عندما ر حل الانجليز من السودان في العام 1953 كانوا يفاخرون بأنهم يرحلون عن افريقيا بعد ان تركوا فيها درة للتاج البريطاني وهو السودان ولا غروا فقد حرص الانجليز خلال فترة حكمهم للسودان التي امتدت زهاء 60 عام على وضع وتطبيق أنظمة متطورة في الخدمات الصحية والمدنية، والعدلية والتعليمية كانت الأفضل في افريقيا بل والشرق الأوسط بمعايير ذلك الزمان والى وقت قريب. عمل الإنجليز على إيجاد نظام تعليمي في السودان كان هو الأفضل و الأكثر تطورا في أفريقيا و العالم العربي فقد كان يربط بين السياسة التعليمية و المنهجية التربوية لتحقيق الأهداف التعليمية و ذلك من خلال ترسيخ قيم الوحدة و السلام و التنمية و التعايش السلمى فكان الطالب وثيق الصلة بالواقع المحلي لتعميق الشعور بالوحدة الوطنية من خلال شخصيات سودانية منقو زمبيزى في يامبيو و صديق عبد الرحيم في القولد الذي كانا رمزا للوحدة الوطنية بين (مديريات) السودان المختلفة ( منقو قل لا عاش من يفصلنا قل معي لا عاش من يفصلنا, ا من نيلك العذب أسقنا وأبعث العزة في أشبالنا وأحفظ الشيب كراماً بيننا يتغنون), و اهتم بتوسيعي الأفق الثقافي للطالب من خلال الانفتاح علي ثقافة الغير وتعزيز سياسة التعايش السلمى و الانفتاح على خبرات و تجارب الغير عبر شخصية وليم هارفي في هولندا. في ظل ذلك النظام كان الخريج شعلة من العلم و الثقافة وكانت المواد كلها ما عدا الدين و العربي تدرس باللغة الإنجليزية و مع ذلك كان الخريج مجيدا للغة العربية و مجيدا بذات القدر للغة الإنجليزية و في إحدى المحاضرات التي كان يلقيها بانتظام الدكتور العلامة عبد الله الطيب في مدينة فاس (طيب الله ثراه) سألته عن السر في تفوق الطالب السوداني في اللغة العربية رغم ثقافته الغربية فرد على بكلمة واحدة قال لي (القرآن)ن وأوضح لي ان الخلوة لعبت دورا في ذلك باعتبارها مركز إشعاع ديني وثقافي تتلمذت فيها الأجيال ما قبل مرحلة السلم التعليمي و أردف يقول أن الطالب في السودان كان قبل أن يدخل المرسة كان يدرس ويحفظ القران الكريم و بالتالي تتقوى فيه ملكة اللغة العربية وقواعدها وبيانها مهما كان التأثير الغربي. واستمر النظام التعليمي الذي كان سودانيا خالصا الى العام 71 – 72م حيث ظل ذلك النظام يتمتع بسمعة طيبة وسط الدول النامية كما تمتع بقدر كبير من الفاعلية لمواجهة متطلبات التنمية وتخرج في ظل ذلك النظام طلاب على قدر كبير من العلم والثقافة والوعي الوطني كانوا قادة للاستقلال والنهضة التنموية والتعمير في البلاد و في العام 1972م كانت بداية الهبوط التعليمي حيث قام د. محي الدين صابر الذ كان وزيرا في حكومة مايو بدعوى القومية العربية و الوحدة مع مصر و قبلها الوحدة الثلاثية بين السودان و مصر وليبيا وقام بإلغاء نظامنا التعليمي و استبدله بنظام جديد أسماه بالسلم التعليمي و يتكون ذلك النظام من ثلاثة مراحل الابتدائي و المتوسط ثم الثانوي ثم المرحلة الجامعية و كانت المواد ترس بالغة العربية لأغراض التعريب وتغير المنهج و اصبح شبيها الى حد كبير بالمنهج المصري, ومن هنا بدأ مسلسل الهبوط في المستوى التعليمي و كان أداء الطلاب في انحدار مستمر خيثم لم يستطيعوا التأقلم مع نظام تعليمي دخيل على مفاهيمهم الثقافية و التربوية, و استمر ذلك الى قيام الإنقاذ حيث تدهور المستوى التعليمى للطلاب تدهورا مريعا وصلت حد عدم القدرة الطالب على القراءة و الكتابة و التخاطب أما اللغة الإنجليزية (فحدث و لا حرج). لقد كان لدينا نظام تعليمي متقدم تخرج في ظله نخبة من المتعلمين المؤهلين في شتى ضروب الحياة أسهموا في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سودان ما بعد الاستقلال وكنا نرى فاعلية النظام التعليمي في آبائنا وأجدادنا الذي تعلموا في ظل ذلك النظام واستمر هذا النظام في العطاء الى أن انهال معول الهدم على نظامنا التعليمي عمدا بهدف وقف عجلة التنمية والتطور في السودان الذي كان أنموذج للدول النامية والمتطلعة ادعو الى إعادة النظر في تطبيق النظام التعليمي السابق لأنه كان فاعلا وناجحا فهل يعاد النظر في السياسة التعليمية أم تترك لقوى الظلام لتقعد ببلادنا من ركب التنمية والتطور والتقدم!!