إن السياسة و الفِكْر و الثَقافة في المجتمع هما وسيلة لاصلاح المجتمع و ليس غاية في حد ذاتها، ويكون ذلك عبر التنمية المتكاملة الشاملة المستدامة. إن السياسي و المثقف والمفكر لدية رسالة يؤديها في خدمة مجتمعه كل من موقعه وتخصصه وذلك ينبع من خصائص بيئته الاجتماعية و الوطنية. مثلًا نجد ان السياسي و المُفكِر و المُثقف عليه ان ينشد و ينشر الوسطية والاعتدال في تناوله للاشياء، لانه ليس هناك حقيقة مُطلقة و انما النسبية هي سيدة الموقف في تناول القضايا و يكون ان هناك دور للسياسي ،الاقتصادي،المهني ،الاعلامي، الصحفي و الثقافي دور في إصلاح مجتمعه. وموقع السودان الجُيوسياسي يؤهله ان يلعب دور الوسطية في مختلف المواقف سوي علي المستوي الداخلي، الاقليمي و الدولي. لان قضيتنا في السودان ليست قضية ايدولوجيا الي اقصي اليمين الذي يمثله نموذج النظام البائد، وليست قضية ايدولوجيا اقصي اليسار و انما قضية حُقُوق سياسية، تنمية اقتصادية، اجتماعية و ثقافية. لا الحركة الاسلامية التي ارتكبت الابادة الجماعيه في اقليم دارفور تستطيع ان تعبر بالسودان الي بر الامان و مصافي التنمية بكل صنوفها، و لا العلمانية التي تريد نزع الدين من حركة الحياه تستطيع ان تصل بالسودان الي سلم الرقي بين الامم. ولا المكون المدني وحده يستطيع ان يعبر بالسودان الي الامام، و بالطبع و لا المكون العسكري وحده يستطيع ذلك و إنما الرؤية الوطنية التي تستند علي الوسطية و يكون هدفها التنمية المستدامة الشاملة وان يكون الدْستُور الذي يستند علي حقوق المواطنة المتساوية هو الذي تستمد منه السلطات للجميع و يتم الامر به للجميع. كنت يوما ما حُضُوراً في جلسة للبرلمان البريطاني يناقش فيه الوضع بالسودان وعند الانتهاء من الجلسة، تجاذبت اطراف الحديث مع احد رجالات الخدمة المدنية البريطانية ممن خدم في السودان ادبان فترة الاستعمار ، سألته عن رأيه في السودان، ذكر لي ان السودان مشكلته الاساسية اليسار المتطرف، و اليمين المتطرف حيث كل منهما يريد ان يغير العالم حسب ايدولوجيته، و انتهي بهم المقام بان ليس لهم القدرة علي تغيير السودان الي وضع أفضل مما تركناه عند خروجنا بل الي وضع أسوا ولم تكن هناك تنمية تنهض بالسودان الي الامام بل الي الخلف. خلاصة الموضوع ان المعركة هي معركة تنمية شاملة كل من موقعه و حسب تخصصه واستطاعته. وهذا يقودنا الي ان تكون هنالك رؤية وطنية شاملة ترتكز هذه الرؤية علي القواسم المشتركة التي تجمعنا كسودانين ويكون هدف الرؤية هو تنمية شاملة في مجالات الصحة، المياه، الغذاء، التعليم بكل انواعه وخاصة المهني، الزراعة، الثروة الحيوانيه، المعادن، النفط، النقل البري من طرق و كباري، والنقل الجوي، و البحري و النهري، و الصناعات التحويلية الغذائيه و الحيوانيه، و البناء و الطاقة الكهربائية وغيرها من برامج التنمية الشاملة. أخلص الي ان اقتصاد انسان السودان هو إقتصاد زراعة ورعي، واذا تم وضع دراسات وعلي أساسها وضعت سياسات تستند علي مشاريع مزارع مختلطة و نشاط تجاري يستند علي الصناعات التحويلية الكبيرة و الصغيرة و برامج تمويل اقتصادي لهذه القطاعات سوف تكون هناك نهضة تنموية شاملة في كل السودان مستندة علي زيادة الانتاج و الذي بدوره يؤدي الي زيادة الصادرات و التقليل من الواردات مما يؤدي ان يكون هناك فائض في الميزان التجاري الذي يسهم في توفير الدولار و انخفاض الاسعار و دفع عجلة التنمية.