منذ زمن طويل، قبل إستقلال السودان، وحتي الآن وأثناء المباحثات الاولي والثانية للسلام في جوبا، كثر الحديث حول علاقة الدين بالدولة. فريق يدعو للفصل بين الدين والدولة، وفريق يصر علي عدم الفصل، بحجة الحاكمية الواردة في كثير من الآيات القرآنية، والتي يفسرونها بالحكم، بمعني شأن الحكومة. وآخرون يَرَوْن ان (الحكم) مقصود به "القضاء" بين المختلفين، وان المقصود بشأن الحكومة هو (الأمر) قال تعالي: "وأمرهم شوري بينهم" (الشوري38)، "وشاورهم في الامر" (آل عمران 159) . ودون الخوض في التفاصيل نجد ان بعض القريبين من تيار الأخوان المسلمين، أمثال الشيخ يوسف القرضاوي، يَرَوْن أن المقصود بالدولة الاسلامية هو الدولة المدنية، "الدولةالاسلامية كما جاء بهالاسلام، وكما عرفها تاريخ المسلمين، دولة مدنية تقوم السلطة فيها علي البيعة والاختيار والشوري، والحاكم فيها، وكيل عن الأمة، او أجير لها، ومن حق الأمة ، ممثلة في أهل الحل والعقد فيها، ان تحاسبه وتراقبه، وتآمره وتنهاه وتقومه ان اعوج، وإلا عزلته" (الصحوة الاسلامية وهموم الوطن العربي ص 244). وقال الشخ القرضاوي ايضا: "ومن ثم نعلنها صريحة: نعم للدولة الاسلامية ولا ثم لا للدولة الدينية" (904). واذا إتفقنا مع ما يدعو له القرضاوي، لنا أن نتسلئل، عما هو الفرق بين الحكومة الاسلامية المدنية (غير الدينية) وبين الدولةالديمقراطية، (التي ترعي وتحترم وتقف علي مسافة واحدة من كل معتقدات الأمة وتقاليدها) ؟ أي الدولة التي يختار حكامها الشعب، يحاسبهم، يقومهم ويعزلهم ان أراد؟ دون عناء كثير واهدار لوقتً ومقدرات الشعب السوداني الذي عاني الأمرين منذ الاستقلال. لنحسم امرنا ونؤكد ضرورة قيام دولة مدنية تحترم جميع المعتقدات الدينية في بلادنا، وتقاليد شعبنا التي نعتز، ونفاخر بها الامم. هكذا، وبهذا الفهم، لطبيعة الدولة التي نريدها، ( دولة لا تنحاز أو تفرض معتقدات أوتقاليد أو عادات أو ثقافات بعينها، وتقف علي مسافة واحدة منها). بهذا الفهم للدولة، نكون قد خرجنا من الحلقة الشريرة التي لازمتنا لعقود طويلة، حول الفصل وعدم الفصل بين الدين والدولة. نذكر هنا، بأن دولاً عديدة، من بينها تركيا وتونس، للمثال لا الحصر، قد حسمت أمرها في هذا الشأن، واعلنت ضرورة وقوف الدولة علي مسافة واحدة من كل الاديان والمعتقدات. واذا حذونا حذو هذة الدول، نكون قد ارسينا الأساس لدولة المواطنة وحكم الشوري والقانون. دون ذلك، سنظل متقوقعين ومكبلين تحت الفهم الخاطئ لعلاقة الدين بالدولة ومهزومين باعتقاد البعض، بأن الفصل بينهما يعني معاداة الدين. في هذا الصدد، نذكر بقول الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان ، عند زيارته لجامعة القاهرة بعد تغيير نظام الحكم في مصر عام 2011: "كنّا نعتقد في الماضي، ان العلمانية تعني معاداة الدين. لكن العلمانية في حقيقة الامر، هي وقوف الدولة علي مسافة واحدة من كل الاديان. والدولة يمكن ان تكون علمانية، لكن الأفراد، لا يمكن ان يكونوا علمانيين، لان لكل منهم دينه او معتقداته". (اردوغان، جامعة القاهرة، 2011). اللهم الهمنا جميعا التوافق علي الدولة المدنية التي تسع الجميع ، لينفتح الطريق أمامنا للتقدم والنماء.