السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة اللغوية في السودان - التخطيط تحت ضغط السلاح ..بقلم: الصادق محمد آدم
نشر في سودانيل يوم 18 - 08 - 2012

وحدة الشعب من ناحية، وإشباع تطلعات المجموعات الثنائية اللغة من ناحية أخرى.
والسياسة اللغوية أو التخطيط اللغوي في مفهومه الواسع يعني رسم سياسة لغوية نابعة من السلطة السياسية لتحديد الأمور التالية:
1. تحديد اللغة الرسمية للدولة التي تستخدم في الإدارة والإعلام.
2. تحديد لغة التعليم في مراحل التعليم المختلفة (العام والعالي).
3. تحديد اللغات العالمية التي تدرس في المؤسسات التعليمية.
4. تحديد موقف الدولة من اللغة أو اللغات الوطنية الأخرى من حيث مجالات استخدامها ودراستها (دراسة لغوية) وكتابتها، وبأيّ حرف تكتب.
وقد شهد السودان فى السبعينات والثمانينات نشاطاً لغوياً واسعاً جعل الكثيرين من السودانيين يدركون فى وعى وموضوعية المشكل اللغوي فى السودان، فقد شهد العقد السابع ميلاد وحدة أبحاث السودان بجامعة الخرطوم، وقد تطورت هذه الوحدة إلى معهد الدراسات الإفريقية والأسيوية الذى أصبح مركز الدراسات والأبحاث اللغوية فى السودان، وقد بدأ هذا المعهد مشروع المسح اللغوي فى السودان عام 1972م، وانضم إليه فى المشروع فيما بعد معهد الخرطوم الدولي للغة العربية.
كما شهد العقد السابع (1974م) ميلاد معهد لإعداد متخصصين فى تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها الذى تغير اسمه ليكون " معهد الخرطوم الدولي للغة العربية) وعلى الرغم من أن عمل هذا المعهد هو فى الأساس إعداد المعلمين وتدريبهم، إلا أن الأبحاث اللغوية التقابلية بين اللغة العربية وعدد من لغات السودان واللغات الإفريقية والأسيوية والأوربية كان أكثر ما يميز هذا المعهد، وتحوى مكتبته نحواً من سبعمائة رسالة ماجستير أو دبلوم عال فى مختلف العلوم اللغوية والتربوية المتصلة باللغات وتعليمها.
إن الظروف التي تحيط باستخدام اللغات المحلية في التعليم في البلاد العربية ذات الأوضاع اللغوية الخاصة تختلف من بلد إلى آخر. ولذلك فإن المعلومات والمقترحات التي نقدمها في هذه الدراسة هو بغرض استجلاء المشكلات التي تكتنفه لعلنا نجد نتائج تعين صانعي القرار لاتخاذ القرار السياسي والتربوي المناسب لمعالجته، علماً بأن الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية وعلاقة المجموعة أو المجموعات التي تتكلم هذه اللغات مع المجموعة التي تتكلم العربية لغة أم- هذه الظروف والعلاقات تختلف من بلد إلى آخر، كما أن القرار الخاص باختيار لغة التعليم يعتبر من مسائل التخطيط التربوي الذي تختص به السلطة المركزية في البلد، مثله مثل الشؤون الاقتصادية والعلاقات الخارجية الخ ... .
وقد كانت قضية لغة التعليم فى جنوب السودان فى الربع الأول من القرن العشرين مصدر حوار طويل بين القائمين على أمر التعليم فى السودان آنذاك، أما بالنسبة لشمال السودان فلم يكن هناك خلاف فى جعل لغة التعليم فى المرحلة الأولية والمتوسطة هي العربية، أما فى المرحلة الثانوية، فقد كانت لغة التعليم هي الانجليزية، واستمرت كذلك حتى عام 1956م.
أما الجنوب فقد كانت العربية الدارجة هي اللغة السائدة بين السكان، وقد استغلت فى بداية الأمر لغة تخاطب وتعليم ريثما تتم دراسة اللغات المحلية، لاختيار بعضها لغة لتعليم الأطفال، وريثما يتعلمون اللغة الانجليزية.
وفى العقد الثالث من القرن العشرين جدت أحداث أدت إلى المزيد من الضغط على الشمال ومزيداً من العزلة للجنوب حتى لا تسرى فيه عدوى التحركات التي حدثت فى الشمال، وحتى لا يتأثر حضارياً ولغوياً بثقافة الشمال التي تحمل السمات العربية الإسلامية.
