لعل ثورة ديسمبر المجيدة التي أزاحت ببسالتها النظام المندحر وبعد مواجهة دموية مع لجنته الامنية أسست لمدنية الدولة بشراكة عسكرية رمزية بناءا علي الوثيقة الدستورية المخترقة مازالت لم تنجز مهامها لنخرج الوطن بسلام من محنته بل أوصلت إلى السلطة قوي سياسية و مجتمعية غير راغبة في إكمال مشروع التغيير الجذري لصناعة سودان جديد ناهض ينعم بالتعافي السياسي والدولة المدنية الديمقراطية التعددية المستقرة التي نحلم بها وقدم جيل شبابنا دماء طاهرة من اجل تأسيسها علي اسس العدل والحرية والكرامة الإنسانية والسلام ولئن كان قد تشكل بموجب اعلان الحرية والتغيير اضخم تحالف سياسي في تاريخ بلادنا الحديث للقوى الثورية فإنه قد عجز عن إنتاج قيادة ثورية راشدة مؤمنة بالتغيير اصالة وتمتلك الرؤية والبرنامج وقادرة علي تخطي كل الصعاب والعقبات في طريقه بيد اننا خلال عامين من عمر الثورة لم نتوافق علي برنامج وطني طموح تلتف حوله جماهير شعبنا الفتية المشرئبة للمستقبل العامر بالرفاه. ولئن كنا قد استطعنا بالإرادة الشعبية ان نقتحم محيط القيادة العامة للقوات المسلحة دون مساعدة من رموز النظام السابق وقادته وأجبرناها علي الانحياز لخيارات الشعب السوداني في التغيير كما اكد ذلك المهندس خالد عمر الامين العام لحزب المؤتمر السوداني والقيادي بتحالف الحرية والتغيير فأن اول مافعله هذا التحالف السياسي العملاق هو الانشغال بالصراعات الحزبية والجهوية الضيقة والمحاصصات والبحث عن مصالحه بعيدا عن هموم الجماهير وتطلعاتها واشواقها في صيانة الحرية وتحقيق العدل والسلام الشامل للتوجه للبناء والتعمير والنهوض بالوطن متحدا وغافلين عن القصاص للدم الطاهر المسفوح مع سبق الإصرار مما جعل كثير من قوى الثورة تصاب بالإحباط وتنزوى بعيدا متفرجة علي ما يقع من أحداث وتداعياتها مع الرغبة في الإصلاح الذي لا سبيل له و لم يعد ممكنا في ظل اختلاف قوي الثورة وتنافسها علي تسيد الموقف الا بخيارات صعبة تجعل التصادم بين هذه القوي فيما بينها واقعا وربما بطريقة اسرع من ما هو متوقع وبصورة أعنف واكثر سفيانية حيث ان التحالف ضم في طياته قوي من أقصى اليمين الي اقصى اليسار وكل قوي تحمل رؤى وافكار مغايرة للأخري تجاه عملية التغيير وفترة الانتقال حتي ليعجب المرء كيف اقبلت هذه القوي علي التغيير؟ وماهية مصلحتها في الاختلاف بعد انجازه؟ ولمصلحة من هذا التشظي والتفتت؟ وهل قضايا الجماهير من صميم همومها وتفكيرها؟ وهل تدرك مخاطر تجاهلها لمطلوبات الانتقال؟ الذي اول مظاهره تصدع الصف الثوري وتراجع مدده وانفضاضه مما يشكل خطورة علي إمكانية الوصول إلى تحول ديمقراطي بحدوث ردة محتملة لا يحمد عقباها يقول الأستاذ خالد عمر في حوار اجرته معه صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ23نوفمبر2019م (ذهبنا إلى القيادة العامة مسلحين بالإرادة الشعبية التي دفعت القوات النظامية للانحياز للثورة وسعت لأن تكون جزءا من الانتقال وعدم الوقوف ضده) وتابع: «لا