هل كانت ديسمبر ثورة أم احتجاج؟ انا لا اعتبر الثورات الثلاثة التي حدثت بالسودان (اكتوبر 1964. أبريل 1985, ابريل 2019) من بعد استبدال السودان الاستعمار البريطاني بالاستعمار العربي في العام 1956, بالثورات. بل اسميها بالاحتجاجات التي قوبلت بالعنف المفرط وقد أدت إلى تغيير الأنظمة المعنية بمساعدة المجتمع الدولي, لأنه بكل بساطة لن يستطيع احد تغيير نظام أيديولوجي ديني راسخ كنظام البشير الذي ينتمي ايديولوجيا لنظام الإخوان المسلمين والذي فصل ثلث مساحة وشعب السودان بجرة قلم واشعل الحروب في كل انحاء السودان بل ومنح مساحات واسعة من الاراضي السودانية لدول الجوار وقتل ملايين المواطنين السودانيين خدمة لأجندة الايديولوجية الاسلامية ان يسقط بمجرد احتجاجات. إذن ماذا حدث؟؟ – قبل أن نخوض في ماذا حدث, فلنتحدث عن تلك الاحتجاجات الثلاثة السالفة ذكره والذي يفتخر بها السودانيون ويسموها ثورات, لان الاحتجاجات لا ترتقى لمستوى الثورات اذا لم تؤدي الى تغيير جذري شامل في الدولة والمجتمع وإزالة ودفن كل الاسباب التي ادت الى ان ثار الشعب من أجله في حفرة عميقة وبداية جديدة حقيقية, وهو ما لم يحدث في الاحتجاجات الثلاثة الكبرى في التاريخ السوداني المعاصر والذي يفتخر بها السودانيون علي اساس انها ثورات. – فاللاسف الشعب السوداني وبالاخص النخبة التي حكمت ومازالت تحكم السودان في ظل الاستعمار العربي بعد خروج الإنجليز من السودان, تشعر دائما بالانهزام الداخلي والفشل الكبير والاستلاب الثقافي لانه فشلت فشل ذريع في ادارة الدولة السودانية وتطويرها بل فشلت حتى في الاحتفاظ بالدولة السودانية بنفس المستوى الذي استلموها به من الإنجليز ودمروا اكبر دولة افريقية شرق اوسطية دمارا اقل مايوصف بانه خدمة اجندة المستعمر, وبدلا من الاعتراف بالفشل يصنعون بطولات واحداث وهمية للتفاخر به لكي يغطوا على فشلهم الكبير في تدمير الدولة السودانية, خير مثال والدليل على ذلك ماحدث في الاحتجاجات الأخيرة والذي ارغم الحاضنة الحقيقية لكل الانظمة التي حكمت السودان منذ العام 1956ومازال بتغيير طفيف باستبدال الوجوه الأشخاص واسم النظام ولكن مع الإبقاء دائما على النظام واجندة وأهداف النظام, لذلك اسميها بالاحتجاجات لا بالثورات. فالثورة اذا لم تحقق اهدافها المعلنة يعتبر مجرد احتجاجات وتظاهرات ولكن لو أصر الناس وتمسكوا بمطالبهم فيمكن أن تؤدي الاحتجاجات والتظاهرات إلى ثورة حقيقة في حال الوصول لتحقيق المطالب الا وهو التغيير الجذري في نظام الدولة المعنية وهو ما لم يحدث في الدولة السودانية بتلك الثورات الثلاث الانفة ذكرها والتي تفتخر بها النخبة الحاكمة ومحاولة تسويقها على اساس انها بطولات وذلك لعشق الشعب السوداني للحريات والديموقراطية, والذي لن يقبلوا به طالما في ايديهم مفاتيح الدولة السودانية, لان الديموقراطية الحقيقية والحريات يعتبر خطر كبير على دولتهم وعلى حاضنتهم الاستعمارية(جامعة الدول العربية). بالاخص في وجود منافسين أقوياء على الساحة بالاضافة للاجيال الجديده والتي تنادي بالهوية السودانية بعد ما أدركوا عدم تقبل الحاضنة الاستعمارية انتمائهم العرقي كعرب وان كل هدفهم هو استعمار بلادهم بسبب الامتيازات التي فيها, لقد علموا بأن الحاضنة الاستعمارية يريد سودانا خالي من السودانيين لذلك قدم ملايين السودانيين ارواحهم رخيصة في سبيل تحقيق أهدافهم بالاستقلال الحقيقي ومازالوا. علينا ان نضيف ايضا بانه ليس الحاضنة الاستعمارية فقط من تقف وراء دمار وتأخر السودان ولكن هناك ايضا المجتمع الدولي والتي