بعد شهور صعبة عانى السودانيون فيها من شح في النقود والوقود ومواد غذائية أساسية، بدأت تتوفر بعض المواد وتخف طوابير الخبز، مع ترقب الإعلان عن حكومة جديدة، الخميس المقبل. وقدمت القوى السياسية المختلفة في السودان مرشحيها لرئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، لتولي الحقائب الوزارية في حكومته الجديدة، حيث سيكون عليه اختيار 27 وزيرا من إجمالي نحو 80 مرشحا يمثلون أطراف المشهد السياسي المتشابك في السودان. وتختلف الحكومة المرتقبة عن سابقتها، بحسب المحلل السوداني، أيمن ثابر، في حديثه مع موقع "الحرة" في أنها "حكومة مكونة من سياسيين وليست تكنوقراط، وانسحاب بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، واشتمالها على ممثلين عن الحركات المسلحة بعد توقيع اتفاق السلام في جوبا، حيث من المقرر تمثيلهم في المجلس السيادي والحكومة والمجلس التشريعي". وتحدثت اتفاقية جوبا للسلام، التي تم تضمينها في الوثيقة الدستورية، عن نسب توزيع السلطة، لكنها لم تفصل أو تحدد على وجه الدقة حصة كل طرف من الوزارات التي يبلغ عددها 27 وزارة. وقال المحلل السياسي السوداني، محمد محي الدين، في مقابلة مع قناة "الحرة": "يبدو أنهم رأوا أن حكومة التكنوقراط لم تحل الأزمات فاتفقوا على تشكيل حكومة من سياسيين". ويعاني السودان أزمة اقتصادية كانت وراء الإطاحة بالرئيس السابق، عمر البشير، في أبريل 2019، إثر احتجاجات شعبية، بدأت في ديسمبر 2018، واستمرت أشهرا بعد رفع سعر الخبز. وبلغ معدل التضخم، وفق إحصاءات رسمية، 269 في المئة، خلال ديسمبر الماضي. وتتراجع قيمة العملة المحلية فيما تقدر الديون الخارجية للخرطوم بنحو 60 مليار دولار أميركي. وتتولى السلطة منذ الإطاحة بالبشير حكومة انتقالية من مدنيين وعسكريين تحاول التصدي للأزمة. خلافات سياسية ويوضح محي الدين أن "كل وزارة يرشح لها ثلاثة مرشحين، ثم تقدم هذه القائمة للفحص.. من قبل الأجهزة الأمنية، وهناك اشتراطات قال رئيس الوزراء إنها يجب أن تتوفر في المرشحين، وهي الكفاءة والنزاهة وتمثيل النساء بنسبة 40 في المئة، كما نصت الوثيقة الدستورية". ويرى محي الدين أن معايير اختيار الوزراء حولها خلاف، "وقد تحدث قدرا من عدم التوافق في حال تم تكليف شخص لم يتم التوافق عليه، خاصة وأن هذا التقسيم تم على أساس المحاصصة بين القوى والأحزاب والائتلافات المختلفة التي تشكل قوى الحرية والتغيير". وأطل شيطان التفاصيل برأسه حينما بدأت الأطراف اقتسام الحقائب، ليفتح الباب واسعا للمحاصصات الحزبية والسياسية، حيث لازم إجراءات توزيع الحقائب الوزارية مخاضٌ سياسي عسير بين الأطراف، خاصة داخل مكونات قوى الحرية والتغيير من جهة وداخل الجبهة الثورية بمكوناتها العسكرية من جهة ثانية . وأضاف محي الدين أن السياسيين يحاولون أن يبحثوا عن صيغة تحقق التراضي بينهم في كيفية إدارة الصراع، لأن "الفترة الماضية شهدت حديثا عن أن حزبا واحدا قام، عبر أكثر من آلية، بترشيح عدد من منسوبيه، وقال إنهم كفاءات، وبالتالي حدثت خلافات ظهرت بشكل كبير في خروج الحزب