وكأن بلادي وقد انقسمت على نفسها جدلا بيزنطينيا ما بين إسلامي وعلماني. وكل يصرخ في واد سحيق. فلا أحد يصغي للآخر رغم أن اختلاف الآراء والمصالح ليس بالضرورة شيئاً سلبياً. ولكن هل لنا أن نصغي لبعضنا البعض ولو قليلا. فلقد أجريت دراسة في الولاياتالمتحدة الأميركية تناولت الاتصالات الشخصية لثمانية وستين شخصا في مختلف الأعمال تبين أن 75 % من مواضيع النهار تتم بالاتصال الشفهي بمعدل 30 % للحديث و45 % للإصغاء أو الاستماع. وأجرى الدكتور رالف نيكلز وليونارد ستيفنز الأستاذان في جامعة مينيسوتا الأميركية طوال سنتين دراسة وقياس القدرة على الإصغاء لدى الآلاف من الطلاب، كما أجريا بعد ذلك دراسة تلك القدرات لدى العشرات من العاملين في حقل التجارة والمهن الحرة، فكان الشخص المتوسط هو (نصف مصغ) حتى عندما يحاول فإنه لا يحفظ إلا حوالي 50% مما يسمعه مباشرة بعد سماعه وعملية الإصغاء تتطلب أن تقوم بأكثر من ترك موجات الصوت تدخل أذنيك، تماما كعملية القراءة التي تتطلب أكثر من النظر إلى الأسطر المطبوعة. وحقا فلا أحد في مجتمعاتنا يصغي إلى الآخر فنحن نفتقر إلى فن الإصغاء لبعضنا البعض. فاول من لا يصغون للآخرين هم ساستنا. وكل يصرخ وكل لا يصغي لمنافسه. وفي البيت لا يصغي الأبناء لأبائهم . ولا تصغي البنات لامهاتهن. وخريجون جدد يحملون أوراقهم وشهاداتهم يطرقون أبواب الرزق ولا أحد يصغي اليهم، وكلما طرقوا بابا فثمة من يصل دونهم من وراء الابواب ليحصل على الوظيفة وان كان شخصا أقل كفاءة ولكنه يملك خارطة الطريق المختصرة، ورجال قانون لا يصغي إليهم احد. ومحامون لا يصغي إليهم احد. والصحفي لا أحد يصغي إليه أحد. وهو يصغي كثيرا لاعلام الأعداء دون إعلامه احيانا. والمعلمون لا يصغون إلا إلى مداخيل الدروس الخصوصية. والتاجر لا يصغي الا لجيبه ومكسبه. و الطلبة لا يصغون الا المدرسين. والسائق لا يصغي إلى قوانين الشارع. والمتنفذون لا يصغون إلى شعوبهم. والمزارعون لا يجدون من يصغي إليهم و لمنتجاتهم وسيف السماسرة قد سلط على رؤوسهم. رسولنا صلى الله عليه وسلم ما قاطع متحدثاً قط حتى مع المخالفين له فى الرأي والاعتقاد , كان يسمع وبعد أن ينتهوا كان يرد عليهم بما يناسبهم . الإصغاء باهتمام إلى شخص ما هي إحدى أفضل الطرق لإظهار الاحترام له، وتكوين صلة إنسانية عميقة معه. وعندما تصغي لشخص ما بعقلك وكل كيانك، فهذا يبعث له برسالة مضمونها أنك تقدر ما يقوله وتحترمه والحقيقة المؤلمة أن معظم الناس يقضون الوقت الذي يتكلم فيه الطرف الآخر في تحضير إجاباتهم عليها، والتدريب عليها، والقليل جداً هم من يحسنون الاستماع للآخرين بحق. وقد قالوا ان (فن الصمت أصعب من علم الكلام) الإصغاء ثم الإصغاء ثم الإصغاء.