موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    نهب أكثر من 45 الف جوال سماد بمشروع الجزيرة    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    ابتسامات البرهان والمبعوث الروسي .. ما القصة؟    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة اللغوية في السودان - التخطيط تحت ضغط السلاح ..بقلم: الصادق محمد آدم
نشر في سودانيل يوم 18 - 08 - 2012

وحدة الشعب من ناحية، وإشباع تطلعات المجموعات الثنائية اللغة من ناحية أخرى.
والسياسة اللغوية أو التخطيط اللغوي في مفهومه الواسع يعني رسم سياسة لغوية نابعة من السلطة السياسية لتحديد الأمور التالية:
1. تحديد اللغة الرسمية للدولة التي تستخدم في الإدارة والإعلام.
2. تحديد لغة التعليم في مراحل التعليم المختلفة (العام والعالي).
3. تحديد اللغات العالمية التي تدرس في المؤسسات التعليمية.
4. تحديد موقف الدولة من اللغة أو اللغات الوطنية الأخرى من حيث مجالات استخدامها ودراستها (دراسة لغوية) وكتابتها، وبأيّ حرف تكتب.
وقد شهد السودان فى السبعينات والثمانينات نشاطاً لغوياً واسعاً جعل الكثيرين من السودانيين يدركون فى وعى وموضوعية المشكل اللغوي فى السودان، فقد شهد العقد السابع ميلاد وحدة أبحاث السودان بجامعة الخرطوم، وقد تطورت هذه الوحدة إلى معهد الدراسات الإفريقية والأسيوية الذى أصبح مركز الدراسات والأبحاث اللغوية فى السودان، وقد بدأ هذا المعهد مشروع المسح اللغوي فى السودان عام 1972م، وانضم إليه فى المشروع فيما بعد معهد الخرطوم الدولي للغة العربية.
كما شهد العقد السابع (1974م) ميلاد معهد لإعداد متخصصين فى تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها الذى تغير اسمه ليكون " معهد الخرطوم الدولي للغة العربية) وعلى الرغم من أن عمل هذا المعهد هو فى الأساس إعداد المعلمين وتدريبهم، إلا أن الأبحاث اللغوية التقابلية بين اللغة العربية وعدد من لغات السودان واللغات الإفريقية والأسيوية والأوربية كان أكثر ما يميز هذا المعهد، وتحوى مكتبته نحواً من سبعمائة رسالة ماجستير أو دبلوم عال فى مختلف العلوم اللغوية والتربوية المتصلة باللغات وتعليمها.
إن الظروف التي تحيط باستخدام اللغات المحلية في التعليم في البلاد العربية ذات الأوضاع اللغوية الخاصة تختلف من بلد إلى آخر. ولذلك فإن المعلومات والمقترحات التي نقدمها في هذه الدراسة هو بغرض استجلاء المشكلات التي تكتنفه لعلنا نجد نتائج تعين صانعي القرار لاتخاذ القرار السياسي والتربوي المناسب لمعالجته، علماً بأن الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية وعلاقة المجموعة أو المجموعات التي تتكلم هذه اللغات مع المجموعة التي تتكلم العربية لغة أم- هذه الظروف والعلاقات تختلف من بلد إلى آخر، كما أن القرار الخاص باختيار لغة التعليم يعتبر من مسائل التخطيط التربوي الذي تختص به السلطة المركزية في البلد، مثله مثل الشؤون الاقتصادية والعلاقات الخارجية الخ ... .
وقد كانت قضية لغة التعليم فى جنوب السودان فى الربع الأول من القرن العشرين مصدر حوار طويل بين القائمين على أمر التعليم فى السودان آنذاك، أما بالنسبة لشمال السودان فلم يكن هناك خلاف فى جعل لغة التعليم فى المرحلة الأولية والمتوسطة هي العربية، أما فى المرحلة الثانوية، فقد كانت لغة التعليم هي الانجليزية، واستمرت كذلك حتى عام 1956م.
أما الجنوب فقد كانت العربية الدارجة هي اللغة السائدة بين السكان، وقد استغلت فى بداية الأمر لغة تخاطب وتعليم ريثما تتم دراسة اللغات المحلية، لاختيار بعضها لغة لتعليم الأطفال، وريثما يتعلمون اللغة الانجليزية.
وفى العقد الثالث من القرن العشرين جدت أحداث أدت إلى المزيد من الضغط على الشمال ومزيداً من العزلة للجنوب حتى لا تسرى فيه عدوى التحركات التي حدثت فى الشمال، وحتى لا يتأثر حضارياً ولغوياً بثقافة الشمال التي تحمل السمات العربية الإسلامية.
