كشفت الخلافات التي وقعت داخل تحالف قوى الحرية والتغيير عن احتدام الصراع على قيادة المكون المدني بين حزب الأمة الذي يعوّل على ثقله السياسي باعتباره صاحب آخر أغلبية برلمانية منتخبة، وبين عدد من القوى السياسية الصاعدة، تزامناً مع اتساع نطاق المطالبات التي تنادي بتسليم قيادة مجلس السيادة الانتقالي من العسكريين إلى المدنيين في نوفمبر المقبل. وتتبادل أحزاب وقوى سياسية الاتهامات فيما بينها بالتسبب في تهميش المكون المدني داخل مجلس السيادة، الأمر الذي كانت له انعكاسات سلبية على إمكانية تسليم قيادة المجلس للمدنيين، في وقت يسعى فيه كل حزب للاستئثار بمنصب الرئيس. وعزت مصادر سياسية استقالة عائشة موسى من عضوية المجلس السيادي إلى تلك الخلافات، متهمة المكون العسكري بالتغول وتغييب المدنيين. واتهم المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير حزب الأمة القومي بالتردد والتسبب في تعطيل مسار الإصلاح من خلال التمسك بتمثيل أعلى للحزب على حساب المكونات الأخرى في تشكيل المجلس التشريعي، ورفض القرار الصادر بحله من جانب اللجنة الفنية التي انعقدت الجمعة بمقر حزب الأمة. وقاد حزب الأمة مشاورات مكثفة لتدشين لجنة فنية مهمتها إصلاح قوى الحرية والتغيير، غير أنها لم تحظ بتوافق جميع الأطراف المشاركة في التحالف الحكومي، وبدت اللجنة كأنها كيان مواز للمجلس المركزي الذي يعتبر أعلى سلطة داخل التحالف، وجمّد الحزب عضويته به قبل نحو عام ونصف العام على إثر خلافات بينه وبين الحزب الشيوعي الذي انسحب بشكل كامل من التحالف. وأعلنت اللجنة الفنية لإصلاح قوى الحرية والتغيير حل المجلس المركزي الذي يضم في عضويته 28 حزباً من القوى المشاركة داخل التحالف، وقررت اختيار أعضاء جدد للمكون المدني داخل مجلس السيادة، وطالبت بعقد المؤتمر التأسيسي الذي جرى إرجاؤه أكثر من مرة خلال 14 يوماً، واعتبرت اللجنة نفسها أنها تمثل جمعية عمومية للحرية والتغيير باعتبارها تضم غالبية المكونات، لكن لم يتم ذكر أسماء الكيانات. وقلّل عضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية يوسف محمد زين من قيمة الخلافات الحاصلة بين المكون المدني ووصفها بأنها "هامشية ولا تمس جوهر الثورة أو أهدافها، وتدور حول رغبة حزب الأمة في الحصول على التركة الأكبر من حصة المجلسين التشريعي والسيادي في ظل توافق قوى الحرية والتغيير على إدخال تعديلات على ممثليه، بعد أن حاز الحزب على نصيب أكبر على مستوى الوزراء والولايات". وأضاف زين في تصريح ل"العرب" أن الحديث عن إصلاح قوى الحرية والتغيير كلمة حق يراد بها باطل، وكل طرف يحاول أن يوظف الأمر لصالح تحسين وضعيته بالتحالف، في ظل الاتجاه نحو توسيع قاعدة الأطراف المشاركة في المجلس المركزي لتشمل أكبر عدد من القوى المشاركة في التحالف. وأوضح زين الذي يرأس الحزب الوطني الاتحادي أن المجلس المركزي شكّل لجنة مكوّنة من خمسة أحزاب بينها حزبه إلى جانب أحزاب المؤتمر السوداني والبعث العربي الاشتراكي والبعث القومي والاتحادي الديمقراطي للقاء رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر وإنهاء الخلاف الدائر عبر التوافق على نسب التمثيل في المجلسين السيادي والتشريعي. والتوافق على قيادة موحدة للمكون المدني داخل مجلس السيادة بمثابة قنبلة ستكون قابلة للانفجار حال جرى التوافق بشكل نهائي على تسليم السلطة