صارت نموذجا يحتذي به للمزاوجة وتحقيق التوافق بين الحكم العسكري والمدني ، تلك هي تجربة السودان مع انطلاق ثورة ديسمبر2018م ، صارت الشراكة بين العسكريين والمدنيين في الحكم واقعا يفرض نفسه ، هو بديل لكسر الحلقة الجهنمية في السودان بين ثورة شعبية يترصدها العسكر ثم ينقلبون عليها لتعقبها ثورة شعبية ، التجربة الديمقراطية في السودان لم يتسن لها أن تتخطي في عمر مدرستها الخمس سنوات في أحسن حالاتها و بإجمالي فترات متقطعة تصل في عدها الي ثلاثة عشر عاما فقط من اصل خمسة وستين عاما، بينما تتجاوز فترات الحكم العسكري في السودان اثنان وخمسون عاما . شراكة المكون العسكري مع المدني هدفت الي قفل باب الانقلاب العسكري علي الثورة ، ساعدت الظروف الاقليمية والدولية علي احترام الشراكة ، هي ليست كما في مصر حيث ثبت حكم القوات المسلحة منذ عام 1952م الي يومنا هذا عدا فترة عام قضاها مرسي وحكم الاخوان . القوات المسلحة المصرية تحولت الي اقطاعية اقتصادية تحاكي النمط القديم في مصر من امتلاك الباشوات للعزب والأطيان وتسخير الفلاحين للزراعة والكد ، قطاعات المجتمع المدنية المصرية تساند في حركتها الاقتصادية القوات المسلحة من خلال شعار( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ) ، ذريعة الحرب مع اسرائيل مهدت لاستمرارية النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة ليصنع من الابرة الي الدبابة وتطور مع التطاول في الحكم الي الدخول في صناعة الاسمنت وحلج القطن وإمداد اسرائيل بالغاز والتعاقد لإقامة مزارع في السودان وشراكات تصنيع حربي مع بعض الدول الافريقية. الشراكة العسكرية المدنية في السودان هو ما اعتقده الحكم المدني الذي يضمن تواجد عناصر الخدمة العامة بشقيها المدني والعسكري مشاركة في الحكم ، توزيع الادوار يضمن تواجد أهل الخبرات العسكرية في مواقعهم الطبيعية ، تساير الخدمة العسكرية متطلبات العصر وتتحول الي صناعة لا تنتج من الابرة الي الدبابة كما في النمط المصري ، بل تترك صناعة سم الخياط الي علماء يحذقون ذلك العمل ويتفرغ فريق العلوم العسكرية ليحول مهاراته الي صناعات عسكرية تتخطي صناعة الدبابة الي صواريخ وأجهزة رصد الاعداء وطائرات حربية تحجب نفسها عن رادارات العدو ، أسلحة جرثومية وكيمائية وأخري تؤثر علي المناخ في ديار العدو، صناعة حربية تتحول معها صيحات الجند الصباحية الي وقفات تدبر وتأمل في رفع كفاءة الصناعات الحربية السودانية وإعلاء مساهمة المكون العسكري في الخدمة العامة لينتزع احترام الامة لا ب ( البوت ) العسكري بل بالعقل الذي يجدد علمه ويسعي لتطوير مهاراته ويضع امكاناته حيث تحتاجها الامة. مدخل الافراد الي الكليات العسكرية يصبح في ظل الشراكة من بين النجباء تفرزهم الية الحصول علي الشهادة السودانية وبمعدلات مرتفعة ثم رفع سنوات التحصيل في منهج الكليات العسكرية الي درجة البكالوريوس بالحد الادني ، الجند وما يليهم تتاح لهم فرص التدريب المهني أيضا في معاهد متخصصة تضمها كليات التدريب العسكري التي يجب توزيعها علي جميع ولايات السودان ، الهدف تحويل العسكرية والجنديةالي صناعة تحمي الوطن وتؤمن للفرد الجندي والضابط أعلي المؤهلات النظرية والعملية لتزويده بمهارات وقدرات صناعية يشق بها طريقه اذا ما رغب في التقاعد المبكر. نموذج الشراكة السودانية توصي به فرنسا لتطبقه حليفتها دولة تشاد كخارطة طريق للعبور الي الحكم المدني عبر انتخابات حرة ونزيهة. الديمقراطية علي مر التأريخ وعند كل المجتمعات ، لا تأتي الا بمزيد من الوقت توفره جميع الاطراف المدنية والعسكرية للشعب ليتعلم عديد من البروتوكولات لإرساء الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والمحافظة علي الحرية وإقامة العدل لتحقيق السلام للوطن العزيز .