كان بدري عليك يا قدال. . وجدي كامل بينما كان يتوافد المعزون عصر يوم امس وبعد فترة جلستها بصالة العزاء بمقابر ميسيمير تسللت مع صديقي الباشمهندس علاء الدين الريح للغرفة التي يسجى فيها الجثمان. كانت المشرحة والاسرة الطبية الفارغة تراها وانت تعبر ذلك الممر الموحش ببياضه ورائحة صمته الغامض. كان سريرا من الالمونيوم متواضع الطول، يرتفع قليلا عن الارض، عليه جسد ملفوف بقماش ابيض به كثير اربطة ملونة. اه يا اللهى انه لوحده وليس سوى حارس قطري يتابعه بنظرات بدأت معتادة لديه ولكنها عندي كانت كما النصل الحاد تقطع كل، كل ما بداخلي وكانها ترمى بكرةً لتنفجر . شى ما ، شىء ما ينهار كان بكل ضجيجه الكوني الغريب وانا اقرا الفاتحة في تلك اللحظات. هل صحيح ان من هو امامي هو الصديق الذي كان يضج بالحياة ويوزع الامل على الملايين باشعاره الساحرة وسماحة نفسه الابية؟. هل هو الغياب الذي ينتظرنا في نقطة ما لا ندري زمانها ولا مكانها؟ اه واه من جرح لم اكن ادري بعمقه عند فراقك يا محمد . ولا ادري كيف ساعود الى وطن او لا اعود غدا وانت حالة تضاف لقائمة الغياب الابدي مع اصدقاء غادروا من دون وداع. سلم لى عليهم واحدا واحدا وبلغ اشتياقي فالدنيا بدونهم تضيق ضيق الحذاء بالقدم ولا تطاق. اكثر من اربعين عاما ونحن في رحى اللقاءات والملتقيات والحب ومحبة الآخر والاحلام بسودان ديمقراطي حر. اكثر من انسان كنت يا محمد وكانك احد الصالحين والمتصوفة الضالعين في عشقك للسودان. جمعت بين الاصدقاء شرقهم بغربهم وشمالهم بجنوبهم والفت بين قلوبهم ومنحتهم الطاقة الاضافية للعطاء. جلسنا على تراب الشوارع وكراسي المكاتب والقاعات وبيوت بعضنا البعض ومساطب الغربة والاغتراب وتبادلنا الافكار واشتركنا وتشاركنا افكار الخدمة العامة عبر التجمعات والجمعيات والمبادرات التي كانت اخرها مبادرة السودان اولا وكنت في مقدمة الموقعين عليها. كان الوطن همك والتقدم ناصية امانيك لهذا الشعب العظيم. خدمت من كل زاوية وموهبة وعاطفة ايجابية. كنت معنا في اخر زياراتك الى الدوحة ممارضا لاختك العزيزة الوارد والتي كنت تضعها في مقام الام. مارضتها وهى تعاني من الداء اللعين وكنت اراك تتمزق في صمت وتماسك وتخشى فراقها. ماتت الوارد اللطيفة الصابرة وهى تعاني الامها في مستشفى الامل. بعد اعوام قليلة تصاب انت بذات الداء وتحضر مستشفيا بعد ان تمكن منك المرض وتجي لذات المكان. مت بنفس المكان- بمستشفى الامل، وتركتنا في بهوه الكبير ننتظر ونغرق في بحر الفقد. هذا الصباح مر يا حبيبى، واحبائك واحبابك على شوارع الهجرة، وحارات الدنيا يتفرقون و يفتك بهم الوجع، ويشغلهم الحنين الطاغي الضاغط لك ولروحك التى دائما ماكانت تحرضهم على محبة الخير والعمل لغد متجاوز وخاص. لا ادرى كيف اعزيهم، ولا اعلم عما وماذا سنتكلم او يستقبلنا حتى الكلام او تفتح الكلمات ابواب بوحها ونوافذ يتمها – لا لست متأكدا من ان كان قد تبقى من الكلام ما يشفى الغياب الرهيب الكثيف المرارة ؟. لا ولن اقول وداعا ولن اقف اليوم امام جثمانك مودعا . ساقف وساصلي لاقول اننا سائرون الى المبتغى في ايادينا الحلم وفي عقولنا الامل بكثير ضوء تركته وعزيمة قد خلفتها من ورائك لنمضي في مهمة البناء. [email protected]