التطور التاريخي للسياسة اللغوية فى جنوب السودان:
مرت السياسة اللغوية فى السودان بكثير من التقلبات خاصة فى جانبه الجنوبي، وقد عقدت مؤتمرات عدة لحل هذا المشكل وهى على النحو التالي حسب تسلسلها الزمني:
1- مؤتمر الرجاف 1928م:-
حتى تكون السياسة اللغوية قائمة على أسس علمية، فقد عقد فى الجنوب مؤتمر لغوى علمي عرف بمؤتمر الرجاف اللغوي عام 1928م، تحت رعاية الحكومة وإشراف المعهد الدولي للغات والثقافات الإفريقية فى لندن، وقد حشد لهذا المؤتمر علماء اللغات وممثلو الإرساليات فى السودان وفى إفريقيا، إضافة إلى رجال الإدارة البريطانيين.
وانتهى المؤتمر إلى اختيار ست من لغات الجنوب لتكون لغة التعليم، وهى: لغات، الدينكا، الشلك، النوير، الزاني، الباريا، اللاتوكا، وأضيف إليها فيما بعد لغات: المورو، اللاندوقو، المادي، التابوسا، المورلي.
واتفق المؤتمرون على الطريقة التي تكتب بها لغات الجنوب، خاصة الأصوات التي لا يوجد لها نظير فى أصوات اللغات الأوربية ولا توجد لها رموز "حروف" فى الحروف اللاتينية.
وبهذا المؤتمر تكون السياسة اللغوية قد استقرت، وقد تبع المؤتمر مزيد من الإجراءات الخاصة بالسياسة اللغوية نلخصها فى الآتي:
1- تعليم الأطفال فى المرحلة الأولى " الصف الأول والثاني" باللغات المحلية.
2- تعليم اللغة الانجليزية كمادة فى الصفين الأول والثاني من المرحلة الأولية.
3- أن تكون اللغة الانجليزية هي لغة التعليم ابتداءً من الصف الثالث من المرحلة الأولية.
4- استمرار اللغة الانجليزية لغة تعليم فى المراحل التعليمية الأعلى " المتوسطة والثانوية والمدارس الصناعية"
5- إبعاد اللغة العربية من الاستعمال فى التخاطب والتعليم والمعاملات الرسمية.
6- توفير العاملين من غير المتكلمين باللغة العربية ليعملوا فى الإدارة والكتابة والإعمال الفنية.
7- إبعاد الموظفين الذين يتكلمون اللغة العربية سواءً كانوا من العرب أو من الزنوج، وإحلال الموظفين من أبناء المنطقة محلهم ممن يتكلمون الانجليزية، وإبعاد التجار الشماليين والفلاتة.
2- السياسة اللغوية للجنوب بعد مؤتمر جوبا: 1947- 1972م:
كان مؤتمر جوبا السياسي نهاية لعهد وبداية لعهد جديد رسمت فيه سياسة لغوية جديدة بالنسبة لجنوب السودان، فقد حسم المؤتمر الخلاف الذى كان دائراً بين الحكام الانجليز من ناحية وبينهم وبين الشمال من ناحية أخرى لصالح اللغة العربية. فقد شرعت وزارة المعارف السودانية بعد هذا المؤتمر فى اتخاذ الإجراءات لعودة اللغة العربية إلى التعليم فى جميع مراحله بالمديريات الجنوبية، لتدرس أولاً كمادة تمهيداً لجعلها لغة للتعليم فيما بعد، وتتمثل هذه الإجراءات فى الآتي:
1- تعيين مساعد لمدير المعارف للمديريات الجنوبية من أبناء الشمال ليساعد فى إدخال اللغة العربية فى المدارس، وتدريب المعلمين ووضع مناهج باللغة العربية.
2- إنشاء دار للنشر فى جوبا للقيام بطباعة المناهج والمقررات الدراسية.
3- تعيين مفتشين للتعليم بالمديريات الجنوبية من أبناء الشمال.
4- تكليف معهد بخت الرضا بالإشراف على تدريب المعلمين الجنوبيين فى تعليم اللغة العربية.
5- القيام بحملة واسعة لمحو الأمية باللغة العربية.
