لقد تم حصر قضايا الشهداء بهاء الدين وأحمد الخير وحنفي وغيرهم على أنها جنائية بينما هي في الأصل جرائم اغتيال سياسي مركبة وكان ينبغي أن يكون القصاص السياسي بحل القوات مقدما على القصاص الجنائي حيث تعرض الشهداء للمتابعة والمراقبة ومن ثم الاختطاف والتعذيب حتى الموت أو الدهس عن قصد. ولأن هذه جرائم تكررت كثيرا فإن الأمر يستوجب النظر في هذه القوانين البائسة والعودة لفرض " قوانين الثورة " وإنشاء محاكم إيجازية لمحاكمة قوات القتل السريع بنفس السرعة التي لا يمهلون فيها المواطن فرصة لشرب الماء قبل قتله. على الثوار المطالبة بمحاكم إيجازية تتفرغ ليلا ونهارا لقضايا الاغتيال التي ارتكبتها قوات نظامية منذ أول يوم في الثورة بحيث لا تتعدى فترة الحكم النهائي في القضية أربعة أشهر ملزمة للنفاذ .. ومحاكم إيجازية لمحاكمة مرتكبي المجازر المعروفة ومحاكم عسكرية لمحاكمة قتلة 28 ضابطا ودفنهم في مكان مجهول ومحاكم إيجازية ضد من ارتكبوا عمليات تعذيب .. وحين يرى من يفكرون في القتل والتعذيب أن يد العدالة ليست بعيدة عنهم فسوف يفكرون مائة مرة قبل أن يقدموا على أفعالهم البشعة الشنيعة. يدون التاريخ للأنظمة الحاكمة السابقة سواء عهد الديمقراطية الثانية أو نظام مايو استغلال حوادث لا ترقى لأفعال قوات الدعم الفظيع للتنكيل بخصومهم مثل استغلال وتصعيد حادثة تصريح لمنتسب للحزب الشيوعي ومخالفة حكم المحكمة الدستورية وانتهى بحل الحزب الشيوعي وطرده من البرلمان كما استغل الطاغية النميري حادثة منشور أصدره الأستاذ محمود محمد طه ليحكم بقتله في أيام معدودات ويحل الحزب الجمهوري إلخ.. كما أن المخلوع البشير قام بحل جميع الأحزاب السياسية إلخ وكان ذلك ظلم كبير بلا ريب ، وإذا كان ذلك كذلك حيث تم تحريك جماهير الضلالة لتطبيق أحكام جائرة فلماذا نتردد نحن جماهير الغضب الثوري في المطالبة بحل قوات الدعم السريع والتي تمارس أبشع الجرائم في وضح النهار وتعترف بها ؟؟ أكرر أنه ينبغي على الجماهير أن تخرج في مليونيات في كل مدن السودان وألا تتراجع عن تحقيق نصر سياسي يفضي لحل قوات الدعم الفظيع وتسريحها وليس البحث عن " العدالة المفقودة " بين التأجيل والتسويف في المحاكم وشهود الادعاء والاتهام وتهريب المجرمين .. وكل ما يجري عدا حل الدعم السريع ومحاكمة إيجازية لتحقيق العدالة بالسرعة المطلوبة ، فهو مجرد نصر خادع يجعل المجرم يمد لسانه هازئا بالثورة والثوار كلما ارتكب جريمة جديدة .. فهل ننظر الشهيد القادم حتى نتحرك .. انتبهوا فالقادم أسوأ ؟؟ آخر المقال : " عجبي من جدّ هؤلاء في باطلهم وفشلكم عن حقكم " الإمام علي بن أبي طالب. أبو الحسن الشاعر