تقف ضد أي تغير حقيقي يؤدي لاستقرار وتطور الدولة السودانية, وذلك ليس لانهم ضد تطور واستقرار الدول وإنما الصحيح هو أن المجتمع الدولي تهتم باستقرار الدول وبالأخص الدول التي تمتلك مقومات اقتصادية كبيرة, وقد ساهمت في صناعة دول تتمتع الآن بالاستقرار لاتمتلك 10% ماتمتلكه السودان وذلك بسبب أن معظم تلك الدول (اعني هنا المجتمع الدولي والدول العظمى التي تدير العالم)تقوم اقتصادياتها على الصناعة وبالتالي تحتاج تلك الدول دول مستهلكة مستقرة حتى تتمكن من تصريف ماتصنعه, ولكن بالنسبة للسودان يختلف الامر لان نظامه الأيديولوجي العقائدي الديني شكل شخصية انتحارية للفرد السوداني بالاضافة بأن الحاضنة السياسية الاستعمارية التي تدير السودان من العام 1956 قد عمل على سياسة غسيل مخ حقيقي للفرد السوداني وذلك بتصوير كل ماهو غير عربي او مسلم فهو عدوا لك ويريد قتلك, لذلك أصبحت شخصية الانسان السوداني شخصية كاره لكثير من الشعوب بل ويعتبرهم اعداء وهو ينتظر الفرصة التي يقوى فيها للانقضاض على العالم في حرب كونية ضخمة (ARMAGEDDON) يقضي فيها على الأخضر واليابس نصرة للإسلام والعروبة والعالم يعلم ذلك تماما ولن يسمحوا للسوداني بأن يتمتع بثروات بلاده طالما لديه هذه الرغبة الانتحارية واعتبار كل من يختلف عنه ايديلوجيا عدوا يجب محاربتة. خير مثال على ذلك ما يحدث في الحدود الشرقية مع دولة اثيوبيا بدلا من ان يرسل السودان رسالة ايجابية بعد يوم واحد فقط من شطبه من قائمة الإرهاب الدولي والعقوبات الأخرى التي أقعدته لعقود من الزمن حركت السودان جيشها لمحاربة إثيوبيا في ملف الفشقة التي تعترف إثيوبيا بتبعيتها للسودان بينما تغض النظر عن مصر بل وتحالفت معه في محاربة اثيوبيا خدمة لاجنده الحاضنة الاستعمارية رغم ان مصر تحتل حلايب وشلاتين بالقوة العسكرية بل وتحتل ملايين الافدنة الزراعية الخصبة في السودان وتسرق كل ماهو متاح وذلك فقط بسبب العدائية لكل ماهو غير عربي وغير اسلامي. لقد كانت تلك التحرك العسكري الغير ضروري تصرف غبي للغاية من وجهة نظري, لانه إرسال رسالة سلبية للمجتمع الدولي باننا يزعزع الأمن والسلم الدوليين عندما يتاح لنا الفرصة لاستخدام مواردنا, وقد بداءت الحرب مع إثيوبيا قبل أن يجف حبر القرار بدلا من استخدام تلك الفرصة لترميم البيت الداخلي وحلحلة المشاكل الكبيرة من عودة اللاجئين ومشاكل التعليم والصحة والبنية التحتية ومشاكل الفقر والبطالة, أرسلت السودان رسالة سالبة للعالم وقال لهم طز فيكم اليوم اثيوبيا والسنة القادمة نزيل اسرائيل من الوجود والسنة اللي بعده امريكيا وروسية قد دناء عذابها, لذا كان الاشتراط الأول للخروج من قائمة الإرهاب هو التطبيع مع إسرائيل وعقد اتفاقيات امنية معه ومع امريكا وكذلك روسيا سوف تقوم ببناء قاعدة لها وحتي مصر تضغط لتفعيل اتفاقيات امنية لانه ببساطة لا أحد يثق في نوايا السودان, والكل متوجس من ذلك المخلوق المتوحش والذي أطلق سراحه بسبب معاناة مواطنيه وبدلا ان يقول للعالم شكرا قام بصفع أخيه الذي وقف بجانبه في كل فترات سجنه بل وكل الاوقات. هذا التصرف الغبي جعل الكل يتحسس سلاحه والبدء بتحضير ببناء وصيانة سجن تصلح هذه المره الف سنه او الاعدام علي طريقة( little boy او Fat man ) في حالة ازدياد وحشيته وشراسته في الاعتداء على الآخرين والتفكير بتصفية حسابات قديمة. ولكن عند عودتنا لتاريخ الثورات في السودان منذ 1956 نجد أن الثورات الحقيقية التي نادت بعودة الدولة السودانية والاستقلال الحقيقي للسودان بالاضافة للمطالبة بإنشاء دولة حقيقية