وقد جندت وزارة المعارف السودانية آنذاك عدداً كبيراً من المعلمين ذوى الخبرة للإشراف على إدخال اللغة العربية فى الجنوب، وأنشأت لهذا الغرض معهداً تدريبياً بمريدي عام 1954م لتدريب المعلمين ووضع المناهج. وقد وضعت خطة خمسية قام عليها معهد بخت الرضا ومعهد مريدي ومكاتب التعليم بالمديريات الجنوبية تم فيها تدريس "30" ثلاثين كتاباً فى تعليم اللغة العربية خلال خمس سنوات، وجرى تدريب مئات المعلمين، وأدخلت اللغة العربية فى جميع مراحل التعليم العام كمادة، وبدأ استخدامها للتعليم فى المدن أولاً، حيث يتحدث كل الناس بالعربية، ثم جرى التعميم تدريجياً حتى عم جميع مدارس الجنوب، وقد استغرق تعميم اللغة العربية كلغة فى المرحلتين الابتدائية والمتوسطة نحو خمس وعشرين سنة من عام 1947 – 1972م.
وزاد انتشار اللغة العربية بفضل حملات محو الأمية بين الموظفين والعامة، كما ساعد على انتشارها محطة إذاعة جوبا التي خصصت جزءاً من برامجها لتبث باللغة العربية.
3- السياسة اللغوية للجنوب فى عهد ثورة مايو 1969م
عقد فى يونيو عام 1969م مؤتمر قومي للتعليم فى الخرطوم فوضع سياسة لغوية جديدة للجنوب تضمنتها توصيات من أبرزها ما يأتي:
1- يبدأ التدريس فى مدارس المديريات الجنوبية فى المدن والأماكن التي تسود فيها اللهجات باللغة العربية رأسا.
2- تستعمل فى الأماكن الأخرى إلى جانب اللغة العربية اللهجات المحلية السائدة فى المنطقة، فى السنتين الأولى والثانية بالمدرسة الابتدائية على أن تكتب بأحرف عربية حتى يألف التلميذ الخط العربي ويجيد استعماله فيما بعد.
3- إجراء دراسات فى اللهجات المحلية بغرض تنميتها لتزيد من إثراء التراث الشعبي.
4- العمل على دمج التلاميذ والطلاب فى المراحل المتقدمة على أساس القطر كله، وأن توفر لهم الداخليات، خاصة المدارس القائمة فى الجنوب لتوفير الاستقرار للطلاب.
5- أن يكون الانتقال إلى اللغة العربية فى المراحل المتقدمة تدريجياً حتى لا تهتز الفصول التي تستعمل اللغة الانجليزية.
6- تشجيع المواطنين فى المناطق المقتدرة من الأقاليم الجنوبية على المساهمة فى مجهودات التعليم وتعليم الكبار.
7- مضاعفة الجهود لإعداد المعلمين المؤهلين لتدريس اللغة العربية من أبناء الجنوب وذلك بتوفير مراكز تدريب خاصة لهذا الغرض.
وبقيت العربية اللغة الرسمية للدولة، وظل استخدامها فى المعاملات الرسمية يأخذ طريقه تدريجياً فى الشمال والجنوب.
4- السياسة اللغوية منذ عام:72 – 1989م
كانت اتفاقية أديس أبابا عام 1972م نهاية لعهد وبداية لعهد جديد، كانت نهاية لحرب أهلية بدأت عام 1955م وبداية لعهد اتسم بالاستقرار والسلام لفترة امتدت حتى عام 1983م، غير أن السياسة الغوية لم تكن مستقرة، فقد وضعت الاتفاقية سياسة لغوية جديدة للجنوب كانت على النحو التالي:
أ‌- فى الفصل الثاني، القسم الخامس، وعنوانه " اللغة" جاء ما يلي: " اللغة العربية هي اللغة الرسمية للسودان، والانجليزية هي اللغة الأساسية للإقليم الجنوبي، دون مساس باستعمال أية لغة أو لغات قد تخدم ضرورة عملية لأداء مهام الإقليم التنفيذية أو الإدارية بكفاية أفضل".
ب‌- وجاء فى الفصل الثاني، القسم السادس:" ليس لمجلس الشعب الاقليمي ولا المجلس التنفيذي العالي أن يشرع فى أو يمارس سلطة فى الأمور ذات الطبيعية القومية وهى... والتخطيط التعليمي".
ت‌- وجاء فى فصل التشريع :" لمجلس الشعب القومي أن يصدر تشريعات للمحافظة على النظام العام والأمن الداخلي وبصفة خاصة ما يلي: " إنشاء وتسيير وإدارة المدارس فى كل المراحل بما يتفق والخطة القومية للتعليم، وتطوير اللغات والثقافات المحلية.