توجد أي صلات مع قوش وموقف قوى الحرية والتغيير مشهود في مواجهة النظام طوال 30 عاماً ولا يصح تشويه هذه الصورة بأكاذيب صناعة أبطال الساعة الخامسة والعشرين) وحذر عمر من احتمال انقلاب عسكري على السلطة الانتقالية وقال: (الاحتمال يظل قائما واستبعاده أمر رغبوي لأن هنالك أطرافا داخلية وخارجية لها مصلحة في قطع الطريق أمام الثورة) ودعا سلك قوى الحرية والتغيير والحكومة الانتقالية لسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ من خلالها الانقلاب بتوسيع قاعدة القوى المدنية والجماهيرية التي تسعى لاستكمال مهام الثورة واستطرد: (إذا تفتت وانحسر نفوذ هذه القوى ينفتح الباب أمام الانقلابات) وهنا نطرح اسئلة علي المهندس خالد عمر الذي أصبح وزيرا علي حساب وحدة الصف الثوري بالمحاصصات المرفوضة شعبيا ونقول له هل مازلنا نتسلح بالإرادة الشعبية؟ ام المحاصصات الحزبية فعلت فعلتها؟ وقوش الذي لم يكن له يد في التغيير هل أصبح بعيدا عن التأثير علي المشهد السياسي؟ ام مازالت اياديه واصلة؟ وكيف تفسر لنا ما وقع من انقسام في تجمع المهنييين السودانيين؟ الذي كان يمثل رمزية الثورة وهل كانت ايادي قوش حاضرة؟ ام هي مجرد اوهام وشائعات؟ وهل القوي الثورية التي شكلت تحالف الحرية والتغيير والتي ظلت تناضل لثلاثة عقود ضد النظام البائد كانت كلها علي مسافة واحدة منه؟ ام هنالك قوي منها قبلت بشروطه السياسية في المشاركة ( قوي الهبوط الناعم) وكانت تتأهب لخوض الانتخابات الرئاسية والتشريعية في2020م؟ بعدما يئست من إسقاطه؟ وهل احتمالات الإنقلاب العسكري الان واردة؟ ام اغلق التحالف الحاكم من قوي الهبوط الطريق امامها؟ وهل القوي الداخلية الخارجية الغير راغبة في إكمال مشروع التغيير الجذري وتحقيق كل اهداف ثورة ديسمبر المجيدة تخلت عن كيدها وتراجعت عن رغبتها في احداث الإنقلاب؟ ام مازالت تبزل مساعيها؟ وهل مايزال يرى استاذنا خالد ان الطريق لسد الثغرات التي يمكن ان تنفذ من خلالها قوى الانقلاب بتوسيع قاعدة القوي المدنية والجماهيرية الساعية لإكمال مهام الثورة؟ وهل مازال يرى في تفتت وانحسار نفوذ هذه القوي ينفتح الباب امام الانقلابات؟ وماذا فعل للمحافظة عليها وعصمتها من التفتت؟ ام بعد وصوله للسلطة تلاشت تلك المخاوف؟ ام كانت مجرد اوهام؟ ويتواصل الحوار مع رفيق النضال السيد الوزير ويجود بافاداته الشيقة حيث يزعم سيادته أن الإجراءات التي تتخذ في مواجهة مدبري ومنفذي انقلاب الإنقاذ في عام 1989 تهدف لمحاسبة ومحاكمة الذين أجرموا في حق الشعب السوداني وإنها ليست مواقف ضد جماعة أو آيدولوجية بعينها أو ضد الإسلاميين وتابع: ( أي إسلامي لم يجرم أو يفسد فمن حقه أن يمارس العمل السياسي ويبشر بأفكاره وينافس في الانتخابات) وزاد: (هناك قانون يناقش الآن لتفكيك دولة التمكين لأن هذه مطالب قوى الحرية والتغيير وقوى الثورة) وبشأن ملف العدالة الانتقالية أوضح عمر أن الحكومة الانتقالية جادة للغاية في تحقيقها واستطرد: «خلال الفترة