توقع صندوق النقد الدولي، أن يؤدي توحيد سعر الصرف في السودان وإلغاء دعم الوقود وزيادة تعرفة الكهرباء، إلى جانب التدابير الضريبية في موازنة العام 2021؛ إلى تقليل التشوهات في الاقتصاد وتسهيل ضبط أوضاع المالية العامة، في وقت اعتبر محللون وخبراء اقتصاديون أن حديث الصندوق يصب في اتجاه تأكيد مضي الحكومة في تنفيذ ما طلبه الصندوق من اجراءات توصف بالاصلاحات، لكنهم أكدو أن أثرها لن يكون قريباً على الاقتضاد الكلي، وينبغي القيام بإجراءات داخلية لتخفيف العبئ الواقع على المواطنين من ذوي الدخل المحدود المتضررين من هذه الإجراءات. واعتبرت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في بيان صحفي، أن الإجراءات التي بدأها السودان من شأنها أن تقلل من تسييل الأموال، وتساعد على خفض معدل التضخم الحالي المرتفع، وتخلق حيزاً مالياً للإنفاق الاجتماعي الذي تشتد الحاجة إليه. وأشارت إلى أن الحكومة السودانية أحرزت تقدماً ملموساً في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يراقبها صندوق النقد الدولي، لكنها أكدت أن الوضع لا يزال "هشًا للغاية" في ظل انخفاض النمو وارتفاع معدل التضخم. وتُنفذ الحكومة الانتقالية في السودان، إصلاحات اقتصادية يُراقبها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تتمثل في رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والخبز، وتخفيض قيمة العملة الوطنية، وتأمل أن يؤدي ذلك إلى إعفاء ديون البلاد، واستقطاب موارد استثمارية جديدة لإنهاء الأزمة الاقتصادية. وقد وافق المدير العام لصندوق النقد الدولي على برنامج السودان الذي يخضع لمراقبة الموظفين (SMP)، والذي يدعم برنامج الحكومة الناشئ محليًا للإصلاحات الهادفة إلى استقرار الاقتصاد، وتعزيز الحماية الاجتماعية، وتعزيز القطاع الخاص، وتقوية الحوكمة. وقالت مديرة الصندوق، إن السلطات السودانية أحرزت تقدمًا ملموسًا نحو إنشاء سجل إنجازات قوي للسياسة وتنفيذ الإصلاح، وهو مطلب رئيسي لتخفيف عبء الديون في نهاية المطاف. وأكدت "أن الوضع الاقتصادي في السودان لازال هشًا للغاية، مع انخفاض النمو، والتضخم المرتفع، والموقف الخارجي الضعيف، مما يشكل تهديداً لاستقرار الاقتصاد الكلي، وبرنامج الحد من الفقر". وطالبت جورجيفا الحكومة السودانية بتنفيذ إصلاح سعر الصرف الجمركي في الوقت المناسب لزيادة الإيرادات والقدرة التنافسية، وتجنب العودة إلى تدابير السياسة المشوهة، بما في ذلك ممارسات سعر الصرف المتعدد والإعانات المالية. وأوضحت أن الشفافية في إدارة الشركات المملوكة للدولة أمرًا حيوًيا "للتخفيف من المخاطر المالية وتحقيق المزيد من الإيرادات في الميزانية". ودعت المديرة لتعزيز هذه الإجراءات ب "استقلالية البنك المركزي عن طريق الحد من الهيمنة المالية، وتحفيز التدفقات المالية من خلال النظام المالي، وتقليل فرص أنشطة البحث عن الريع"، إضافة إلى اعتماد قانون البنك المركزي، وإنشاء مفوضية مكافحة الفساد لتعزيز الاستقلال المؤسسي والحوكمة. وأعلنت عن موافقة صندوق النقد على المراجعة الأولى للإصلاحات الاقتصادية التي تُنفذها حكومة الانتقال، التي أشارت إلى أنها تهدف لاستقرار الاقتصاد وتعزيز الحماية الاجتماعية والقطاع الخاص وتقوية الحوكمة ويرى المحلل الاقتصادي خالد عثمان في حديث ل(مداميك)، إن بيان صندوق النقد الدولي في مجمله يحمل عدة توجيهات مع احتفاله بما تم من إنجازات، مضيفاً أنه يعتقد أن ما تم من إجراءات هي خطوات جريئة في اتجاه الإصلاح الهيكلي الذي تمت المناداة به من قبل. وأوضح أنه يتفق مع صندوق النقد الدولي في ضرورة التريث فيما يخص الخطوات المستهدفة لتنفيذ إصلاحات الدولار الجمركي، وأضاف: (أرى أن نبتعد عن كل الإجراءات المشوهة، فبدلاً من مراجعة سعر الصرف للدولار الجمركي، من الأفضل المراجعة الشاملة للتعريفة الجمركية). وتابع: (كذلك اتفق مع بيان صندوق النقد الدولي فيما يخص استقلالية المصرف المركزي حتى يتمكن من استخدام أدوات السياسة النقدية في السيطرة على عرض النقود وكذلك التضخم). وقال خالد إنه بالرغم من تأييده لسياسة الحكومة الانتقالية الثانية، الا أن الإجراءات المتخذة لها آثار سالبة على المواطن، لذلك لابد من تطبيق سياسات موازية لإزالة الفقر، وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي، والاهتمام بتسهيل وتيسير الخدمات الصحية للفقراء وذوي الدخل المحدود. من جانبه يعتقد الخبير الاقتصادي بكري الجاك في حديث ل(مداميك)، أن هناك مؤشرات إيجابية حملها البيان تعكس أن الحكومة تسير في خطوات صحيحة، وأضاف: (هذا ما رآه الفريق الذي زار السودان، وهذه الخطوات متمثلة في توحيد سعر الصرف ورفع الدعم عن السلع والكهرباء). وأضاف الجاك أن هناك ملاحظات سلبية حملها البيان، مثل مسألة السعر الجمركي، مبيناً أن صندوق النقد الدولي عموماً يرى أن السودان يسير في خطوات ايجابية في مسألة اعفاء الديون، وتابع: (حتى لا نتسرع في حكم، يمكن ان نسميها اول خطوة في مشوار المليون ميل)، واضاف أن مسألة اعفاء الديون لن تنتهي بين يوم وليلة، وهي مساأة معقدة، وبعد عمل كل الخطوات المطلوبة، هناك ما يسمى بنقطة القرار، وهذه لوحدها يمكن أن تأخذ ثلاث أو اربع سنوات، وبعد الوصول الى نقطة القرار لا يمكن إعفاء كل الديون، وهذا يتوقف على الجهة الدائنة. وأوضح بالقول: (نحن يمكن أن نقول إن الحكومة تسير في الطريق الصحيح، ولكن يجب ان نعلم أن كل هذا لا يعني شيئاً بالنسبة لتخفيف العبء على المواطن، ولا في الاستقرار الاقتصادي، ومطلوب العمل على الاقتصاد الكلي للدولة). معتبراً أن مسألة تقييم ما تفعله الحكومة إيجابي أم لا؛ لا يمكن في الوقت الحالي. وأِشار إلى أن مسالة تحرير سعر الدولار الجمركي، سوف تؤدي الى ارتفاع الاسعار، وتصاعد معدلات التضخم، مما يعني مزيدا من ضعف القوى الشرائية للجنيه ومعاناة الناس. مداميك