أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخازوق 2: شربت "المقلب" .. الحركات على سطح صفيح ساخن
نشر في الراكوبة يوم 21 - 06 - 2021

* هناك تباين جوهري بين مواقف قادة الحركات من الثورة وعملية التغيير !.
* تجاهلوا مناطقهم وتسمَّروا في الخرطوم فأقصتهم حواضنهم وبايعت بنسوده!
* تعجلوا السلطة .. فسقطوا في فخ المكون العسكري !!.
* لم يعد لديهم سوى التلويح بالسلاح والفوضى ما يرهنون عليه .. ولكن !!.
عزالدين صغيرون
لا يسهل الحديث عن حركات الكفاح المسلح، التي وقعت مع الحكومة والتي لم توقع بعد، بنفس سهولة الحديث عن المكون العسكري – الذي تتربع على قمته لجنة االبشير الأمنية – في المجلس السيادي. إذ أن فصائل الكفاح المسلح، رغم اللافتة العريضة التي تضمها جميعاً، والتحالفات الفرعية بين مكوناتها – على عكس المكون العسكري – مختلفة ومتنوعة متباينة. سواء في توجهاتها الفكرية والأيديولوجية، أو في غاياتها وأهدافها النهائية، أو في برامجها وتكتيكاتها التفاوضية. وقد يصل التباين بينها في ذلك إلى حواف التناقض والكيد والاقتتال على الأرض.
وهي تختلف في هذا عن المكون العسكري الموحَّد المتماسك البنية والقيادة، رغم اختلاف مكوناته العسكرية والأمنية والشرطية. ويرجع تماسكه هذا كما رأينا قبل إلى مركزية سلطة القرار التراتبية الهرمية التي انعقدت لرئيس مجلس السيادة، والذي بدلاً من أن يكون قائداً أعلى للقوات المسلحة بحكم منصبه الدستوري تقتصر سلطته بالتوقيع على ما يقرره مجلس الوزراء المدني. أصبح بطريقة سحريةٍ ما – بسبب تهاون أو تواطؤ أو غفلة المكون المدني – "قائداً عاماُ" للقوات المسلحة بسلطات تنفيذية. وأضاف إلى سلطاته سلطة اختيار وتعيين وزيري الدفاع والداخلية، وهما من صميم اختصاصات مجلس الوزراء "المدني" ورئيسه !.
ولأننا في بلد التناقضات والعجائب جمع البرهان، رئيس مجلس السيادة بين يديه السلطات التنفيذية الثلاث.
(2)
ونستطيع بنظرة طائر أن نرى عمق التشققات والتباينات بين مواقف الحركات المسلحة من عملية التغيير المطلوب لإقامة دولة الحرية والعدالة والرفاه المدنية، والتي كانت هي الوقود الدافع للثورة والأهداف التي من أجل تحقيقها بذل الشباب أرواحهم.
بل نستطيع أن نرى عمق التباين والتناقض والاختلاف في رؤيتهم للثورة برمتها. كما نستطيع أن نلمس عمق التناقض بين أقوالهم وتضاربها من ناحية، وعمق التناقض بين أقوالهم وأفعالهم ومواقفهم من ناحية أخرى، بوضوح تام.
– أبرز هذه الإختلافات يتمثل في التناقض بين موقف حركات الهبوط الناعم التي وقعت على اتفاقية جوبا وتحظى بالدعم من القوى الغربية ودولة الإمارات.
وبين موقف حركتي جيش تحرير السودان ( عبد الواحد نور)، والحركة الشعبية/ شمال (عبد العزيز الحلو).
وهو اختلاف جوهري تتحدد بموجبه "هوية" الدولة ونظام الحكم لما بعد الثورة.
