لم تبرح الوساطات الإقليمية والدولية منذ أن تجدد النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا قبل أسابيع ل"طلب التهدئة" من البلدين. ورغم الاتصالات المكثفة من طرف الاتحادين الأفريقي والأوروبي وجنوب السودان بالخرطوم وإديس أبابا، إلا أنها لم تثمر عن قبول الجارتين بالجلوس إلى طاولة الحوار، ما يشي بتعقد الوضع، وقد لا يستطيع أحد السيطرة عليه. الخرطوم – يراقب المتابعون لمجريات الأزمة الحدودية بين السودان وإثيوبيا باهتمام كبير خاصة وأن الدلائل تظهر أن هذا التوتر قد يتفجر في أي لحظة ويسري لأماكن أخرى في المنطقة، بعد أن دخل البلدان مرحلة العناد الدبلوماسي برفضهما إجراء مفاوضات برعاية دولية وإقليمية قبل تنفيذ كل منهما شروط الآخر. وكان المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة السوداني، العميد الطاهر أبوهاجة، قد أكد أواخر الشهر الماضي أن إثيوبيا ترفض الحوار لأنه ليس لديها حجج وبراهين تثبت بها حقها. وقال إن "إثيوبيا تقول إنها تُريد التفاوض حول الحدود، لكنه مشروط بانسحاب قواتنا"، ومن يستمع لهذا الحديث "يظن أن إثيوبيا هي الضحية والمظلومة". وجددت إثيوبيا في الثالث والعشرين من فبراير الماضي مطالبتها السودان بسحب جيشه من أراض سيطر عليها بمنطقة الفشقة في نوفمبر الماضي. وبعد ساعات، ردت الخرطوم بالتشديد على أنها لن تنسحب من أراضي الفشقة، مؤكدة أن جيشها "استعاد أراضي سودانية كانت تسيطر عليها ميليشيات إثيوبية منذ 25 عاما". وقال المتحدث باسم الخارجية السودانية، منصور بولاد، في وقت سابق إن "موقفنا هو عدم الانسحاب من الأراضي التي تم استردادها من القوات الإثيوبية في الفشقة على الحدود الشرقية، فهي أراض سودانية بموجب اتفاقية 1902". والنزاع في الفشقة الحدودية قديم، لكنه ظل بين مزارعين إثيوبيين وسودانيين، حيث يهاجم مسلحون إثيوبيون مزارعين سودانيين بغرض السلب والنهب، وكثيرا ما سقط قتلى وجرحى. وتتميز أراضي المنطقة، البالغة مساحتها 251 كيلومترا مربعا، بخصوبتها الزراعية، وهي مقسمة إلى ثلاث مناطق، هي الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى والمنطقة الجنوبية. ويتهم السودان الجيش الإثيوبي بدعم الميليشيات وهو ما تنفيه ديس أبابا، وتقول إنها "جماعات خارجة عن القانون". ودفع الخوف من التصعيد بين الجارتين، وما قد تكون له من تداعيات على منطقة القرن الأفريقي بأكملها أطرافا عديدة إلى التدخل، أحدثهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي أجرى مكالمتين هاتفيتين مع رئيسي وزراء السودان وإثيوبيا للمساعدة في خفض التوتر. ويرى المحلل السياسي السوداني أمين إسماعيل مجذوب أن الأزمة بين السودان وإثيوبيا أخذت وقتا طويلا ومنحى من التعقيد المستمر بسبب مناورات إثيوبيا لكسب الوقت. وقال إن "إثيوبيا لديها مهارات كبيرة في علم التفاوض، وتعمل الآن للاستفادة من الأزمة لإدارة أزماتها الداخلية، وكسب الوقت لإجراء الملء الثاني لسد النهضة المتوقع في يوليو المقبل، وكذلك إدارة أزمة إقليم تيغراي، وتهدئة الأوضاع حتى يتم حسم الشرعية والانتقال الذي يحدث بإثيوبيا". وتصر إثيوبيا على ملء ثان للسد حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق مع السودان ومصر، بينما تتمسك الأخيرتان، وهما دولتا مصب نهر