لا تبدو الأمور متجهة نحو انفراج قريب. بل على العكس يبدو هناك شبه اجماع على ان الأمور ستزداد سوءاً. يتفق في ذلك من يرون ان الإجراءات الإقتصادية الأخيرة مؤلمة ولابد منها لكنها ستؤدي في النهاية إلى وضع اقتصادي جيد، لكن سيحدث ذلك بعد مزيد من المعاناة لفترة قد تزيد عن العام، ومن يرون ان الإجراءات الإقتصادية ستؤدي إلى انفجار شعبي ومن ثم انهيار كامل. ما يتفق عليه الجميع هو الأثر المؤلم للإجراءات الإقتصادية. من يؤيدها ومن يرفضها. وتشهد على ذلك متاريس الشوارع، وبيانات الرفض، وشكوى المواطنين التي تسمعها في كل مكان. حتى التجار، الذين قد يظن بعض الناس انهم يستفيدون من زيادة الأسعار، يشتكون وعلى وجوههم الرعب من الغد. في ذات الوقت يتواصل انهيار الخدمات. الكهرباء تبدو أسطورة. حتى ليس هناك جداول قطوعات مثل سنوات ماضية. انما انعدام كامل للإمداد، يصل إلى أيام متتالية في بعض المناطق! ولا يبدو لدى وزارة الطاقة أي حل قريب في الأفق. بل ربما تزداد الكهرباء شحاً مع تقدم الصيف وارتفاع درجات الحرارة. ومع انعدام الكهرباء يأتي انقطاع المياه، حتى عادت مهنة السقا إلى الحياة مرة أخرى. مدينة الخرطوم تتحول إلى مقلب قمامة ضخم. قبل أسابيع حملت الأخبار صور حملات نظافة يشرف عليها الوالي، واتفاقاً على تثبيت عمال هيئة نظافة الخرطوم. لكن لا يبدو لذلك أثر في الطرقات التي لم تحتلها المتاريس. تلك هي الأزمة الأخرى. طرقات العاصمة مغلقة بالمتاريس في مطالبات اقتصادية وعدلية لا يبدو أنها ستستجاب قريباً. فليس لدى أهل المتاريس إلا الإنفضاض يأساً – ويبدو أن هذا ما تراهن عليه الحكومة الإنتقالية – أو مزيد من الغضب والعنف للفت نظر السلطة وإجبارها على الإستماع لصوتهم، ويُرجح أن هذا ما سيحدث. تُغلق الطرقات مع غياب شبه كامل للشرطة. ورغم ان جزء من غضب المتاريس هو عنف الشرطة تجاه المتظاهرين، إلا ان هذا الغياب لم يبدأ مع المتاريس. هو غياب ملموس منذ بداية الانتقالية. وبسببه بدأ الأمن يتراجع. فنشطت عمليات نهب المارة، والإعتداء على السيارات، وسرقات المنازل، وحالات الإختفاء الغامضة لمراهقين أغلبهم من الفتيات! يأتي كل ذلك في باقة واحدة مع الفوضى التي تضرب قوى إعلان الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الإنتقالية. خلافات عصفت بها، وتجميد وخروج عنها جعل رايتها التي توحد خلفها الشعب في ثورة ديسمبر أشبه بصورة منتحلة. في حين يدعو الحزب الشيوعي بعد خروجه من التحالف لإسقاط الحكومة الإنتقالية والوثيقة الدستورية عبر الحراك الشعبي والمظاهرات والعصيان المدني. وهو ما أسعد بقايا المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية فسارعت بالدعوة إليه عساها تجد متنفساً. كل هذا مع أخبار عن توتر ما بين قوات الجيش وبين مليشيا الدعم السريع، في ظل وجود عدة حركات مسلحة داخل المدن. وتفيض وسائل التواصل بالشائعات، وتهدر المساجد غضباً من الاتفاقيات الدولية وتوجه الحريات المحدود الذي تتحدث عنه الحكومة الإنتقالية أكثر مما تنفذه. إلى أين يمكن أن يتجه مثل هذا الوضع الملتهب المتداعي؟ ربما تحدث المعجزة. أو ربما تسير الأمور في طريقها المنطقي، ونحصد من هذه الفوضى مزيداً من الفوضى. تبدو بوابة الخروج الأمن مغلقة. المواكب