للمدنيين في الوقت المحدد بحسب الوثيقة الدستورية التي قسمت إدارة المرحلة الانتقالية بين المكونين. ويسعى كل حزب لتعزيز حضوره داخل مجلس السيادة كمقدمة للاستئثار بالوجود على رأس المرحلة الانتقالية، بعد أن أبدت قوى إقليمية دعمها تسليم السلطة لمدنيين. وتحاول الأحزاب والقوى السياسية المنضوية تحت لواء التحالف الحكومي سدّ الفراغ الذي تركه الحزب الشيوعي، والذي كان يقوم بدور المايسترو للتحالف بفعل ارتكانه إلى التقارب السياسي بينه ورئيس الحكومة عبدالله حمدوك، وأن حزب الأمة يسعى للقيام بهذا الدور عبر تمثيل أكبر في مجلس السيادة يمكّنه من فرض رؤيته بعد أن أضحى له وجود على مستوى خمس وزارات وحضور فعّال في الولايات. وتكمن المشكلة الرئيسية داخل الحرية والتغيير في أن المنضوين تحت لواء هذا التجمع يشعرون أن البساط يجري سحبه من تحت أقدامهم بسبب دخول الحركات المسلحة ضمن دوائر السلطة أو تراجع شعبيته على نطاق واسع بفعل تردي الأوضاع المعيشية وعدم القدرة على تنحية الخلافات لمواجهة تحديات المرحلة الانتقالية. ويصعب الفصل بين الخلافات التي طرأت أخيراً وبين محاولة الأحزاب السياسية تحصين مكاسبها في المرحلة الانتقالية، لأن القوى الثورية إلى جانب القوى المنسحبة من التحالف (الحزب الشيوعي وتحالف المهنيين) توظف الغضب الشعبي في الشارع لإعادة ترتيب أوراقها، فيما تسعى قوى الحرية والتغيير لتعزيز نفوذها من خلال مواقعها في السلطة الانتقالية. وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية محمد خليفة صديق أن عدم وجود أسس سليمة لتقسيم المناصب بين القوى السياسية يدفع لإشعال الخلافات وخروجها إلى العلن، لأن تقسيم مقاعد المجلس السيادي بين المدنيين والعسكريين جاء حسب التوزيع الجغرافي لضمان مشاركة كافة الولايات، لكنّ ذلك لم يتحقق على الأرض وتحوّل إلى تقاسم سياسي. وأشار صديق في تصريح ل"العرب" إلى أن الأحزاب تبحث عن كعكة داخل مجلس السيادة الذي تضخم وأضحى يمثل في حد ذاته مشكلة، في حين أن غياب التوافق حول المجلس التشريعي يجعل هناك فراغا تستفيد منه أطراف مختلفة، وأن التعامل مع الخلافات يجب أن يتم عبر توسيع قاعدة المشاركة بما يقوّض عراقيل تماسك المرحلة الانتقالية. ولم يستبعد متابعون وجود أصابع خفية تحاول تسخين المشهد السياسي تحت أقدام المكون المدني، ما يجعل القوى السياسية أكثر رغبة في تعديل حضورها على مستوى المجلس السيادي واستبدال بعض الأشخاص الذين لم يقوموا بأدوارهم بالشكل المطلوب بآخرين لديهم قدرة على تحقيق تمثيل فاعل لقوى الثورة في المجلس. وتواجه القوى السياسية المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير اتهامات بتحقيق أهداف جهات معادية للثورة والتفرغ للخلافات من دون أن تتحمل مسؤولية تحسين الأوضاع المعيشية بعد أن أضحت شريكة في السلطة، وذهب البعض للإيحاء بأن الخلافات تعبّر عن اختراق النظام البائد للتحالف الحكومي وقد أدخل الأزمة في دوامة أخرى. ويدعم هؤلاء الرؤى التي تصبّ في صالح اختراق فلول النظام السابق لقوى سياسية في أثناء وجوده على رأس السلطة، ما يعني أن هناك أشخاصا داخل التحالف يدينون بالولاء للدولة العميقة بعد أن كانت لهم علاقات قوية بنظام عمر البشير، وأن بزوغ نجم قيادات الثورة مجدداً من خلال مؤتمر باريس وضع القوى الحزبية التقليدية في مأزق لأنها أضحت ورقة محروقة أمام المواطنين.