فالأخيرة تدفع باتجاه علمانية الدولة، أو مدنيتها – بمعنى من المعاني –، وهو من المواقف المبدئية، وقد عبر عنها (نور) لدى مخاطبته هاتفياً كرنفال تخريج الدفعة (16) لقوات الحركة بالمناطق التي تقع تحت سيطرتها في جبل مرة، موضحاً ما يعنيه، بأن: الدين علاقة شخصية بين المُعتقِد ومَا يعتقده. قائلاً "عثمانيتنا علمانية سودانية". وقد طالبنا بدولة ليبرالية بحريات فردية وجماعية. مشيراً إلى انهم سيجرون مناظرات ومواجهات لشرح العلمانية التي يقصدونها بوضوح "(1).
بينما تنحو ما يسمى بقوى بالهبوط الناعم إلى عدم القطيعة بالنظام المندحر، فقد كانوا وثيقي الصلة سياسياً وفكرياً بأحزاب الهبوط الناعم التي تميل كفتها الفكرية السياسية إلى المحافظة. ومن هنا يمكن فهم محاولاتهم حجز مكان لفلول المؤتمر الوطني في قطار الثورة، دون التطرق بذكر لهوية الدولة المقترحة في شعارات الثورة.
ويمكن القول يشيء من الاستثناءات الطفيفة أن مظلة الإسلام السياسي تجمعهم بدرجات متفاوتة. وقد عبر كل من إبراهيم جبريل ومناوي والفريق سعيد يوسف ماهل، نائب رئيس التحالف السوداني للشؤون العسكرية، المنضوي في الجبهة الثورية السودانية بصراحة ووضوح وفي أكثر من مناسبة، عن موقفهم وتوجههم ورغبتهم في فتح أبواب المشاركة أمام فلول القتلة اللصوص في نظام ما بعد الثورة بشكل واضح وصريح.
بل بينهم – جبريل على سبيل المثال – من لا يخفي ميوله الإسلاموية وانتماءه التنظيمي والفكري لجماعة الإخوان وولاءه لشيخه الترابي، الذي لم يألو جهداً في وضع العراقيل أمام تحقيق أهداف الثورة، سواء في اعتراضه على تطوير مناهج التعليم. أو إجهاض المصادقة على اتفاقية (سيداو) والحيلولة دون تغيير قوانين الأحوال الشخصية للقضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة. أو اعتراضاته على قرارات لجنة التفكيك ومحاولات تفكيكها. أو دغدغة العواطف الدينية للبسطاء على نحو ما كان يفعل تجار الدين.(2).
(3)
فمع من يقف قادة الحركات المسلحة في هذا الصراع المحموم على السلطة بين المكونات الثلاث (الحاضنة السياسية والسلطتين السيادية والتنفيذية) ؟.
للسلطة بريق يعشي العقول في أعين عشاقها ومن تذوقوا طرفاً من حلاوتها. وهو بريق خادع، مثل ذلك الذي يجذب بعض الحشرات لتحترق.
وهذا ما حدث ويحدث، وسيحدث أيضاً، لكل من أذهلته سمادير السلطة الكذوب عن واحة الوطن الوارفة ونبع مياهه الصافية.
فلما يقارب العام بين عامي 18 – 19، عاش السودانيون أروع لحظات تاريخهم وهم يسطرون بدمهم ودموعهم وعرقهم ملحمة ثورتهم العظمى على نظامٍ تحالف فيه أفتك سلاحين: الدين وآلة الدولة الشمولية. أو الأنبياء الكذبة والعسكر.
وللمرة الثالثة في تاريخ السودان الحديث انتصر النشيد على البندقية. وجاء حملة السلاح – الذين لم يحقق لهم السلاح انتصاراً على النظام المهزوم – وفُتحت لهم أبواب البلاد التي كانت مغلقة في وجههم، فدخلوها بسلام آمنين.
ما الموقف الذي يمكن أن يتوقعه منهم أي عاقل عندما يشتد التنازع بين العسكر والمدنيين الذين يمثلون قوى الثورة الحية التي خاضت معركة التغيير والإطاحة بالنظام القديم ؟. سيجيبك من له ذرة عقل أو ضمير، بأنهم سيصطفون إلى جانب من دفعوا ثمن التغيير وضحوا بأرواحهم لتحقيقه.