اساسة المواطنة المتساوية على أساس الحقوق والواجبات والعدالة هي ثورات الكفاح المسلح, وبالطبع ليس كل ثورات الكفاح المسلح ولكن البعض منها ولم تحقق أي من ثورات الكفاح المسلح كامل أهدافها الثورية المعلنة رغم الثمن الكبير التي دفعته من ارواح ابنائها والتضحيات الضخمة إلا الحركة الشعبية قطاع الجنوب حيث أعلنت بوضح عن أهدافها وهي دولة سودانية قابلة للحياة تقوم على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات أو بالمقابل في حالة فشل توصلها لأهدافها المعلنة في تقرير المصير وقد كان لها تقرير المصير والذي ادي لانفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة في العام 2011, لذلك نعتبر انها الثورة الوحيدة (ثورة قرنق) التي حققت اهدافها المعلنة والتي كانت سودنة السودان او تقرير المصير. ولكن هناك ايضا ثورات قامت في مناطق عدة من السودان حاربت الحكومات المركزية عسكريا وكانت سببا بأضعاف تلك الحكومات مما أثر على أدائها الاقتصادي والتي بدورها أدت إلى تذمر المواطنين في مناطق نفوذ تلك الحكومات وقاموا بأحتجات ضخمة مطالبين حكوماتهم بإيقاف الحرب والوصول تسويات سياسية مع تلك الحركات لوقف التدهور الاقتصادي والذي بدوره اجبر الحاضنة الاستعمارية (جامعة الدول العربية) ان تقوم بتغير الوجوه واحينا التلاعب بتغير تسميات النظام و اجراءات شكلية لخداع وامتصاص غضب الشارع بإجراءات أقل مع توصف بالهامشية من دون التطرق لمخاطبة المطالب الحقيقية التي ستؤدي إلى سودنة الدولة السودانية, حتى لا تتحول احتجاجاتهم إلى ثورة حقيقية ويطلقون على تلك الاحتجاجات ثورات كما حدث في الاحتجاجات الثلاثة السالفة ذكرها. ولكن هذا لا يعني بأنه لايوجد ثوريين في السودان ولكنهم لم يصلوا لمرحلة تحقيق اهدافهم لذلك لايمكن ان نطلق لتلك الاحتجاجات الثلاث السالفة ذكرها والتي يعتبرها السودانيون ثورات ويفتخرون بها بالثورات لأنه بكل بساطة لم تحقق اي من اهدافها, وقد تكررت ومازالت لانها ببساطة لم ترتقي للمستوى الثوري المطلوب بالاضافة ان الشعب السوداني لم يتوحدوا تحت مطالب ثورية محددة، فهناك ثوار حقيقيون يطالبون بتغيير جذري في تركيبة الدولة السودانية و سودنة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال في جبال النوبة والنيل الأزرق بقيادة عبدالعزيز الحلو, بالإضافة لحركة تحرير السودان في دارفور بقيادة عبد الواحد نور, وحركة كوش في شمال السودان حركة نوبية تضم قبائل الحلفاويين والمحس والدناقلة ونشطت مع بداية فكرة بناء سد كجبار في منتصف التسعينات من القرن الماضي وهي تتكون من ثلاثة فصائل أشهرها كوش للتنمية والديمقراطية وحركة تحرير أرض كوش، بالاضافة للجيل الراكب راس وهم شباب يافع ولدوا وتربوا في عهد الانقاذ ولكنهم كانوا أكثر حظوظا عن الاجيال السابقة وذلك بسبب التطور التكنولوجي والعولمة وتوفر الإنترنت ساهم في معرفتهم والاتصال بالعالم الخارجي بالاضافة ان كثيرا منهم ولدوا وتربوا خارج السودان معظمهم في الدول العربية بسبب اصطحابهم لابائهم الذين يعملون بتلك الدول وقد صدموا واندهشوا من معاملة والنظره الدونية من شعوب تلك الدول الذين احبوهم وانتماءوا اليهم وفضلوهم عن كل دول العالم بل فضلوهم حتي علي بني جلدتهم في الوطن, وكانت تلك الصدمات بالاضافة لمتابعة جيل الداخل مايحدث بسبب توفر وسايل التكنلوجيا الحديثة وارتباطهم بالاحداث في العالم. (الى اللقاء في الجزء الثاني من المقال). (اعتذر لضعف اللغة ولكن الرسالة هي الأهم) لودفك النور- بورلنكي- السويد [email protected]