الشيوعي، الذي يعتقد على نطاق واسع أن كوادره تغلغلت في أحزاب مختلفة وحتى عبر وزارات متعددة". "حكومة أزمة" وقال عضو الترشيحات بقوى الحرية والتغيير، إبراهيم الشيخ، إن "كافة الأطراف المعنية تتأهب لمجلس وزراء جديد ينهض بالمهام"، معلناً عن "إعداد تصور لبرنامج المرحلة القادمة يشمل رؤى اقتصادية وأمنية وعلاقات خارجية، سيتم التوقيع عليه ابتداءً قبل إعلان التشكيل الوزاري، الأمر الذي يؤكد وجود رؤية واضحة تقود المرحلة القادمة ويلتزم بها كافة الشركاء". لكن ثابر يصف الحكومة الجديدة بأنها "حكومة أزمة"، واعتبرها بمثابة "حكومة تجميل وجه للمؤسسة العسكرية في حدود المتوفر من القوى المدنية المتمثلة خاصة في الأجسام المتبقية من قوى الحرية والتغيير والتي تحاول أن تكون جزءا من الحكومة المقبلة". ويقول ثابر: "هناك أمل ضعيف لدى الشارع في أن تستطيع هذه الحكومة فعل شيء"، مشيرا إلى أن هناك محاولة للترويج بأن كل شيء سيتحسن مع تشكيل الحكومة الجديدة، ويضيف "ما يحدث هو محاولة لتخدير الناس لكنهم سيستيقظون بعد فترة ليست بالطويلة". وبين الخوف من تكرار تجربة حكومة الكفاءات السابقة، التي يتهمها كثيرون بالفشل في حل أزمات البلاد المتعددة، والتفاؤل بمقدم طاقم جديد لم تكن لكثيرين منه تجربة سابقة في الحكم، تبقى ذات التحديات الاقتصادية والأمنية ماثلة في مشهد سياسي تتسع دائرة انقساماته يوما بعد آخر. ويوضح ثابر أن "كل الأوضاع سيئة للغاية. الحكومة تواجه ضغوطات كبيرة من قبل حتى أن تولد، وينتظر منها أن تحل أزمات عميقة مع غياب الأدوات". وخرج آلاف السودانيين، في 24 يناير الماضي، احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية، بينما ردت عليهم القوات الأمنية بإطلاق الغاز المسيل للدموع. ويتوقع ثابر الفشل للحكومة الجديدة "في ظل سيطرة العسكر على مقاليد الأمور"، مشيرا إلى "أن الشكل الظاهري (يوحي) أن هناك شراكة بين المدنيين والعسكر، لكن الحقيقة أن الجيش يسيطر على معظم موارد الدولة ويفرض سيطرته على مقاليد الأمور. الحكومة الجديدة ستكون مقيدة". وأوضح أن الميزانية الجديدة لم تشمل أي مساهمة مالية من الشركات العسكرية والأمنية، "وهذا يؤكد أن الاقتصاد لا يزال في يد الجيش". وتفيد تقارير إعلامية محلية أن لدى الجيش والأجهزة الأمنية 250 شركة تعمل في قطاعات حيوية، مثل تصدير الذهب واللحوم واستيراد دقيق القمح إضافة إلى الزراعة. وهذه الشركات معفاة من الضرائب ولا تخضع للمراجعة، ما يجعلها تعمل في سرية تامة في ظل معاناة البلاد من أزمة اقتصادية . وانتقد رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، مرارا الجيش والأجهزة الأمنية، معتبرا أن استثماراتهما في القطاعات المنتجة في البلاد منذ أعوام هو "أمر غير مقبول". وتوصل العسكريون والمدنيون، الذين قادوا الحركة الاحتجاجية، في أبريل 2019، ضد نظام البشير، إلى اتفاق تاريخي، في أغسطس 2019، ينص على انتقال تدريجي للسلطة إلى المدنيين. ولكن الأشهر الأخيرة، أظهرت تراجعا في العلاقات بين الحكومة التي يديرها مدنيون، وبين العسكريين.