(من الأفضل للشعب أن يمر بتجربة حكم جماعة الإخوان المسلمين، أذ لا شك أنها سوف تكون مفيدة للغاية فهي تكشف لأبناء هذا البلد مدى زيف شعارات هذه الجماعة التي سوف تسيطر على السودان سياسياً واقتصادياً، ولو بالوسائل العسكرية، وسوف يذيقون الشعب الأمرين وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها إلى ليل، وسوف تنتهي هذه الفتنة فيما بينهم وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً). هذا ما قاله "محمود محمد طه" في شأن السياسة الى جانب مساهماته في الفكر والدين عبر العديد من الكتب المطبوعة، والتي كانت محل جدل واسع أدت الى اتهامه بالردة ومن ثم إعدامه في عهد الرئيس السابق جعفر نميري، امس الثامن العاشر من يناير كانت الذكرى ال 36 تحت شعار (سلام أيها الإنسان) والتي أحياها الحزب الجمهوري على طريقته الخاصة بإقامة ندوة بعنوان "السلام جدلية الدين والدولة.. متاهات في أزقة تحليل النص"، كان الحضور أنيقاً واستقبال الضيوف أكثر أناقة باصطفاف بعض الشباب والآنسات في مدخل البوابة. ذكرى الاستاذ كانت الافتتاحية بالقرآن الكريم ثم إنشاد لقصائد الحزب بصوت "آمنة حيدر الصافي" ومن ثم عرض فيلم عن مشاركة الحزب الجمهوري في ثورة ديسمبر، شرّف الحضور رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك، وأعضاء مجلس السيادة عائشة موسى، رجاء نيكولا، حسن شيخ إدريس والوزيرة ولاء البوشي، إلى جانب قيادات قوى الحرية والتغيير كمال بولاد، ساطع الحاج، والقيادي بالجبهة الثورية ياسر عرمان. كانت الكلمة الأولى للأستاذ كمال بولاد الذي تحدث عن الدائرة الشريرة منذ استقلال السودان ما بين الليبرالية والعسكرية وأنه لا يمكن تجاوزها إلى عبر ترسيخ الديمقراطية وقبول الآخر، وبمناسبة هذا اليوم يجب أن نتفكر في عطاء الأستاذ محمود وتجربته المختلفة وهو أحد المجددين خلال المائة عام الاخيرة لانه اجاب على اسئلة واستفهامات قديمة، واستطاع أن يربط بين الفكر والنضال السياسي، لذلك لم يكن غريباً مشاركة الحزب الجمهوري في العمل السياسي وقوى الحرية والتغيير والذي ارتبط بالموقف السياسي من أفكاره ونأمل أن يكمل الحزب ما بدأه الأستاذ خاصة واننا مقبلين على فترة صعبة في مرحلة الانتقال. ممثل الجبهة الثورية هاشم الشيخ فتح الرحمن، قال إن العالم انقسم إلى اثنين عندما تم إعدام محمود محمد طه الجزء الاول كان رافضاً على رأسهم مجلس العموم البريطاني وحديث رئيس حزب المحافظين ان هذه الجريمة تحط من قدر أي انسان على ارض البسيطة، وكتب البروفيسور عبدالله الطيب قصيدة رثاء تتكون من 72 بيتا الى جانب ما كتبه منصور خالد هؤلاء هم الصفوة الذين نعوا الاستاذ، وفي الاتجاه الآخر كان البعض يردد: "الحمدلله إنه مات"، هذه الفجوة بين الفريقين يجب أن يسدها المثقفون لأن رجال الدين يريدون ان يبقوا هذا المارد في قمقمه، هذا تحدٍّ يواجه المثقفين وانا اقول عنهم انهم سلبيون بوقوفهم دون فعل. الدين والسياسة بعد الافتتاحية التي تحدث فيها الحضور عن شخصية الاستاذ محمود محمد طه وفكره، بدأ مقدم الندوة مجدي عزالدين حديثه بأن محمود كان يبشر باقتراب عهد الانسان والخروج من البشرية، وان التراث الفكري الذي خلّفه الاستاذ ليس حكراً للجمهوريين او السودانيين فقط بل للإنسانية جمعاء، ومشروعه الفكري يطرح مجموعة من التساؤلات هل نحن أمام منّظر اجتماعي أم سياسي أو صوفي؟ لقد امتزجت كل الوان الطيف في هذه المساهمة العظيمة التي قدمها. ابتدر الندوة مقدم الورقة حيدر الصافي الامين السياسي للحزب الجمهوري الذي قال إن السلام وجد مسارات في التسميات السياسية، واذا لم تتوافق مكونات ودواخل الإنسان، وفي السودان شكل الصراع السياسي الديني عقبة كبيرة واجهت المواطن السوداني، وبالنسبة للدين فمنذ 300 سنة وجد الناس ان هنالك معتقدا دينيا بدأ بشعور الفرد عندما وجد انه في بيئة لا يتحكم بها (العواصف، الفيضانات، الزلازل…) تأكد ان هنالك قوة خارجة تتحكم في هذه الظواهر، وبدأ الدين في تعريفه هو جدلية بين القوة الخارجة عن ارادتنا ومقدرتنا على تسيير حياتنا في بعض الاحيان، والدين لا يزال حضورا في الواقع الانساني ولا نستطيع تجاوزه بمفردة سياسية لذلك لابد من وجود توافق، والتداخل بين الدين والدولة موجود في كل المجتمعات والدول، لكن المسألة في الدين الاسلامي أكثر تعقيداً لحدوث "شِبكة" او تداخل بين شريعة العبادات والمعاملات وهذا ما أدى الى ظهور الاسلام السياسي. وعلى مستوى الدستور السوداني منذ 1953م إلى 1956م لم يذكر ان السودان دولة اسلامية، وفي عام 1956م قال ميرغني النصري::أن يكون السودان دولة مسلمة والشريعة احد مصادر التشريع، وفي 1964م لم يذكر الدستور شئ عن الشريعة، لكن دستور 1985م كان صارخا والحكومة الديمقراطية الثالثة لم تستطع تغييره والوثيقة الدستورية الآن تميزت بأنها ذكرت شيئا خاصا وهو أن الشريعة ليست مصدرا للدستور ولذلك واجهت لغطا كثيرا، لذلك فإن عبارة "فصل الدين عن الدولة" لها أثر نفسي لدى المواطن العادي فيمكن أن نقول "فصل الدين عن السياسة"، والانسان اصبح متطورا و يتطلع للمساواة، والمرأة دخلت مسألة الانتاج لذلك لا يمكن أن ترضى بواقع أقلّ. رواد مدارس الحداثة (شحرور،اركون،ابوالقاسم حاج حمد) لم يستطيعوا أن يقللوا مسألة الهوس الديني بل ظلوا يدورون في فلك النص والفلسفة وتاهوافي اللغة،ولم يتحدثوا عن الدين لأنه مربوط بالتقوى والعبادة، ومعظم المجددين اتخذوا ذات الاتجاه، في المنطقة العربية اهتموا بنصوص منذ القرن السابع وكانوا انتقائيين في اختيار النص وتجاوزوا النسخ، والاستاذ محمود محمد طه لم يتحدث عن اجتهاد لأنه يعتقده نحت بل يدعو الى بحث جديد لذلك وجد مصادمة من رجال الدين والعوام، والآية التي تقول (مبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) يجب ان تتوحد حولها الاديان ، لذلك قال لن هناك قرآن اصول(المستوى العلمي من الدين بنى عليه مشروعه) وقرآن تشريع (التمييز فيه مبني على العقيدة ، الدين قمته يخاطب الانسانية). السلطة والثروة وشاركت في الندوة الاستاذة نعمات كوكو مدير مركز