وكأن لا اقاليم في السودان. فكل مصير الوطن يتحدد في الخرطوم. وكل احداث الوطن هي في الخرطوم. وكل اموال الوطن هي في الخرطوم وكل ذهب الوطن هي في جيوب بعض حكام الخرطوم وكل حروب الوطن تنطلق من الخرطوم. وكل العلاج في الخرطوم وكل التعليم في الخرطوم وكل الاعمال في الخرطوم. والاقاليم بعيدة ومهمشة. وكأن هناك طلاق بائن ما بين الخرطوم والاقاليم . فالريف معزول تماما عن المركز. ولا حبل سري يربط بينهما والانقطاع شبه تام في كافة المجالات. وغياب تام لكافة الخدمات. والريف منكفأ علي نفسه بمياهه واراضيه الخصبة وثرواته. ولعل اكثر الناس استفادة من هذا العزلة هم المهربون واللصوص. فقد هربوا كل منتجات البلاد الي دول الجوار ومازالوا. ففي الشرق ينشط التهريب لارتريا واثيوبيا وفي الغرب هناك تشاد وافريقيا الوسطي وحتي النيجر وفي الشمال مصر وليبيا وفي الجنوب جنوب السودان. واصبحت اقتصاديات هذه الدول تعتمد علي المواد المهربة من السودان فمصر تصدر السمسم رغم ان السمسم لا يزرع في مصر. ومصر تصدر اللحوم رغم ان كل الثروة الحيوانية الحية سودانية. والسكر يهرب الي ارتريا ثم يعود ليباع في اسواق الشرق. والدقيق يهرب والوقود يهرب. و الخرطوم تتكأ علي وسادات حريرية وقد اصابها البشم وقد طلبت هاضوما. وكل ما تفعله انها تعلن ان باخرة دقيق قد وصلت. وهناك باخرتين جازولين. والسودان يستورد خميرة للكسرة بقيمة (250) مليون دولار سنوياً و السّودان يستورد جميع أنواع الملابس الداخليةٍ من تركيا وسوريا وألمانيا ، والسّودان يستورد الكتب بما فيها المكتوب باللّغة العربية والدّينية. والسودان يستورد لوازم الدراسة من أقلامٍ للكتابة والتّلوين. والسّودان يستورد ألعاب الأطفال من دمى وبنادقٍ وعجلاتٍ وألعابٍ إلكترونية، والسودان يستورد الملابس التّنكرية وادوات التجميل وخاصة (التبيض) . وفي المقابل الصمغ يصدر خاما ولا نستفيد منه والمنتوجات الزراعيه تصدر خاما ولا مردود لها في الخزينة العامة والثروة الحيوانية تصدر حية باناثها وذكورها. والذهب يصدر بالاطنان عبر مطار الخرطوم. واليورانيوم يهرب الي روسيا وفقط نحن نسمع كثيرا عن صادرات للسودان ولا نري طحينا يعني ( نسمع ضجيجا ولا نري طحينا) . طيب ما عشان كدة الميزان الاقتصادي مختل ورجاءا لا تقولوا ان السودان سلة غذاء العالم . فصدقوني السودان سلة (مقدودة) فلقد مللنا هذه الجملة الغياظة . فالكلمات البراقة لن تخرج الاقتصاد من عنق الزجاجة. مللنا والله الحديث عن فشل حكوماتنا المتعاقبة التي فشلت في تخطيط مستقبل مشرق للسودان. مللنا والله المافيات اللعينة التي تسيطر على الاقتصاد عبر البحار. مللنا والله فوضي الأسعار التي تعذب المواطن المسكين كل يوم. مللنا والله هذه الفوضى الاقتصاديه التي لا حل لها في المنظور القريب. السودان اخوتي في حفرة عميقة وحتي يوم القيامة. وقولوا دوما اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا. محمد حسن شوربجي