إلا أن من ظلوا يقاتلون النظام المندحر اصطفوا إلى جانب من كانوا يحرسون بوابة عدوهم، ويقاتلونهم طوال تلك السنوات !.
الإجابة على سؤال: لماذا فعلوا ذلك واتخذوا هذا الموقف؟. لم يعد يحتاج من شباب الثورة وأطفالها من الجنسين، وحتى من شيوخها ل"درس عصر" أو ذكاء خارق.
الإجابة ببساطة: لأن شهوة الانفراد بالسلطة أعمتهم عن درب الشراكة والإجماع الوطني. وشهوة السلطة تُعمي العقول والقلوب التي في الصدور أيضاً. فخيَّل لهم ذكاءهم بأن تحالفهم مع حاملي السلاح الأقوياء المعترف بهم، سيمهد لهم الطريق للانفراد بالسلطة.
ونفس هذه الرؤية التآمرية الخبيثة تبناها العسكر الرسميون موقفهم من (بتاعين الحركات). إذ رأوا فيهم حلفاء ممكنون، يستعينون بهم على المدنيين للاستئثار بتورتة السلطة خالصة بهم. بعد أن أعيتهم لجان المقاومة وقوى الثورة حيلة.
وقد اتكأ كلا المعسكرين: الرسميون والحركيين على مبدأ: أن حملة السلاح أقرب إلى بعضهما، منهما إلى المدنيين.
فنمط حياتهم، وتجاربهم في مواجهة الموت والقتل كممارسة مهنية روتينية تتشابه بل هي متطابقة.
وإذن، فملف السلام يجب أن يكون بأيدينا، نحن عساكر السلطة سنفاوض حملة السلاح ونتفق معهم، لأننا نعرف بعض، ونتحاور بلغة مشتركة.
(4)
وعلى هذا الأساس سحب المكون العسكري ملف مفاوضات السلام واختطفه من يد السلطة التنفيذية المدنية، تحت ذريعة "نحن عسكر وهم كذلك. نتحدث لغة واحدة. ولأن الموضوع كله أمني يتعلق بالسلاح، فنحن الأكثر تأهيلاً ومناسبة لتولى أمر هذا الملف، خاصة ونحن وهم قد تواجهنا من قبل وخضنا المعارك ضد بعضنا البعض، ونحن إذن بالتالي الأكثر معرفة بتفكيرهم، ونحن الأدرى بعقلياتهم ونمط تفكيرهم وتكتيكاتهم".
الشيء المحيِّر بالفعل كيف انطلت هذه الحجج غلى هؤلاء "الخبراء الأمميون" الذين تم الاستعانة بهم من المنظمات الدولية ؟!. بينما واحد "عنقالي" مثلي يدرك بأن ملف السلام في أساسه هو قضية سياسية بالدرجة الأولى. وفي تفاصيله هناك ملفات أخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية وعدلية وقانونية. وإن ملف السلام باقة متنوعة متكاملة، ينتظم الأمن ضمنها ويتكامل مع سائر الملفات.
ويقتصر دور العسكر في هذا الجانب من العملية على مجال اختصاصه وجوانبه الفنية، التي لا تتعدى حصر المسلحين، وتجميعهم في معسكرات، تحت إشراف لجنة من الجيش والاستخبارات والشرطة. والإشراف على جمع السلاح منهم. والتحري والاستقصاء عن خلفيات وهوية كل واحد منهم أمنياً، يشرف عليها هو والاستخبارات والشرطة بملفاتها الجنائية.
كيف فات على هؤلاء الخبراء الأمميون حاملو الشهادات العليا أن ملف الحرب والسلام أكبر وأخطر من أن يترك للعسكر يبتوا في أمره، في أي دولة حقيقية تحترم نفسها ؟!.
ولكن هذا ما حدث.