التطور التاريخي للسياسة اللغوية فى جنوب السودان:
مرت السياسة اللغوية فى السودان بكثير من التقلبات خاصة فى جانبه الجنوبي، وقد عقدت مؤتمرات عدة لحل هذا المشكل وهى على النحو التالي حسب تسلسلها الزمني:
1- مؤتمر الرجاف 1928م:-
حتى تكون السياسة اللغوية قائمة على أسس علمية، فقد عقد فى الجنوب مؤتمر لغوى علمي عرف بمؤتمر الرجاف اللغوي عام 1928م، تحت رعاية الحكومة وإشراف المعهد الدولي للغات والثقافات الإفريقية فى لندن، وقد حشد لهذا المؤتمر علماء اللغات وممثلو الإرساليات فى السودان وفى إفريقيا، إضافة إلى رجال الإدارة البريطانيين.
وانتهى المؤتمر إلى اختيار ست من لغات الجنوب لتكون لغة التعليم، وهى: لغات، الدينكا، الشلك، النوير، الزاني، الباريا، اللاتوكا، وأضيف إليها فيما بعد لغات: المورو، اللاندوقو، المادي، التابوسا، المورلي.
واتفق المؤتمرون على الطريقة التي تكتب بها لغات الجنوب، خاصة الأصوات التي لا يوجد لها نظير فى أصوات اللغات الأوربية ولا توجد لها رموز "حروف" فى الحروف اللاتينية.
وبهذا المؤتمر تكون السياسة اللغوية قد استقرت، وقد تبع المؤتمر مزيد من الإجراءات الخاصة بالسياسة اللغوية نلخصها فى الآتي:
1- تعليم الأطفال فى المرحلة الأولى " الصف الأول والثاني" باللغات المحلية.
2- تعليم اللغة الانجليزية كمادة فى الصفين الأول والثاني من المرحلة الأولية.
3- أن تكون اللغة الانجليزية هي لغة التعليم ابتداءً من الصف الثالث من المرحلة الأولية.
4- استمرار اللغة الانجليزية لغة تعليم فى المراحل التعليمية الأعلى " المتوسطة والثانوية والمدارس الصناعية"
5- إبعاد اللغة العربية من الاستعمال فى التخاطب والتعليم والمعاملات الرسمية.
6- توفير العاملين من غير المتكلمين باللغة العربية ليعملوا فى الإدارة والكتابة والإعمال الفنية.
7- إبعاد الموظفين الذين يتكلمون اللغة العربية سواءً كانوا من العرب أو من الزنوج، وإحلال الموظفين من أبناء المنطقة محلهم ممن يتكلمون الانجليزية، وإبعاد التجار الشماليين والفلاتة.
2- السياسة اللغوية للجنوب بعد مؤتمر جوبا: 1947- 1972م:
كان مؤتمر جوبا السياسي نهاية لعهد وبداية لعهد جديد رسمت فيه سياسة لغوية جديدة بالنسبة لجنوب السودان، فقد حسم المؤتمر الخلاف الذى كان دائراً بين الحكام الانجليز من ناحية وبينهم وبين الشمال من ناحية أخرى لصالح اللغة العربية. فقد شرعت وزارة المعارف السودانية بعد هذا المؤتمر فى اتخاذ الإجراءات لعودة اللغة العربية إلى التعليم فى جميع مراحله بالمديريات الجنوبية، لتدرس أولاً كمادة تمهيداً لجعلها لغة للتعليم فيما بعد، وتتمثل هذه الإجراءات فى الآتي:
1- تعيين مساعد لمدير المعارف للمديريات الجنوبية من أبناء الشمال ليساعد فى إدخال اللغة العربية فى المدارس، وتدريب المعلمين ووضع مناهج باللغة العربية.
2- إنشاء دار للنشر فى جوبا للقيام بطباعة المناهج والمقررات الدراسية.
3- تعيين مفتشين للتعليم بالمديريات الجنوبية من أبناء الشمال.
4- تكليف معهد بخت الرضا بالإشراف على تدريب المعلمين الجنوبيين فى تعليم اللغة العربية.
5- القيام بحملة واسعة لمحو الأمية باللغة العربية.