لكن ذلك يتطلب الشراكة الحقيقية للجميع و ليس الصورية في مواقع اتخاذ القرار و ان يكون الهدف هو تنمية السودان وترك الخلافات البينية بين المكون المدني فيما بينه من جهة، و المكون العسكري فيما بينه و بين المكونين أيضاً من جهة أخري. و رأس الرمح في ذلك هو تنفيذ شعارات ثورة ديسمبر 2019 الحرية و السلام و العدالة، حيث يكون السلام شاملًا و حقيقيا و بذلك تختفي معسكرات النازحين في دارفور وذلك بانتفاء اسباب وجودها و التي ما زالت . إن عملية السلام الشامل الذي يتم فيه مناقشة الملف السياسي بحيث تتم الشراكة للجميع في إتخاذ القرار السياسي و الشراكة في القرار الانساني و الشراكة في الجيش والشرطة و الاجهزه الامنية عبر بند الترتيبات الامنية.و يكون ذلك بالتوازي بتنفيذ العدالة الدولية ليس بالمُثول و إنما بِتَسْليم المتهمين الي محكمة الجنايات الدولية بتهم الابادة الجماعية في دارفور الذين وردت اسماؤهم في أمر قبض المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم بلاهاي، وهذا هو وضع الحصان امام العربة. وليس البداية بمناقشه العدالة الانتقالية التي أشبه بوضع العربة أمام الحصان. اذن القضية في السودان هي قضية سياسية من الدرجة الاولي بإمتياز وهي معروفة للجميع و ليست إكتشاف للعجلة و بدأت الدورة الجهنمية الخبيثة منذ الفترة الانتقالية الاولي للحكم الذاتي 1953 منصة التأسيس أعقبها حكومة ديمقراطية حققت الاستقلال عام 1956، أعقبها تشاكوس حزبي، أعقبها إنقلاب عبود 1958. و إستمرت الدورة الجهنمية الخبيثة، ثورة ، حكومة انتقالية، حكومة أحزاب ديمقراطية قصيرة إئتلافية ذات تجاذبات و تشاكس بين مكوناتها و برامجها، ثم يعقبها إنقلاب عسكري حصل ذلك في ثورة إكتوبر 1964، إبريل 1985. لكن ثورة ديسمبر 2019 تجربتها مختلفة لان شعاراتها مختلفة وهي الحرية،السلام و العدالة و بذلك عادت ثورة ديسمبر الي منصة التأسيس الانتقالي الاول 1953 ليبدأ التصحيح من الاساس لانه لا يستقيم البناء و الاساس أعوج. لذلك تجربة ثورة ديسمبر 2019 مختلفة واستحقاقاتها مختلفة وفي عدم تنفيذ شعاراتها الحرية، السلام و العدالة مآلاتها أيضاً تكون مختلفة عن سابقاتها من الدورة الجهنمية الخبيثة السابقة. لان العالم تغير و تغير معه زيادة الوعي بحقوق دستور المواطنة المتساوية و الشراكة الحقيقية في حكم الوطن السودان الواحد الموحد الذي يسع الجميع وبالجميع و للجميع. المدخل السياسي السليم الذي يجيب علي أسئلة منصة التأسيس 1953 هو المدخل الصحيح بإمتياز لحل المُشٌكِل السوداني بإمتياز، الذي بدوره يؤدي الي قِيام دولة مدنية ديمقراطية فدرالية مبنية علي دَستُور المواطنة المتساوية وجميع مؤسسات الدولة تتأمر به، لكي نعبر بالسودان الي الاصلاح الاقتصادي الذي بدوره يقودنا الي رحاب التنمية الشاملة المُستدامة في كل ربوع بلادي السودان الوطن الذي بالجميع و يسع الجميع و للجميع. إن طريق السلام الشامل والعدالة الشاملة و مؤسسات الحُكم القوية الشاملة التي تحارب الفساد مثل لجنة تفكيك نظام يونيو 1989 الفاسد و المرتكب للإبادة الجماعية في دارفور هو الطريق الصحيح الي بناء دولة مدنية ديمقراطية فدرالية يحكمها دستور ينص علي حقوق المواطنة المتساوية نصاً و فعلاً و أمراً و تنفيذاً. اذا تم ذلك سوف نعبر بالسودان لِضِفة التنميه الاقتصادية الشاملة المُستدامة وذلك هو الدور المرجو من السياسي و المُفَكِر و المُثقف السوداني في الحل، و بعدمه المآل هو القفز بالسودان والغَرق به في المَجْهُولْ.