النيل، بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي حتى لا يتم الإضرار بحقوقهما المائية. وفي ختام زيارة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى مصر الجمعة، أعلنت القاهرةوالخرطوم تطابق رؤاهما حول ملف سد النهضة، والمتمثلة في "أهمية التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد، بما يحقق مصالح الدول الثلاث". وبالنسبة إلى السودان، قال مجذوب إن الملف "به متغيرات كبيرة تؤثر في عدم الدخول في تفاوض حاليا، وهي الأزمة الداخلية الخاصة بالاستقرار السياسي وتطبيق اتفاق السلام (الحكومة السودانية وحركات مسلحة في الجبهة الثورية) على الأرض". واعتبر أن الوساطات التي بدأت بين الطرفين هي وساطة جنوب السودان ولم تقبلها إثيوبيا إلا بشروط، كما رفضت وساطة الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، توقع قبول الطرفين بالتفاوض، فمن نواح اقتصادية وعسكرية وجيواستراتيجية لا يستطيعان الدخول في حرب. وقال "أعتقد أن الأممالمتحدة تستطيع رعاية التفاوض عبر قرار صادر من مجلس الأمن، ومن دون ذلك صعب أن يكون هناك وسيط قوي يتمتع بقبول لدى الطرفين". ورغم كل ما يحدث من أجل إحداث اختراق في جدار الأزمة، إلا أن الوضع يبدو معقدا للغاية. وفي ال18 من فبراير الماضي بدأت تحركات أفريقية دشنها مبعوث الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد لبات، بلقائه رئيسي مجلس السيادة والوزراء في الخرطوم بهدف خفض التوتر بين السودان وإثيوبيا. وبعد يومين، أعلنت وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي أنها تسلمت رسالة من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي تتعلق بتخفيف التوتر مع إثيوبيا بشأن الحدود وسد النهضة. وسبقت ذلك مبادرة سلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان التي رحبت بها الخرطوم منتصف يناير الماضي. فيما أعلنت أديس أبابا في الثالث عشر من فبراير استعدادها لقبول الوساطة لتسوية النزاع بمجرد إخلاء الجيش السوداني المنطقة التي "احتلها بالقوة". ومبعوثا من الاتحاد الأوروبي، زار بيكا هافستو وزير خارجية فنلنداالخرطوم يومي 7 و8 فبراير الماضي وبحث مع مسؤولين سودانيين التوترات الحدودية مع إثيوبيا ثم توجه إلى أديس أبابا للغرض ذاته. وأعرب المحلل السوداني عطاف محمد المختار عن اعتقاده بأن هذه الوساطات لا يمكن أن تنهي التوترات، ف"القضية عميقة جدا". وفسر ذلك بالقول إن "الأزمة شائكة فالجيش السوداني أعاد انتشاره على أراضيه التي تغول عليها الإثيوبيون، لاسيما المتقاعدين من الجيش الإثيوبي في السنوات الماضية، ما جعل المنطقة عسكرية للجانب الإثيوبي، بالإضافة إلى استثمار قومية الأمهرا (الإثيوبية) في الأراضي السودانية، لاسيما منطقة الفشقة، من نافذين في إثيوبيا". وهذا الأمر ليس الوحيد المعرقل لأي تسوية، إذ لا يستطيع أحد أن يطالب السودان بسحب قواته من أراضيه التي أعاد استرجاعها، وهي مسألة تتفق عليها كل مكونات السلطة الانتقالية، عسكريين ومدنيين والشعب. ورأى المختار أن آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا لا يمكنه أن يتخذ بمفرده قرارا بوقف التصعيد لأن الأمهرا يقفون إلى جانبه في حربه على قومية التيغراي، ولا يستطيع أن يردعهم من تأجيج الحرب في المناطق الحدودية مع السودان.