وقد جندت وزارة المعارف السودانية آنذاك عدداً كبيراً من المعلمين ذوى الخبرة للإشراف على إدخال اللغة العربية فى الجنوب، وأنشأت لهذا الغرض معهداً تدريبياً بمريدي عام 1954م لتدريب المعلمين ووضع المناهج. وقد وضعت خطة خمسية قام عليها معهد بخت الرضا ومعهد مريدي ومكاتب التعليم بالمديريات الجنوبية تم فيها تدريس "30" ثلاثين كتاباً فى تعليم اللغة العربية خلال خمس سنوات، وجرى تدريب مئات المعلمين، وأدخلت اللغة العربية فى جميع مراحل التعليم العام كمادة، وبدأ استخدامها للتعليم فى المدن أولاً، حيث يتحدث كل الناس بالعربية، ثم جرى التعميم تدريجياً حتى عم جميع مدارس الجنوب، وقد استغرق تعميم اللغة العربية كلغة فى المرحلتين الابتدائية والمتوسطة نحو خمس وعشرين سنة من عام 1947 – 1972م.
وزاد انتشار اللغة العربية بفضل حملات محو الأمية بين الموظفين والعامة، كما ساعد على انتشارها محطة إذاعة جوبا التي خصصت جزءاً من برامجها لتبث باللغة العربية.
3- السياسة اللغوية للجنوب فى عهد ثورة مايو 1969م
عقد فى يونيو عام 1969م مؤتمر قومي للتعليم فى الخرطوم فوضع سياسة لغوية جديدة للجنوب تضمنتها توصيات من أبرزها ما يأتي:
1- يبدأ التدريس فى مدارس المديريات الجنوبية فى المدن والأماكن التي تسود فيها اللهجات باللغة العربية رأسا.
2- تستعمل فى الأماكن الأخرى إلى جانب اللغة العربية اللهجات المحلية السائدة فى المنطقة، فى السنتين الأولى والثانية بالمدرسة الابتدائية على أن تكتب بأحرف عربية حتى يألف التلميذ الخط العربي ويجيد استعماله فيما بعد.
3- إجراء دراسات فى اللهجات المحلية بغرض تنميتها لتزيد من إثراء التراث الشعبي.
4- العمل على دمج التلاميذ والطلاب فى المراحل المتقدمة على أساس القطر كله، وأن توفر لهم الداخليات، خاصة المدارس القائمة فى الجنوب لتوفير الاستقرار للطلاب.
5- أن يكون الانتقال إلى اللغة العربية فى المراحل المتقدمة تدريجياً حتى لا تهتز الفصول التي تستعمل اللغة الانجليزية.
6- تشجيع المواطنين فى المناطق المقتدرة من الأقاليم الجنوبية على المساهمة فى مجهودات التعليم وتعليم الكبار.
7- مضاعفة الجهود لإعداد المعلمين المؤهلين لتدريس اللغة العربية من أبناء الجنوب وذلك بتوفير مراكز تدريب خاصة لهذا الغرض.
وبقيت العربية اللغة الرسمية للدولة، وظل استخدامها فى المعاملات الرسمية يأخذ طريقه تدريجياً فى الشمال والجنوب.
4- السياسة اللغوية منذ عام:72 – 1989م
كانت اتفاقية أديس أبابا عام 1972م نهاية لعهد وبداية لعهد جديد، كانت نهاية لحرب أهلية بدأت عام 1955م وبداية لعهد اتسم بالاستقرار والسلام لفترة امتدت حتى عام 1983م، غير أن السياسة الغوية لم تكن مستقرة، فقد وضعت الاتفاقية سياسة لغوية جديدة للجنوب كانت على النحو التالي:
أ‌- فى الفصل الثاني، القسم الخامس، وعنوانه " اللغة" جاء ما يلي: " اللغة العربية هي اللغة الرسمية للسودان، والانجليزية هي اللغة الأساسية للإقليم الجنوبي، دون مساس باستعمال أية لغة أو لغات قد تخدم ضرورة عملية لأداء مهام الإقليم التنفيذية أو الإدارية بكفاية أفضل".
ب‌- وجاء فى الفصل الثاني، القسم السادس:" ليس لمجلس الشعب الاقليمي ولا المجلس التنفيذي العالي أن يشرع فى أو يمارس سلطة فى الأمور ذات الطبيعية القومية وهى... والتخطيط التعليمي".
ت‌- وجاء فى فصل التشريع :" لمجلس الشعب القومي أن يصدر تشريعات للمحافظة على النظام العام والأمن الداخلي وبصفة خاصة ما يلي: " إنشاء وتسيير وإدارة المدارس فى كل المراحل بما يتفق والخطة القومية للتعليم، وتطوير اللغات والثقافات المحلية.