لقد قطع الحليفان الشوط الأول من سباق الفوز بالتورتة بنجاح نسبي. فقد انشقت صفوف الحاضنة التي يفترض أن تكون العين الحارسة للثورة، والساعد الذي يحميها. وذاعت انتقادات قادة الحركات، ليس للحاضنة قحت وحدها، بل وشملت حتى حكومة حمدوك. وذاق قادة الحركات التي وقَّعَت مع العسكر في جوبا شيء من حلاوة السلطة، بهبة مجلس الشركاء كجسم موازٍ، وبديل محتمل، للحاضنة السياسية المدنية، دون أن ينتبه عسكر المكونين إلى أن مولودهما يفتقر لحاضنة اجتماعية تمنحه الشرعية في الشارع. والشارع هو المضمار الحقيقي لاختبار قوى الحراك السياسي والاجتماعي، وبيده وحده صكوك الشرعية.
ولكن نهاية هذا الشوط لم تكن هي نهاية السباق. إذ حانت مع بداية الشوط الثاني قضية استحقاقات الحركات على شيك الموالاة الذي قدمته على بياض للمكون العسكري الرسمي، ليدخل التحالف التكتيكي الانتهازي إثرها (في خُرم إبرة
(5)
الاستحقاق المطلوب كان هو إعادة الترتيبات ودمج قوات الحركات برتبهم في الجيش والمخابرات وكافة أجهزة الأمن والشرطة. وفي سعيهم لأن تكون لهم الغلبة في تلك المؤسسات الحساسة استبقوا الدمج بعمليات تجنيد واستيعاب أكبر عدد من الأتباع ب"الكوم" وبيع التعيين، والسعر حسب الرتبة، مما لم يكن هذا ليخفى حتى على العين غير الأمنية، وقد أشار حميدتي إليها بطريقته المعهودة. وكان هذا سبباً أكثر من كاف لأن ينكث المكون العسكري عن وعدٍ لم يكن في الأصل يضمر الوفاء به.
ومن يطلع على الاستحقاقات الموعودة التي تم الاتفاق عليها بين فريقي العسكر، يكتشف مدى سذاجة قادة الحركات، الذين كانوا من الغفلة التي تتجاوز حسن النيّة ليصدقوا بأن قيادات لجنة البشير الأمنية – وقد تمرسوا لعشرات السنين بأساليب وحيل الترابيون – يمكن أن ينفذوا استحقاقات رموها طعماً للحركات، ولم تأخذ الحركات العظة مما فعله العسكر بالمدنيين – حكومة وحاضنة –، رغم الشارع ودعم قوى الثورة الحية !.
العسكر لا يطيقون شريكاً في السلطة، وهذا لم يفهمه قادة الحركات. فكيف جاز على عقولهم أن مكون عسكر السلطة الذي ينازع قوى الثورة الحية في حقوقها سيتنازل لينفذ اتفاق الترتيبات الأمنية معهم، وهو الاتفاق الذي ينص، حسب ما جاء في بيان الحركات على:
" * إشراك قادة الكفاح المسلح في إدارة الأجهزة الأمنية في البلاد على المستوى السياسي والتنفيذي في أعلى المستويات.
* تعيين وزراء دولة في وزارتي الدفاع والداخلية.
* تمثيل عادل في هيئة قيادة الأركان المشتركة وقيادة هيئة الشرطة وقيادة الامن والمخابرات والدعم والسريع، كخطوة اولية في المسيرة المطلوبة لإصلاح هذه الاجهزة الأمنية، علاوة على تشكيل اللجنة الأمنية العليا المشتركة لتقوم بمهامها لتنفيذ الترتيبات الأمنية" (3).
وهي ترتيبات في حال تنفيذها ستكرس شراكة الحركات في السلطة بنسبة 50% ليس بينها وبين قيادة اللجنة الأمنية باعتبارها الحاضنة والرحم الذي خرج منه المكون العسكري في السلطة السيادية فحسب. بل وبين الحركات وسائر مكونات قوى الدولة كلها. وهذا حلم لن يسمح بتحقيقه من يمثل البقاء في السلطة بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت.