من هذه البنود يتضح أن السياسة اللغوية التي حددت فى اتفاقية أديس أبابا 1972م قد نصت على أن تظل اللغة العربية – كما نص عليها الدستور- هي اللغة الرسمية لجمهورية السودان" شماله وجنوبه" إلا أن اللغة الانجليزية قد أصبح لها طابع مميز فى الجنوب، إذ تقرر أن تكون هي اللغة الرئيسة لذلك الإقليم، وهذا ما لم يرد فى الدستور ولا فى اللوائح والقوانين السابقة التي تلت عام 1947م.
ولم تشر الاتفاقية فى أي من بنودها على أن تكون اللغات المحلية أو اللغة الانجليزية لغة التعليم فى أي مرحلة من المراحل التعليمية فى الجنوب، مع أنها نصت على أنه يجوز استخدام اللغات المحلية لإغراض إدارية أو من أجل تجويد العمل الإداري، ويفهم ضمناً أن استخدام اللغات المحلية فى التعليم غير وارد، وإلا لنصت عليه الاتفاقية صراحة، وفى نفس الوقت نصت الاتفاقية على أن التخطيط التربوي من اختصاص الحكومة المركزية.
وأعطت الاتفاقية الحق لمجلس الشعب الإقليمي أن يمارس السلطة فيما يتعلق بالنهوض بالثقافات واللغات المحلية، فهل يدخل فى ذلك استخدام اللغة فى التعليم؟. الأمر المؤسف أنه لم توضع لوائح تفسر ما أجملته اللوائح، كما لم يتم اتفاق بين الحكومتين المركزية والإقليمية على تفاصيل هذه الإشارات الأمر الذى أحدث فيما بعد مشكلات تسببت فى اضطراب العملية التعليمية إلى يومنا هذا.
وقد ظهرت مشكلات تعليمية بعد عودة المتمردين من الدول الإفريقية المجاورة عرقلت سير اللغة العربية كلغة تعليم، ذلك أن أبناء العائدين منهم من بدأ دراسته فى يوغندا باللغة الانجليزية، والبعض باللغة الفرنسية فى زائير، والبعض باللغة الأمهرية فى إثيوبيا،... ثم عادوا إلى السودان ليجدوا أن التعليم أصبح كله باللغة العربية.
كما أن المعلمين العائدين أيضاً كانوا لا يعرفون اللغة العربية فضلاً عن إتقانها، وبالتالي فهم لا يستطيعون التدريس بها. ومن ناحية أخرى استقدمت حكومة الإقليم الجنوبي خبراء أجانب كانوا يشيرون عليهم بما يرونه أنه من الأفضل إبعاد اللغة العربية من التعليم، هذا بالإضافة إلى تخوف العائدين من فشل أبنائهم عند الجلوس لامتحانات كلها باللغة العربية. لكل هذه الأسباب واجه مجلس الشعب الإقليمي فى جوبا ضغوطاً لإبعاد اللغة العربية من التعليم.
وعلى أثر ذلك أصدر المجلس قراراً قضى بأن يكون التعليم ابتداءً من عام 1975م باللغات المحلية فى الصفين الأول والثاني من المرحلة الابتدائية، وباللغة الانجليزية ابتداءً من الصف الثالث الابتدائي، وعلى نحو ما كان عليه سابقاً منذ عام 1947م على أن يستمر التعليم فى المرحلة المتوسطة والثانوية باللغة الانجليزية.
وقد قدم المجلس التنفيذي العالي حلاً توفيقياً يقضى بأن يكون التعليم فى مدارس المدن باللغة العربية حتى نهاية المرحلة المتوسطة، على أن يبدأ تدريس اللغة الانجليزية ابتداءً من الصف الرابع، ويقوى فى المرحلة المتوسطة، وأن يبدأ التعليم فى مدارس الأرياف باللغات المحلية فى الصفوف (الأول، الثاني، والثالث) الابتدائي، ويدرس التلاميذ اللغة العربية كمادة لكي تكون لغة التعليم ابتداءً من الصف الرابع الابتدائي، وتستمر كذلك حتى نهاية المرحلة المتوسطة، على أن تدخل الانجليزية ابتداءً من الصف الرابع وتقوى فى المرحلة المتوسطة، أما فى المرحلة الثانوية فيكون التعليم كله باللغة الانجليزية.
5- السياسة اللغوية فى الإنقاذ:1989م
عقدت حكومة الإنقاذ الوطني مؤتمراً كبيراً فى أكتوبر 1989م، عرف ب" مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام" شارك فيه جمع غفير من أبناء الشمال والجنوب، وقد خرج المؤتمر بتوصيات حول المشكلات المختلفة التي يتجادل فيها أبناء الشمال والجنوب، مثل: المشاركة فى السلطة والدخل القومي والتنوع الثقافي([1]).