من هذه البنود يتضح أن السياسة اللغوية التي حددت فى اتفاقية أديس أبابا 1972م قد نصت على أن تظل اللغة العربية – كما نص عليها الدستور- هي اللغة الرسمية لجمهورية السودان" شماله وجنوبه" إلا أن اللغة الانجليزية قد أصبح لها طابع مميز فى الجنوب، إذ تقرر أن تكون هي اللغة الرئيسة لذلك الإقليم، وهذا ما لم يرد فى الدستور ولا فى اللوائح والقوانين السابقة التي تلت عام 1947م.
ولم تشر الاتفاقية فى أي من بنودها على أن تكون اللغات المحلية أو اللغة الانجليزية لغة التعليم فى أي مرحلة من المراحل التعليمية فى الجنوب، مع أنها نصت على أنه يجوز استخدام اللغات المحلية لإغراض إدارية أو من أجل تجويد العمل الإداري، ويفهم ضمناً أن استخدام اللغات المحلية فى التعليم غير وارد، وإلا لنصت عليه الاتفاقية صراحة، وفى نفس الوقت نصت الاتفاقية على أن التخطيط التربوي من اختصاص الحكومة المركزية.
وأعطت الاتفاقية الحق لمجلس الشعب الإقليمي أن يمارس السلطة فيما يتعلق بالنهوض بالثقافات واللغات المحلية، فهل يدخل فى ذلك استخدام اللغة فى التعليم؟. الأمر المؤسف أنه لم توضع لوائح تفسر ما أجملته اللوائح، كما لم يتم اتفاق بين الحكومتين المركزية والإقليمية على تفاصيل هذه الإشارات الأمر الذى أحدث فيما بعد مشكلات تسببت فى اضطراب العملية التعليمية إلى يومنا هذا.
وقد ظهرت مشكلات تعليمية بعد عودة المتمردين من الدول الإفريقية المجاورة عرقلت سير اللغة العربية كلغة تعليم، ذلك أن أبناء العائدين منهم من بدأ دراسته فى يوغندا باللغة الانجليزية، والبعض باللغة الفرنسية فى زائير، والبعض باللغة الأمهرية فى إثيوبيا،... ثم عادوا إلى السودان ليجدوا أن التعليم أصبح كله باللغة العربية.
كما أن المعلمين العائدين أيضاً كانوا لا يعرفون اللغة العربية فضلاً عن إتقانها، وبالتالي فهم لا يستطيعون التدريس بها. ومن ناحية أخرى استقدمت حكومة الإقليم الجنوبي خبراء أجانب كانوا يشيرون عليهم بما يرونه أنه من الأفضل إبعاد اللغة العربية من التعليم، هذا بالإضافة إلى تخوف العائدين من فشل أبنائهم عند الجلوس لامتحانات كلها باللغة العربية. لكل هذه الأسباب واجه مجلس الشعب الإقليمي فى جوبا ضغوطاً لإبعاد اللغة العربية من التعليم.
وعلى أثر ذلك أصدر المجلس قراراً قضى بأن يكون التعليم ابتداءً من عام 1975م باللغات المحلية فى الصفين الأول والثاني من المرحلة الابتدائية، وباللغة الانجليزية ابتداءً من الصف الثالث الابتدائي، وعلى نحو ما كان عليه سابقاً منذ عام 1947م على أن يستمر التعليم فى المرحلة المتوسطة والثانوية باللغة الانجليزية.
وقد قدم المجلس التنفيذي العالي حلاً توفيقياً يقضى بأن يكون التعليم فى مدارس المدن باللغة العربية حتى نهاية المرحلة المتوسطة، على أن يبدأ تدريس اللغة الانجليزية ابتداءً من الصف الرابع، ويقوى فى المرحلة المتوسطة، وأن يبدأ التعليم فى مدارس الأرياف باللغات المحلية فى الصفوف (الأول، الثاني، والثالث) الابتدائي، ويدرس التلاميذ اللغة العربية كمادة لكي تكون لغة التعليم ابتداءً من الصف الرابع الابتدائي، وتستمر كذلك حتى نهاية المرحلة المتوسطة، على أن تدخل الانجليزية ابتداءً من الصف الرابع وتقوى فى المرحلة المتوسطة، أما فى المرحلة الثانوية فيكون التعليم كله باللغة الانجليزية.
5- السياسة اللغوية فى الإنقاذ:1989م
عقدت حكومة الإنقاذ الوطني مؤتمراً كبيراً فى أكتوبر 1989م، عرف ب" مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام" شارك فيه جمع غفير من أبناء الشمال والجنوب، وقد خرج المؤتمر بتوصيات حول المشكلات المختلفة التي يتجادل فيها أبناء الشمال والجنوب، مثل: المشاركة فى السلطة والدخل القومي والتنوع الثقافي([1]).