الماضية قطعت العملية خطوات كبيرة في تكوين الأجهزة العدلية ووضعت مشاريع قوانين جديدة وتعيين رئيس القضاء والنائب العام وتكوين لجنة التحقيق المستقلة في فض الاعتصام) وأضاف: «قطعاً سيحاسب المجرمين على ما ارتكبوه وسيجد كل ذي حق حقه وهنالك إرادة حقيقية لإنفاذ العدالة دون تأثيرات سياسية وهذا يوضح النتائج المتوقعة) وأضاف: «لا أعتقد أن تكون هنالك أي اعتبارات سياسية تسمح لقوى الحرية والتغيير والحكومة الانتقالية بالتضحية بالعدالة أو تزويرها باعتبارها واحدة من أهم قضايا الثورة ومطالب الثوار ولا يمكن المساومة بها تحت أي ظرف نواصل أسئلتنا للسيد الوزير ونقول ان النظام المندحر كانت دولته دينية ويرى انه يمثل ارادة الله في الأرض الا ترى ان الثورة قد حسمت هذا الامر وانتصرت للدولة المدنية؟ مما يجرم تأسيس أحزاب علي اسس دينية؟ علي الاقل الجماهير رفضت تيارات الإسلام السياسي فلماذ نفتح لها الطريق؟ الا يرى ان ايدلوجيتهم تشكل خطرا علي التحول الديمقراطي؟ وكيف كانت تقف عقليتهم التكفيرية ضد القراي ومشروع وزارة التربية والتعليم في تحديث المناهج؟ ام كانت لحزبه رؤية مطابقة لهم في ذلك الامر؟ ثم مشروع تفكيكهم الا يرى انه تأخر كثيرا؟ وهل الإصلاحات القانونية والعدلية جلبت كفاءة مهنية؟ ام زادت الضغوط الشعبية ضدهم واتهمتهم بحماية رموز النظاَم ومساعدتهم للافلات من العقاب وتعطيل العدالة؟ وهل بعد عامين من عمر الثورة تحققت العدالة الانتقالية؟ ام زادت حالة الغبن؟ واذا لم تكن هنالك اعتبارات سياسية تحول دون تنفيذ العدالة لماذا لم يخرج علينا رئيس لجنة فض الاعتصام بتقريره حتي الان؟ ولماذا تأخر كل هذه الفترة؟ ولماذا لم يستعجلوه للانتهاء منه؟ وهل محاسبة ومحاكمة رموز النظام المندحر تسير بصورة طبيعية ام هنالَك ايادي تعرقل سير العداله؟ ان القوي التي وصلت للسلطة اقصت قوي الثورة و عزلت نفسها عن الجماهير وادارت ظهرها للشعب وعكفت علي رعاية مصالحها الذاتية ومصالح حلفاءها ولم تعد تحمل هم دنيا الناس حيث تشكل الحكومة الحالية غياب تام عن قضايا الجماهير ورفع المعاناة عن كاهلها خصوصا في قطاع الخدمات العامة والمعاش وعموم الحالة الاقتصادية و التي لم تبزل جهدا في معالجتها واضحت ترتكز علي اقتصاد الهبات والعطايا وإهدار الطاقات والموارد بدلا عن التنمية والانتاج هذا مع بطء في انفاذ قضايا القصاص والعدالة الانتقالية والإصلاح القانوني والمؤسسي وتفكيك النظام البائد وتوقيع سلام زائف زاد من حالة الإحتقان والمخاطر الأمنية وإمكانية اندلاع حرب أهلية مجددا لتشمل رقعة أوسع في نطاقها الجغرافي كذلك البت في قضايا تحت الضغط الدولي ومنظوماته خارج صلاحيات الانتقالية منها ما محله المؤتمر الدستوري ومنها من صلاحيات الحكومة المنتخبة فهل يا ترى ينبغي علينا الصمت حتي لاتغضب جماعة الهبوط التي بدأت تطاردنا ام نتسلح بالإرادة الشعبية مجددا ونعبء الشوارع في اتجاه إكمال مسير الثورة لغاياتها المامولة؟ الغرفة المشتركة للحراك الثوري