تثير زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد رفقة حليفه الجديد الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، في 6 مارس الجاري، تساؤلات عن خلفياتها بعد تزامنها مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الخرطوم. فالوضع في منطقة حوض النيل والقرن الإفريقي تحول إلى أشبه بلعبة شطرنج، يعيد الفاعلون فيها ترتيب تحالفاتهم على ضوء المعطيات الجديدة، فعدو الأمس أصبح صديقا، ولغة التصالح خفت صوتها أمام إغراء المصالح. مصالح وتهديدات مشتركة شكلت زيارة السيسي الأولى له إلى السودان، خطوة لافتة نحو تعزيز التحالف بين القاهرةوالخرطوم، في مواجهة إصرار أديس أبابا على استكمال بناء سد النهضة دون الأخذ بالحسبان قلق البلدين على أمنهما المائي. كما أن هذا التحالف الجديد يأتي في ظل أزمة حدودية تتطور بين السودان وإثيوبيا، تتخوف دول الجوار أن تتحول إلى حرب بين البلدين. فالسودان، في عهد نظام عمر البشير (1989 2019)، لم يكن متحمسا لدعم موقف مصر بشأن سد النهضة، على اعتبار أنه دولة معبر، لا مصب، كما تزعم القاهرة. كما أن السودان، بحسب مسؤوليه السابقين، لا يستهلك من حصته التاريخية من مياه النيل، المقدرة ب18 مليار متر مكعب، سوى 14 مليارا، بينما يذهب الباقي ليدعم حصة مصر. غير أن مواقف الخرطوم من سد النهضة بدأت تتغير في عهد المجلس السيادي الانتقالي بقيادة عبد الفتاح البرهان. فالمواجهات المسلحة بين الجيش السوداني ومليشيات وقوات إثيوبية، على منطقة الفشقة الحدودية، دفعت الخرطوم إلى الاقتراب أكثر من القاهرة، وتبني موقف موحد وأكثر صرامة من مشروع سد النهضة، الذي كانت تدعمه بشدة. وتجلى ذلك في تشديد السيسي والبرهان خلال لقاء الخرطوم، على رفض "أي إجراءات أحادية تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق". سد النهضة لم يعد بعيدا بعد 27 عاما من سيطرة مليشيات ومزارعين من قومية الأمهرة الإثيوبية على منطقة الفشقة السودانية، استغل الجيش السوداني انشغال أديس أبابا بقتال متمردي إقليم تيغراي (شمال)، في نوفمبر الماضي، لاستعادة أراضيه. واتهمت أوساط إثيوبية، القاهرة بتحريض الخرطوم على الدخول في حرب مع إثيوبيا، خاصة أن ذلك تزامن مع مناورات جوية مشتركة في قاعدة مروي السودانية، الأولى في تاريخ البلدين، تحت عنوان "نسور النيل 1′′، ما يعني أن هناك مناورات أخرى 2 و3. كما تبادلت الوفود العسكرية المصرية والسودانية الزيارات والاجتماعات بشكل مكثف خلال الأشهر الأخيرة، بلغت 7 جولات. وتوج كل هذا الحراك العسكري بتوقيع الجيشين المصري والسوداني "اتفاقية للتعاون العسكري في مجال التدريب وتأمين الحدود". وهذا التعاون العسكري الذي قد يصل إلى تحالف عندما يتعلق بإثيوبيا، شجع وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، للتصريح بأن لبلادها ومصر خيارات أخرى، في حال إصرار إثيوبيا على ملء "سد النهضة" في يوليو المقبل. ويمكن أن يصل هذا التلميح إلى "تهديد بتفجير سد النهضة"، كما صرح بذلك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ففي 23 أكتوبر الماضي، قال ترامب إنه "وضع خطير جدا، لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة.. سينتهي بهم الأمر إلى تفجير السد". وسبق لمعهد ستراتفور، الذي يوصف بأنه ظل للمخابرات الأمريكية، أن اعتبر أن المسافة بين مصر وإثيوبيا تقف أمام الحل العسكري لأزمة سد النهضة. إذ تبعد القاعدة الجنوبية في محافظة أسوان 1500 كلم عن سد النهضة، بينما لا يبعد الأخير عن الحدود السودانية سوى أقل من 40 كلم. ما يجعل الخيار العسكري المصري السوداني ضد سد النهضة ممكنا من الناحية التقنية، لكن ستكون له تبعات على السودان، خاصة إذا جرى تفجير السد بعد ملئه في يوليو المقبل، ما قد يتسبب في فيضان سيغرق القرى والبلدات الواقعة على ضفافه. إثيوبيا ترغب في إحياء تحالف 1997 في مواجهة تحالف الخرطوموالقاهرة، تسعى أديس أبابا إلى تشكيل تحالف مضاد لتطويق السودان من الشرق والجنوب. فرئيس الوزراء الإثيوبي، يعمل على تعزيز تحالفه الجديد مع الرئيس الإريتري، خاصة بعد نجاحهما في سحق تمرد إقليم تيغراي في نوفمبر الماضي. وكل من إثيوبيا وإريتريا بالإضافة إلى أوغندا، سبق أن خاضت مجتمعة حربا ضد جارها السودان في 1997، بتحريض من الولاياتالمتحدة، لكن الجيش السوداني تمكن من صدها. ويبدو أن آبي أحمد يريد إحياء هذا التحالف من جديد، للضغط على الخرطوم ودفعها إلى فك تحالفها مع القاهرة. لكن رئيس وزراء إثيوبيا استبدل أوغندابجنوب السودان، التي انفصلت في 2011 عن السودان، وخاضت معه في 2012 حربا حدودية حول حقل هجليج النفطي. بينما لم تعد أوغندا ترتبط بأي حدود مع السودان منذ 2011. غير أن دولة جنوب السودان، التي تكافح للخروج من حربها الأهلية (2013 2018)، لا تبدو متحمسة للدخول في حرب جديدة. فالبلد الوليد لم ينعم بالسلام منذ 1955 إلا لفترات محدودة، ولم يتم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي نص عليها اتفاق السلام إلا في 23 فبراير المنصرم. كما أن دولة جنوب السودان لعبت دور الوسيط بين أديس أباباوالخرطوم لتقريب وجهات النظر ومنع نشوب حرب بين البلدين، ومن المستبعد أن تنحاز لأحد الأطراف لأن ذلك سيضر بمصداقيتها وقد ينعكس سلبا على أمنها الهش. وتربط الخرطوموجوبا (عاصمة جنوب السودان)، علاقات طيبة حاليا، خاصة بعد أن نجحت الأخيرة في وساطتها لإنهاء تمرد عدة حركات مسلحة في السودان. وهذا ما يفسر استعانة آبي أحمد بأفورقي، لإقناع رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت بالانضمام إلى هذا الحلف، وتنسيق جهود البلدان الثلاثة ضد أي "تحالف عربي في حوض النيل"، أو على الأقل البقاء على الحياد. فتزامن لقاء آبي أحمد وأفورقي وسلفاكير، في اليوم نفسه الذي التقى فيه السيسي بالبرهان، رسالة من أديس أبابا للخرطوم بأن أي تحالف مع القاهرة ضدها سيرد عليه بتحالف إفريقي موازٍ. لكن مصر تجمعها علاقات حسنة مع إريتريا وجيدة مع جنوب السودان، وسبق أن دعمتهما في حربهما ضد إثيوبيا والسودان، فهل ستتغير معادلة التحالفات في المنطقة مع تبدل المصالح؟