جاء فى التوصية رقم"27" تحت عنوان " التعبير عن التنوع الثقافي" ما يعتبر مؤشراً لسياسة لغوية جديدة لم تأت مفصلة فى قرارات رسمية بهذه الطريقة قبل ذلك، وفاقت قرارات أديس أبابا فى الاتفاقية فى انحيازها إلى اللغات المحلية، إذ تلزم التخطيط التربوي أن يبدأ باستخدام اللغات المحلية فى التعليم، وأن يتبنى مبادرات الجماعات الثقافية والقبلية في ذلك ولا يعتذر بضيق الإمكانات لحجب لغة محلية عن التعليم.
وفيما يلي الفقرات الخاصة بالسياسة اللغوية التي تضمنتها توصيات مؤتمر الحوار الوطني:
أ: التربية: التوصية رقم"27 – أ"
1- أن يكون التخطيط التربوي فدرالياً وأن يراعى فى أدائه وكادره ومؤسساته خاصية التنوع الثقافي فى السودان.
2- أن يعتبر التخطيط التربوي فى هذا السياق الخبرة التاريخية للغة العربية لغة أم لجماعة سودانية كبيرة ولغة تفاهم لجماعات سودانية عديدة ولغة رسمية منذ استقلال الوطن فى عام 1956م وأن يقررها فى التعليم بالقدر الذى يخدم فيه هذه الأدوار بكفاءة.
3- أن يعتبر التخطيط التربوي فى هذا السياق الخبرة التاريخية للغة الانجليزية، لغة ذات طابع ووضع خاص فى الأقاليم الجنوبية، ولغة اتصال بلادنا بالعالم الخارجي وأن يوظفها فى التعليم بالقدر الذى يخدم هذه الأدوار.
4- أن يعتبر التخطيط التربوي فى هذا السياق الخبرة التاريخية اللغات المحلية، وأن يأخذ بالحكمة التربوية المقررة فى لزوم أن يبدأ التعليم بتلك اللغات. ولضعف شأن هذه اللغات بالقياس إلى اللغة العربية والانجليزية وجب على التخطيط التربوي ما يلي:
أ‌- ألا يعتذر بضيق الإمكانات لحجب لغة محلية عن التعليم بشكل نهائي.
ب‌- أن يتبنى مبادرات الجماعات الثقافية والقبلية فى تطوير لغاتها وتبنيها فى مدارسها المحلية.
5- أن يعتبر التخطيط التربوي فى هذا السياق حقائق التنوع اللغوي والثقافي والبيئي خبرات أو إمكانات تربوية مؤكدة يبدأ بها التعليم فى المدرسة ولا يتعالى عليها. وبهذا تضاف خبرة التعليم فى المدرسة إلى الخبرات التي جاء بها التلميذ إلى المدرسة والتي ما تزال تؤثر عليه فى محيط بيئته، ولذا يجب على التخطيط التربوي أن يتصل باللغة الأم للتلميذ.
السياسة اللغوية بعد اتفاقية نيفاشا:
نصت الاتفاقية في بند اللغة على الآتي:
أ- جميع اللغات الوطنية هي لغات قومية يجب احترامها وتطويرها.
ب- اللغة العربية هي اللغة الأكثر انتشاراً في السودان.
ج- اللغة العربية كلغة رئيسية على المستوى القومي، واللغة الانجليزية ستكونان اللغتين الرسميتين في أعمال الحكومة القومية ولغتا التدريس في التعليم العالي.
د- بالإضافة إلى العربية والانجليزية، للمشرع في أي من أي مستوى قومي فرعي من الحكم استخدام أي لغة (لغات) أخرى إضافة إلى اللغتين الرسميتين على نطاق مستواه.
ه- لا يجوز التمييز ضد استخدام أي من اللغتين على أي مستوى حكومي أو تعليمي.
(البنود من 281- 285)([2])
الصادق محمد آدم
جامعة النيل الأزرق – كلية التربية
[1] - انظر توصيات مؤتمر الحوار الوطني التي أجازها مجلس الوزراء السوداني عام 1990، التوصية رقم 27 تحت عنوان (التعبير عن التنوع الثقافي)، وفيها تقترح التوصية (اعتبار الحكمة في أن يبدأ الأطفال تعليمهم بلغاتهم الأم دون الاعتذار بضعف قدرة هذه اللغات، أو المجموعات التي تتحدثها، وأن تعبر مناهج التعليم عن التنوع الثقافي لهذه المجموعات الإثنية).
[2] - صحيفة سودان نايل الإلكترونية ، قسم الوثائق والاتفاقيات:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.