جاء فى التوصية رقم"27" تحت عنوان " التعبير عن التنوع الثقافي" ما يعتبر مؤشراً لسياسة لغوية جديدة لم تأت مفصلة فى قرارات رسمية بهذه الطريقة قبل ذلك، وفاقت قرارات أديس أبابا فى الاتفاقية فى انحيازها إلى اللغات المحلية، إذ تلزم التخطيط التربوي أن يبدأ باستخدام اللغات المحلية فى التعليم، وأن يتبنى مبادرات الجماعات الثقافية والقبلية في ذلك ولا يعتذر بضيق الإمكانات لحجب لغة محلية عن التعليم.
وفيما يلي الفقرات الخاصة بالسياسة اللغوية التي تضمنتها توصيات مؤتمر الحوار الوطني:
أ: التربية: التوصية رقم"27 – أ"
1- أن يكون التخطيط التربوي فدرالياً وأن يراعى فى أدائه وكادره ومؤسساته خاصية التنوع الثقافي فى السودان.
2- أن يعتبر التخطيط التربوي فى هذا السياق الخبرة التاريخية للغة العربية لغة أم لجماعة سودانية كبيرة ولغة تفاهم لجماعات سودانية عديدة ولغة رسمية منذ استقلال الوطن فى عام 1956م وأن يقررها فى التعليم بالقدر الذى يخدم فيه هذه الأدوار بكفاءة.
3- أن يعتبر التخطيط التربوي فى هذا السياق الخبرة التاريخية للغة الانجليزية، لغة ذات طابع ووضع خاص فى الأقاليم الجنوبية، ولغة اتصال بلادنا بالعالم الخارجي وأن يوظفها فى التعليم بالقدر الذى يخدم هذه الأدوار.
4- أن يعتبر التخطيط التربوي فى هذا السياق الخبرة التاريخية اللغات المحلية، وأن يأخذ بالحكمة التربوية المقررة فى لزوم أن يبدأ التعليم بتلك اللغات. ولضعف شأن هذه اللغات بالقياس إلى اللغة العربية والانجليزية وجب على التخطيط التربوي ما يلي:
أ‌- ألا يعتذر بضيق الإمكانات لحجب لغة محلية عن التعليم بشكل نهائي.
ب‌- أن يتبنى مبادرات الجماعات الثقافية والقبلية فى تطوير لغاتها وتبنيها فى مدارسها المحلية.
5- أن يعتبر التخطيط التربوي فى هذا السياق حقائق التنوع اللغوي والثقافي والبيئي خبرات أو إمكانات تربوية مؤكدة يبدأ بها التعليم فى المدرسة ولا يتعالى عليها. وبهذا تضاف خبرة التعليم فى المدرسة إلى الخبرات التي جاء بها التلميذ إلى المدرسة والتي ما تزال تؤثر عليه فى محيط بيئته، ولذا يجب على التخطيط التربوي أن يتصل باللغة الأم للتلميذ.
السياسة اللغوية بعد اتفاقية نيفاشا:
نصت الاتفاقية في بند اللغة على الآتي:
أ- جميع اللغات الوطنية هي لغات قومية يجب احترامها وتطويرها.
ب- اللغة العربية هي اللغة الأكثر انتشاراً في السودان.
ج- اللغة العربية كلغة رئيسية على المستوى القومي، واللغة الانجليزية ستكونان اللغتين الرسميتين في أعمال الحكومة القومية ولغتا التدريس في التعليم العالي.
د- بالإضافة إلى العربية والانجليزية، للمشرع في أي من أي مستوى قومي فرعي من الحكم استخدام أي لغة (لغات) أخرى إضافة إلى اللغتين الرسميتين على نطاق مستواه.
ه- لا يجوز التمييز ضد استخدام أي من اللغتين على أي مستوى حكومي أو تعليمي.
(البنود من 281- 285)([2])
الصادق محمد آدم
جامعة النيل الأزرق – كلية التربية
[1] - انظر توصيات مؤتمر الحوار الوطني التي أجازها مجلس الوزراء السوداني عام 1990، التوصية رقم 27 تحت عنوان (التعبير عن التنوع الثقافي)، وفيها تقترح التوصية (اعتبار الحكمة في أن يبدأ الأطفال تعليمهم بلغاتهم الأم دون الاعتذار بضعف قدرة هذه اللغات، أو المجموعات التي تتحدثها، وأن تعبر مناهج التعليم عن التنوع الثقافي لهذه المجموعات الإثنية).
[2] - صحيفة سودان نايل الإلكترونية ، قسم الوثائق والاتفاقيات:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.