ظل ميناء بورتسودان أحد أهم الموارد الاقتصادية للسودان، وظل كذلك محل أطماع العديد من الدول؛ لأنه من الموانئ ذات الطبيعة الاقتصادية والاستراتيجية المهمة، ويتوسط البحر الأحمر، ويُعدُّ ممراً إلى البحر المتوسط شمالاً والمحيط الهندي جنوباً، وقد تقدمت دول عديدة بطلبات للحكومات السودانية السابقة والحالية لإدارة الميناء. ويمثل الميناء الحيوي المهم أهمية وطفرة اقتصادية كبرى للسودان، لأنه يحقق في ظل انتعاش الحركة التجارية مداخيل تقارب 30 مليون يورو شهرياً، وعدد العاملين بالميناء يتعدى 13 ألفاً، بالإضافة إلى العشرات من شركات الملاحة وأصحاب التوكيلات الجمركية. وفي الآونة الأخيرة تعالت شكاوى المصدرين والمستوردين من ضعف أداء الميناء في استقبال البواخر الواردة أو ترحيل سلع الصادرات، بما يؤثر في حركة التجارة الخارجية وهذا الأمر الذي كبدهم خسائر فادحة بسبب الغرامات التي تعرضوا لها، وفاقت 100 مليون دولار كما أن شحن الحاوية ارتفع من 2500 دولار إلى 10 آلاف دولار وفق ما أشار له رجال أعمال ومستوردون، لأن الميناء كان يعاني من نقص في الآليات أدت إلى تدني معدلات سحب وتخليص الحاويات، وازدياد فترة بقاء الحاويات المتداولة الصادرة والواردة لأيام عديدة. والمعلوم أن الميناء أصابه الإهمال وانعكس ذلك في تهالك آلياته وعدم خضوعه للصيانة منذ زمن طويل في خطوة يراها البعض مقصودة للتخلص من هذا المرفق الحيوي المهم وأيلولته لدول صديقة عقب محاولات سابقة من حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير بإدخال مستثمرين لتحسين أدائه، باعتباره المنفذ البحري الوحيد لحركة الصادرات والواردات. وقررت الحكومة الانتقالية إلغاء عقد الشركة الفلبينية في أبريل 2020 المتضمن إدارة وتشغيل الميناء الجنوبي في بورتسودان لفترة عشرين عاماً، عقب احتجاجات من عمال الموانئ والرأي العام السوداني، وفي حديث سابق كشف رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، عن خطة إسعافية لحل المشكلات التي تواجه ميناء بورتسودان الذي يعاني مشكلات لوجستية وإدارية تبلغ تكلفة الخطة 300 مليون دولار لتطوير البنية التحتية؛ بما فيها توفير أعماق للميناء تمكنه من استقبال البواخر الضخمة، فضلاً عن توفير رافعات جديدة وصيانة الموجود منها بعد تعطلها نتيجة شح التمويل. ولكن بدأت تلوح في الأفق بوادر صحوة لإصلاح وإنقاذ هذا المرفق الاقتصادي الذي يمكن أن يرفد خزينة الدولة بأكثر من 30 مليون يورو شهرياً. وأكد وزير النقل والبني التحتية هاشم بن عوف أن وزارته تعكف على حل الأزمة من خلال خطط إسعافية عاجلة، وأخرى طويلة الأمد تضمن استقرار وكفاءة الميناء على المدى الطويل، وعزا الأزمة الحالية في الميناء لأربعة أسباب وهي تغيير أنماط الشحن العالمية، وإهمال أعمال الصيانة الرئيسية، وقصور برامج التدريب وبناء القدرات، والخلل في التعامل مع الشركات العالمية. وأضاف بن عوف أن معدات وأجهزة الشحن والمناولة عانت لفترة طويلة من عدم تنفيذ برامج صيانة دورية كان يجب القيام بها كل 5 سنوات، لكنها لم تنفذ منذ 22 عاماً. وفي الاثناء دشنت هيئة الموانئ البحرية (10) آليات مناولة حديثة للعمل بالموانئ، معلنة فتح منافد لمناولة الحاويات عبر الميناء الأخضر بميناء بورتسودان الشمالي وميناء دقنة بسواكن، وذلك في إطار مصفوفة تطوير هيئة الموانئ البحرية. وأوضح المدير العام للهيئة أونور آدم سلطان، خلال مراسم التدشين، أنَّ دخول هذه الآليات يُعدُّ إضافة حقيقية لجهود التشغيل ورفع كفاءة المناولة بنسبة 50% وزيادة الإنتاج بخبرات وطنية من كوادر الهيئة. فيما أكد نائب مدير عام الهيئة فقيري عبد الله فقيري أن تدشين الآليات الحديثة مؤشر مهم لتطوير الأداء وزيادة الإنتاج وتمكين الموانئ السودانية لجذب خدمات البضائع القابلة لإعادة الشحن والبضائع العابرة (تجارة المسافنة والترانسيت)، معرباً عن أمله في التجاوب السياسي مع جهود تطوير الموانئ. من جانبه، أكد مدير الشؤون الهندسية عبد الكريم حسن حامد جاهزية الإدارة الهندسية لرفع كفاءة التشغيل وتأهيل الموانئ السودانية لتقديم كل لوجستيات النقل البحري بالبحر الأحمر بخبرات كوادر الهيئة. ويرى الخبير الاقتصادي د. محمد الناير أنَّ ميناء بورتسودان يمثل أهمية اقتصادية قصوى للسودان، ويمكن أن يحقق في ظل انتعاش الحركة التجارية ويرفد خزينة الدولة بالملايين من موارد النقد الأجنبي نظراً لاعتماد السودان على الصادرات والواردات في تغطية أكثر من 60 % من احتياجاته الرئيسة، إضافة إلى اعتماد عدد من بلدان المنطقة على ميناء بورتسودان في استيراد سلعها. وأضاف أنَّ الحظر الاقتصادي الأمريكي خلال ال20 عاماً الماضية أثر سلباً بشكل واضح في أداء ميناء بورتسودان. مداميك