(6)
لقد شرب قادة الحركات المسلحة "المقلب" حتى ثمالة كأسه، فأصدروا بياناً شبهة الكاتب الصحفي زهير السراج بإعلان حرب (4)، وهو بالفعل أقرب إلى ذلك، وقد جاء فيه:
"بعد مرور سبعة أشهر من توقيع اتفاق جوبا لسلام السودان، لم تَخطُ الحكومة ممثلة في (المكون العسكري) خطوة واحدة لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية، متخذة سياسة كسب الوقت منهجاً" واتهمت المكون العسكري ب"صناعة حركات أخرى بغرض تعقيد المشهد العسكري وتخريب السلام، بهدف إعادة البلاد إلى مربع الحرب لتستمر المعاناة والموت والدمار" وذلك "لتستمر ذات المجموعات في احتكار السلطة العسكرية والأمنية". ما يؤكد "أن الحكومة ممثلة في المكون العسكري غير جادة وغير راغبة في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية" وأنها تمعن في المراوغة السياسية والأمنية المعروفة، "لذر الرماد في أعين الذين لا يعلمون بواطن الأمور (5)" !!.
وبهذا يكون قادة الحركات قد امتطوا ظهر النمر مع عسكر المكون العسكري ومن خلفهم لجنة البشير الأمنية، ودخلوا معهم في وحل ورطة لا يدري أحد كيف سيخرجون منها.
– فبدل أن يصطفوا إلى جانب قوى الثورة الحيَّة، ليقوى عودهما معاً في مواجهة أطماع العسكر، الذين استبانت نواياهم صبيحة فض الاعتصام، ربطوا خيوط مستقبلهم بطموحات العسكر الذين لا يقبلون بشريك ولا يؤمنون بمبدأ المشاركة.
– وبدل أن يستهلوا دخولهم البلاد بزيارة أهلهم في معسكرات النزوح، يستمعون إلى شكاواهم ويتلمسون مشاكلهم ويضمدون جراحهم، أثر القادة والجنود البقاء في الخرطوم، بعضهم في الفنادق فئة خمسة نجوم والشقق الفاخرة، وبعضهم في الميادين والحدائق العامة.
– وبدل أن تستقر القوات بأسلحتها في مناطقها لتحمي الحدود مع الدول المجاورة وتمنع تدفق مهاجريها غير الشرعيين مسلحون وغير مسلحين حماية لقلاى أهلهم ومدنها وقراها ومدنها ومزارعها، احتلت الخرطوم، أو هكذا يخيل لهم !.
(7)
– والآن وقد خذلهم العسكر ونكثوا بوعودهم، أصبحوا عراة في "الخلاء" مرة ثانية، ولكن "داخل العاصمة" هذه المرة. بعد أن خسروا دعم من ادعوا تمثليهم، وفازت بالدعم بنسوده ومحكمة الجنايات الدولية.
ولم يعد بأيديهم ما يراهنون به، عدا التلويح بالسلاح والفوضى، وهم قبل غيرهم يعرفون بأن هذا خيار عدمي انتحاري لن يُبقي لهم من أثر، ولن تنفصل لا جهات دارفور الأربعة، ولا كردفان، ولا النيل الأزرق، ولا عبرة بانفصال الجنوب هنا.
هل انتهت القصة هنا؟.
ما السيناريوهات والخيارات القائمة أمام الحركات؟.
وما آفاق واحتمالات المستقبل أمامها؟.
المصدر: صحيفة المواكب
—————
مصادر وهوامش
(1) موقع صحيفة الراكوبة، نقلاً عن صحيفة (السوداني)، 5 يونيو، 2021.
(2) الغواصة، موقع صحيفة سودانايل الإلكترونية، بتاريخ 13 يونيو, 2021.
(3) إعلان حرب، الراكوبة، بتاريخ 2 يونيو 2021.
(4) الراكوبة، السابق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.