الجندر للبحوث والدراسات التي قالت ان شعار الثورة عبر عن العمق الفكري للشباب ويجب الانتباه للاديان الجديدة ، بالنسبة للسلام فان اتفاقية سلام نيفاشا 2005م كنا محتفين بها وتوقعنا ان تنقل السودان نقلة نوعية وتكون معبرا حقيقيا لحقوق المرأة لانها تنقلنا من هيمنة الدولة الدينية الى الدولة المدنية لكن في النصوص خذلنا دستور 2005م لانه نص على ان قوانين المرأة في الشمال تحكم بالشريعة وفي الحنوب بالعادات والاعراف، كما اقتسام السلطة والثروة افرغت السلام من محتواه، وذات الشيء الآن في اتفاق جوبا لاننا نتحدث عن قسمة جهوية ولم تكن عادلة لكل الفئات، وطالبنا بتوزيع الموارد على اساس القطاعات (التعليم ، الصحة ، التنمية …) كل اقليم حسب ما يحتاجه ، والسلام لن يستمر بدون سياسات بديلة في الثروة، لذلك لابد من ابعاد الدين عن السياسة ولا يكون هنالك ما يسمى بمصادر التشريع لانها تعمل مشكلة سواء مسلم او مسيحي بل يجب ان نستند الى القوانين الدولية ، ويكون لدينا دستور مدني ديمقراطي والهوية سودانية. الدستور والشريعة المحامي نبيل أديب تحدث في مداخلته عن الدين الذي اعتبره سابقاً للدولة والحاجة للدين اساسية لكن المسألة تحتاج الى دقة في التعبير، وطرح ميرغني النصري لم يؤخذ به قبل الانقلاب لأنه لم يكن هنالك ضرورة لذلك، ولجنة دستور 1964م نجد ان هناك ارتفاع كبير لايجاد صلة دستورية بالدين وهل السبب الحاجة للدين ام النزوع للسلطة ؟؟ الى الا لم يتبنى السودان دستور اسلامي بل هي شريعة اسلامية والشريعة شاملة لكنهم يتحدثون عن الدستور والقوانين ، النزوع الى دمج الدين في التشريعات يذهب في اتجاه واحد مع زيادة الاتجاه نحو الحروب الاهلية والانفصال (الحرب الأهلية قبل الاستقلال لأجل البترول) ودستور نميري هو علماني. وأوضح انه في حكم البشير لم يصدر دستور اسلامي ايضا لان الدستور هو القواعد التي تضبط السلطات في الدولة وظريق ممارستها وحرياتها ، والوثيقة الدستورية كانت اكثر واقعية وليس بها ان مصدرها الشريعة وترجمت لستة مواد في القانون الجنائي فقط وهي موضوعة كمسألة سياسية لرفع العواطف فقط، ووحدانية الله لا تنعكس على الناس ، والحاكمية لله والسيادة للشعب، والتطبيق الديني للفهم الواحد هو الذي قاد الحرب الاهلية لنهاية مأساوية، والتعدد لا يمكن قبوله في ظل نظام ديني واحد ، لذلك فان السلام مطلب اساسي له هو حق المواطنة، وحق المواطنة لا يمكن ان يحافظ عليه في حكم ديني. العلمانية والمواطنة كانت المشاركة الأخيرة للقيادي بالجبهة الثورية ياسر عرمان الذي قال:"نحن متمسكون بالفكر العلماني لكن ليس شرطاً للسلام بل شرط للسودان الجديد وهي لا تفرض بالقوة وهي ليست بديلة للمواطنة، لان المواطنة اعمق من العلمانية". وقال:"إن فصل الدين عن الدولة يحتاج الى عمل واسع والتطوير عبر الارادة السياسية ومدارس الحداثة والثورات الاجتماعية والتطوير الداخلي المرتبط بالتعليم منها قضية المناهج المشتعلة الان ويجب عدم التخلي عنها مهما كانت اساليب الثورة المضادة". الحداثة