كثيراً ما يتعرض بعض الناس، خاصة الكتاب في صحافتنا، الورقية او الإلكترونية، لنبذ الأيديولوجيا، كشيء ذميم او خاطيء يتبرأون منه! ويطلبون من الآخرين فعل نفس الشيء. في الحقيقة، هذا الاتجاه، في حد ذاته اتجاه أيديولوجي، لانه يشكل حزمة أفكار او معتقدات مخالفة لبقية الحزم الموجودة في الأيديولوجيات الأخري. لكي نكون اكثر وضوحاً، لنتعرض باختصار لما تعني كلمة ايديولوجيا ، لغويا، فلسفياً، ساسياً واقتصادياً. كإسم (Noun): تعني الأيديولجيا، نظام للأفكار او المثل، التي تشكل الأساس، لنظرية سياسية او اقتصادية او اجتماعية او فلسفية. (بغض النظر عن نوع النظرية). بمعني إخر ، الأيديولوجيا تعني، خصائص وجهات النظر وطريقة التفكير لمجموعة من الناس، الطبقة الإجتماعية او الفرد. دراسة الأيديولوجيات، تعني علم الأفكار، أي، دراسة طبيعتها ومصادرها. في فهم بعض الناس الأيديولوجيا تعني، بطريقة مطلقة، روءية تقديرية غير واقعية او ذات طبيعة مثالية! في حين ان الأيديولوجيا هي في الحقيقة: "حزمة من الاعتقادات او الفلسفات، الراجعة لشخص او مجموعة من الأشخاص،يتبنونها بصورة قطعية. " من جانب التفسير الفلسفي، الأيديولوجيا تعني: "مجموعة معتقدات وقيم، لدي شخص او عدة أشخاص يتبعونهالاسباب تظهر فيها العناصر العملية كعناصر نظرية." بصورة اشمل: "الايديولوجيات، هي سلسلة عمليات (processes) لاعتقادات اجتماعية، اقتصادية، فلسفية، ثقافية، سياسية او دينية، تعتنقهااوً توءمن بها أغلبية (او أقلية ) في المجتمع." لتقريب مفهوم الأيدولوجيا، يقسم ‘ميريان وبستر' الفكرة لقسمين: 1- خصائص طريقة او مستوي التفكير عند شخص او مجموعة من الأشخاص، 2- مجموعة الأفكار او النظريات والاهداف، التي تشكل برنامج اجتماعي سياسي. من جانب آخر، ولتوضيح أكثر، نأخذ مثلاً: يستخدم مفهوم أيديولوجيا، ايضاً، للإشارة الي الأفكار السياسية للذين يتولون السلطة، وفي نفس الوقت يحترمون رأي من هم في المعارضة؛ وتكون بذلك الأيديولوجيا السياسية السائدة في المجتمع هي "الديمقراطية"، كما في الهند مثلاً. والعكس يوجد في النظام الدكتاتوري الذي يتبع الأيديولوجية التوتاليتارية "Totalitarianism". هذا يعني أن هنالك أيديولوجيا، "الديمقراطية"، كنظام حكم للتبادل السلمي للسلطة، غالباً ما تحظي بقبول الغالبية العظمي من الناس. وفي نفس الوقت، يختلفون أيديولوجيا حول طريقة إدارة الإقتصاد، لبرالياً، إشتراكياً أو مزيج من الإثنين، كما عند "الديمقراطيين الإشتراكيين." هنالك أمثلة كثيرة للأيديولوجيا في المجال الاجتماعي، مثلاً: التركيز في مجال حماية البيئة والممارسات الخضراء، مما أدي الي ظهور "ايديولوجيا الخضر". هنالك ايضاً مناهضة بصورة مطلقة، للتفرقة بين الجنسين التي أدت الي ظهور أيديولوجيا الأنثوية Feminism. وتوجد أمثلة عديدة علي النطاق الاقتصادي والسياسي: اللبرالية، الماركسية، الماركسية اللننية، الفاشية، اللبرتاريانية Libartarianism، الشعوبية populism, القومية، الشوفينية الغربية Western chauvinism الخ … اخيراً نشير الي ان هنالك تقاطعات بين عدة ايديولوجيات، تحت شعارات مختلفة لدي العديد من التوجهات السياسية، وكثير من الاحزاب. نجد ذلك علي سبيل المثال، عند احزاب الديمقراطية الاشتراكية، خاصة في الدول الإسكندنافية، علي سبيل المثال، والتي ترفع برامج سياسية بها مزيج من الأيديولوجيات. مما تقدم، يبدو أنه من الضروري أن يراجع من يهاجمون الأيديولوجيا (بصورة مطلقة) او يتبرأون منها، يجب ان يراجعوا فهمهم لما تعنيه الأيديولوجيا من الناحية اللغوية، الفلسفية، الاقتصادية والاجتماعية. رأينا ان نتطرق مرة ثانية لهذا الموضوع، لكثرة الذم للايديولوجيا بصورة مطلقة، من قبل البعض، دون ان يحددوا عن اي ايديولوجيا يتحدثون. هذا في حد ذاته، موقف أيديولوجي من الايديولوجيات التي ينبذونها ويطالبون بالبعد عنها. إن المطالبة بالبعد عن الأيديولوجيا أو "الأدلجة" كما يحلو للبعض تسميتها، في السودان، خطأ يستوجب المراجعة لمفهوم "الأيديولوجيا" نفسه، خاصة من مثقفينا وسياسيينا وصحفيينا المحترمين. معذرة للإطالة، مع كل التقدير لكل المفاهيم والتوجهات الأيديولوجية المختلفة في بلادنا التي تتطلع للديمقراطية. فالأيديولوجيا كمفهوم مطلق، ليست بسبة او تهمة تنكر او شرف يدعي. هي موجودة، رضينا أم أبينا، في كل حزم افكارنا ومفاهيمنا، بما فينا من يعتقدون انها سبة! لا يوجد إنسان "يفكر"، بلا حزمة مفاهيم وأفكار أو معتقدات يفسر بها ما حوله. لذلك الكل يحمل أيديولوجيا او مزيج من عدة أيديولوجيات. والإنسان يفقد أيديولوجيته، فقط عندما يفارق الحياة. اللهم صبرنا علي خلافاتنا وحسن إدارتها وقونا بتنوعنا وتنوع توجهاتنا حتي نصل الي ما يفيد ويوحد ويقوي ويطور بلادنا انك سميع مجيب.