هاشم عبد الفتاح عبر توجيه (مقتضب) فتحت (المنصورة) الدكتورة مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية جراحاً غائرة, ولامست وتراً حساساً في قضايا كثيرة و(مؤلمة) يعاني منها السودانيون العاملون بالخارج, فهي لم تفعل شيئاً سوى إصدارها لهذا التوجيه للبعثات السودانية في كل بلاد العالم (مجرد توجيه فقط) وربما لم يرتقِ بعد إلى مستوى القرار، وذلك بحصر كل السودانيين الموقوفين أو القابعين خلف القضبان في مهاجرهم بالخارج, على أن يكون هذا الحصر شاملاً لكافة المعلومات والبيانات التي تتعلق بهؤلاء المساجين السودانيين، وذلك كخطوة استباقية للتدخل (السريع) لمعالجة أوضاعهم الإنسانية ..! لكن (المنصورة) لم تحط الرأي العام بالدوافع والمبررات التي دعتها لهذا التحرك المفاجئ؟ هل لأن الخارجية السودانية بلغها ما يفيد بحقيقة المآسي والمعاناة والإهمال المتعمد (والمتوارث) الذي يعانيه السودانيون من (ظلم المهاجر) وأنظمتها؟ ..أم أن الخارجية السودانية وفي عهد (المنصورة) أرادت أن تسلك طريقاً لم يسلكه قبلها الآخرون (لا السابقون) ولا حتى اللاحقون؟! أم أن هناك قصوراً وفشلاً بيناً (ومفضوحاً) من مؤسسات الدولة السودانية التي تتعامل مع قضايا المغتربين، ونعني هنا تحديداً جهاز السودانيين العاملين بالخارج والذي يطلق عليه اختصاراً (جهاز المغتربين)؟ !.. وبافتراض أن هناك رؤية جديدة أو سياسة جديدة لوزارة الخارجية في عهد الثورة فمن الأجدى (للمنصورة) وقبل أن تشرع في خطوات عملية أو تنفيذية بإجراء هذا الحصر (المعلوماتي), فهي مطالبة أيضاً بأن تبدأ بخطوات تأسيسية (هيكلية) لوزارتها بكامل قطاعها (الدبلوماسي) ومؤسساتها وبالشكل الذي يتوافق مع منطلقات الثورة وأهدافها وأشواقها, فلا زالت أيدي الدولة (العميقة) تعبث بهذا القطاع ..!! فالسودانيون هناك قد (بح) صوتهم وجفت حلاقيمهم وسكبوا أطناناً من الأحبار والأوراق عبر توصياتهم ومؤتمراتهم (المكررة)، من أجل توصيل صوتهم للجهات الرسمية حتى تعيرهم اهتماماً واستجابة. وقد لا نوصف بأننا مبالغون هنا إن قلنا إن قضية إلغاء أو تفكيك (جهاز المغتربين) ظلت وكأنها قاسم ومصير مشترك لكل السودانيين بالخارج, ليس لديهم أي إحساس بالانتماء أو التبعية لهذا الجهاز, فهو في نظرهم مجرد مؤسسة كبرى (للجباية), تتعامل مع المغترب وكأنه بقرة (حلوب), ولو أن جهاز المغتربين يتعامل مع هذه الكتلة الكبيرة من السودانيين المنتشرين في كل بقاع العالم وفقاً للمسؤولية الرسمية للدولة تجاه رعاياها بالخارج، لما احتاجت وزيرة الخارجية لإصدار (تعميم إداري) لكل البعثات السودانية للقيام بمهمة إجراء عملية الإحصاء للسودانيين الموجودين الآن داخل السجون ببلاد المهجر ..!! فهل فعلاً وصلت (المنصورة) إلى هذه القناعة؟ فإن كان ذلك كذلك فما هي الشرعية التي تبرر استمرار (جهاز المغتربين) بهذ الوضع الشاذ وبطغيانه ضد إرادة الملايين من السودانيين بالخارج؟ على الدولة أن تفكر منذ الآن في (جسم) جديد حتى يتعامل (برشد) ورؤية وإستراتيجية ذات منافع ومكاسب للدولة والمغتربين على حد سواء..!!