كم سرني مواطن غيور في إحد شوارع الخرطوم وهو يدعو بعض العاطلين للعمل وترك لعب الدومينو والكتشينه. والله عفيت منك أيها المواطن وانت تحرك فيهم الحماسة للعمل. فمنظر الشباب أمام البيوت وفي المقاهي وفي جلسات ستات الشاهي قبيح للغايه. والرجل له الحق في ذلك فلقد تفاقمت هذه الظاهرة القبيحه وأصبحت أزمة وطن مكثوف اليدين أمام أبنائه لا يقدر على اعاشتهم. بدرجة ان الشيخ مصطفى عبد القادر هو الآخر يسخر من العواطليه بمقولته الشهيرة (قوم يا عاطل ). وليته يقوم ذلك العاطل الذي أيضا جلوس في كل محاضرات ذلك الشيخ الساخر. . والمشكله ان لا إحصائيات دقيقه ولا مشاريع للحل ولا خطط خمسية ولا سداسيه. في بلد لا يعرف اصلا التخطيط الاستراتيجي . وفقط تتفاقم أعداد العاطلين كل يوم ولا حياة لمن تنادي. فالكل يحمل هاتفه الخلوي انتقادا في الحكومة وأزمات الخبز والبنزين وشكرا حمدوك وعفوا حميدتي. والحال بكل صراحه يغني عن السؤال. وعجز حكومي قبيح بل ولا وجود لوزارة ذات صلة بالأمر في هذا الميدان أو حتى في الحديث عن هذه الأزمة و الجيوش الجرارة من الشباب تملأ الساحات وقد افتقدوا كل مقومات الحياة. وهذا ما سيدفع بهم للانحراف الأخلاقي والسلوكي غرقا في المخدرات وقبيح الفعل. وربما في النهاية يصبحوا مشاريع إرهابية وتجتذبهم الأفكار الضالة. وان كان الامر صعبا في ظل فقر البلاد اقتصاديا. حيث ينصب كل تفكير الحكومة في توفير رغيف الخبز واساسيات الحياة كاقصي ما تقوم به من كثير واجباتها ومسؤلياتها. . وكان مشكلة العطالة ليست بأولوية وطنية. فلم يحدث أن وجدنا لها حلا في السودان الا في زمان الراحل السيد الشريف حسين الهندي رحمة الله عليه وحين كان وزيرا للمالية. فقد كان هذا الرجل صاحب فكرة بند العطالة الشهير . فكان أن اقره البرلمان انذاك وتم توظيف الكثير من العاطلين. . ولم يشهد السودان بعدها فكرة شبيهة أو حلا ولو مؤقتا لهذه المشكلة العويصة. وكم كنت اتمني ان تتفتق عقول خبرائنا الذين يتولون الوزارات ويتمتعون بالامتيازات أن يخرج علينا احدهم بمشروع مشابه لمشروع الشريف حسين الهندي. والمصيبة ان تخرج علينا وزيرة الخارجية مريم الصادق لتطالب من دول الجوار بأن يصبحوا سكانا للسودان الواسع لأن البلد يحتاج سكانها كما تقول وليتها سكتت. فما اتعسها من فكرة وما اغباه من اقتراح. وهل السودان ناقص عطالي وقد امتلأت اركانه بالإحباش والافارقة والعرب وهم يسيطرون على أسواق العمل والزراعة في كل المشاريع الزراعيه. وظني ان ما لدينا من إحصاءات عن البطالة ليس بدقيق فهو اقل بكثير من الأرقام الحقيقية على الأرض. فالبعض يقول انها قد بلغت 33 في المائة من حجم القوى العاملة و البالغة نحو 25 مليون شخص. واتذكر انه وعندما تفاقمت هذه المشكلة في زمان الكيزان دفع الكيزان بالشباب إلى عوالم التعدين الفاشلة كحل بدائي لمشكلة العطالة وان كان مشروع التعدين هو الآخر غير مدروس وعشوائي حتى الثمالة. وظلت المشكلة تراوح مكانها حتى يومنا هذا. لذا فهو لزام علينا البدء بخطوات عملية للخروج من هذه الأزمة. فلماذا لا نعود مثلا للتعليم الفني والصناعي والتدريب المهني الذي كان قديما. ولماذا لا ننشيء مشاريع صغيرة للعاطلين و الاستغناء عن جيوش الأجانب الذين يشاركون المواطن فرص العمل المحدودة ودفع أبنائنا إلى المزارع بحوافز تشجيعية ومنحهم مشاريع زراعية صغيرة تكون مملوكة للدولة تحت إشرافهم يتكسبون منها وتنزع منهم حال اهمالها . ولماذا لا نقفل حدودنا عن هجرات الدول الفقيرة من حولنا نحو بلادنا . ولماذا لا نحدد النسل ولو لوقت محدد ليصبح لكل أسرة ولد وبنت في كل بيت والسلام. فالانفجار السكاني هو الاخر عامل مساعد في زيادة معدلات العطالة في البلاد. المؤسف حقا أن مشكلة العطالة ستظل مشكلة المشاكل وان كتبنا فيها إلى يوم القيامة. ولكن دعونا ندق ناقوس الخطر لهذه الأزمة الخطيرة علنا نجد ضوءا في آخر النفق. وللشاعر الفلسطيني سميح القاسم قصيدة معبرة بعنوان " خطاب في سوق البطالة" يقول في مطلعها: ربما أفقد – ما شئت- معاشي ربما أعرض للبيع ثيابي و فراشي ربما أعمل حجارا.. و عتالا.. و كناس شوارع.. ربما أبحث في روث المواشي، عن حبوب ربما أخمد..عريانا.. و جائع.. يا عدو الشمس.. لكن.. لن أساوم.. و إلى آخر نبض في عروقي..سأقاوم!!.. ………………………………………………. فيا شبابنا دع عنكم العطالة فنحن في زمان أصبح فيه الحصول على لقمة العيش قاسيا للغاية.