خروج مشايخ الصوفية في هذا التوقيت لإعلان محاربتهم للمدنية والعلمانية، ينطوي على الكثير من "السياسة" التي لم نعهدها في الصوفية من قبل! وهذا لعمري له ما بعده من إخراج الطرق الصوفية من حيادها الذي ظل يحفظ نسيج هذا الوطن، رغم التقلبات التي عصفت به! حياد الصوفية لم يكن وليد خوف أو مداهنة للسلطان أو عدم رغبة في الانخراط في الحياة، وإنما كان موقفاً مبدئياً أملته ثوابت التصوف نفسه ورؤيته العميقة، التي تأبى الانحباس داخل رؤية سياسية، لأنها تجنح إلى الانعتاق من كل قيد زماني! روح التصوف ترفض الاكراه، وترفض التغيير بالقوة، حتى مع أصحاب الكبائر ولاهل القوم قصص وروايات في هدايتهم، ذلك لأن نهجها التغلغل في جسد الأمة بلا مقاومة كالماء والهواء، لذلك تجد التصوف كان يقبل الشيوعي والإسلامي دون أن يفرض عليهما مسار سياسي بديل! المدنية والعلمانية والاسلام نجدها مجتمعة في تركيا، وماليزيا وفي دول الغرب الذي يقدم لنا المساعدات اليوم، الغرب الذي ينوي كل العالم الإسلامي الهجرة إليه، رغم الإنكار من باب "الما بتلحقو ةدعو"! ما يحتاجه السودان ليس مصطلح أجوف، على شاكلة العلمانية هي الحل يردده بعض الشواذ ودعاة الانحلال الاخلاقي، أو الاسلام هو الحل يردده بعض الجهلاء الذي لا يفقهون من الدين سوى الجلد والقطع، ما يحتاجه السودان هو برنامج عمل وطني شامل، يستلهم مبادئ الاسلام الكبرى ومبادئ الانسانية جمعاء، برنامج يضع حد للفقر والمرض والجهل! وسمه حينذاك ما شئت لانه سيكون برنامج مسلم مدني يقف على مسافة واحدة من الجميع! أوقفوا هذه المعارك الوهمية، واطرحوا حلول بديلة، حلول تتسق مع قوله تعالى (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)، أي حديث عن الدين في غياب الطعام والامن هو حديث أناس شبعانين لاستغلال عاطفة أناس بسطاء! فالشعارات ليست سلاح العارفين!