رغم أن سويعات قلائل تفصلنا عن اجتماع مجلس الأمن الدولي بخصوص مسألة سد النهضة الإثيوبية، إلا أنني استبقه بهذا التحليل لإيماني بأن الاجتماع لن يُغيّر من الأمر شيئا على الإطلاق. أحدث المعطيات أمامنا هي التالية: 1. إصرار النظام الإثيوبي على تحدي الإرادة الشعبية والرسمية في كل من السودان ومصر، وتتويج ذلك التوجه بالإخطار الرسمي لحكومتي السودان ومصر يوم الاثنين 5 يوليو بأنه قد شرع بالفعل في الملء الثاني لسد النهضة دون وجود اتفاق ثلاثي. 2. من باب البراغماتية السياسية، أبدت الخرطوم قبل أيام استعدادا مشروطا لقبول مقترح "اتفاق جزئي" من إثيوبيا حول الملء الثاني للسد، وكالعادة ضربت الحكومة الإثيوبية به عرض الحائط. 3. الموقف الأمريكي الخائب على لسان المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس في تصريحات صحفية الثلاثاء حيث قال إن بدء إثيوبيا ملء خزان سد النهضة "سيزيد التوتر على الأرجح"، وحث جميع الأطراف على الإحجام عن التحركات الأحادية إزاء السد (لماذا لا يوجه حديثه لإثيوبيا التي أدمنت اتخاذ المواقف الأحادية بالنسبة للسد؟!). 4. الموقف الخائب للأمم المتحدة على لسان ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة الذي دعا الأطراف إلى تجنب أي إجراء أحادي بشأن سد النهضة من شأنه أن يقوض فرص الحل، ودعوته مجددا لوساطة الاتحاد الإفريقي (رفضتها إثيوبيا بالفعل في السابق فما الداعي للعودة إليها بناء على دعوة إثيوبية مضللة جاءت في الساعة الخامسة والعشرين!)، مضيفا أن أي حل يجب أن يعتمد على مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول (هلا وجّه هذا الكلام لإثيوبيا؟)، والالتزام بعدم التسبب في ضرر كبير. 5. الموقف بالغ التخاذل لمجلس الأمن الدولي، حيث صرح رئيسه نيكولا دو ريفيير أن المجلس لا يمكنه سوى جمع الأطراف وتشجيعهم للعودة إلى المفاوضات للوصول إلى حل باعتبار القضية "خارج نطاق عمل" المجلس. جاء هذا التصريح قبل أيام من اجتماع مجلس الأمن بخصوص سد النهضة يوم 8 يوليو، مما يعني –واقعيا- أن مجلس الأمن قد اتخذ موقفه وقراره مسبقا!! إن تصريح دو ريفيير المذكور أعلاه، تنصلا من مسؤولية مجلس الأمن، وبقية التصريحات المخيبة للآمال لتدفع باتجاه الاستنتاجات التالية: 1. عدم وجود إرادة دولية حقيقية لإيجاد تسوية منصفة تحفظ حقوق دولتي المصب، خاصة وأنهما (السودان ومصر) قد أوضحتا بما لا يدع مجالا للشك أن المسألة تهدد الأمن والسلم الدوليين. 2. إن ما يعزز الافتراض في النقطة أعلاه هو أن المجلس قد سبق واجتمع، وأصدر قرارات حاسمة عن مسائل –لا نقلل من أهميتها- ولكنه تتضاءل إلى جانب القضية المطروحة الآن. انظر على سبيل المثال القرار 2476 الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته رقم 8559 المنعقدة بتاريخ 25 يونيو 2019 بخصوص البعثة السياسية الخاصة بالأممالمتحدة في هاييتي! ألا يستحق مصير قرابة الأربعين مليون شخصا في السودان، وما يزيد على مئة مليون شخص في مصر ذات القدر من الاهتمام لدى مجلس الأمن؟! أضف إليهم ما يزيد على مئة مليون إثيوبي قد تصبح نسبة منهم متضررة بشكل مباشر إذا اندلعت الحرب. 1. إن الذريعة غير المعلنة لمجلس الأمن، وهي عدم إقرار سابقة قانونية يمكن لبقية الدول الأعضاء في الأممالمتحدة الاستشهاد بها- فيما يتعلق بنزاعات المياه، هي حجة غير مسبوقة في الخذلان، إذ لا يمكن –عقلا ومنطقا- أن يكون التهرب المؤسسي من إقرار سابقة قانونية أهم من الأمن والاستقرار في عدة دول إفريقية قد تنشأ بينها في أي لحظة حرب لا تُبقي ولا تذر! 2. إن بعض الأطراف الدولية الفاعلة في معادلة سد النهضة ترغب في اكتمال السد وبقائه سيفا مسلطا بصرف النظر عن الحقوق السودانية والمصرية لأنها تربط مصالحها الاستراتيجية بالجانب الإثيوبي، وتتخلى بالتالي تلقائيا عن السودان ومصر في مسألة يصنفها البلدان بأنها وجودية. هذا الأمر بلا شك سيُلقي بظلال عميقة وطويلة الأمد على خريطة العلاقات والتحالفات في منطقة القرن الإفريقي، وسيُعقّد المشهد الجيوستراتيجي بشكل ملحوظ، وخاصة في ظل الانتصارات الميدانية لجبهة تحرير التيغراي ضد الجيش الإثيوبي مؤخرا، وتهديداتها بنقل المعركة إلى إريتريا و/أو مناطق الأمهرا في إثيوبيا. إذن، المصلحة السودانية تقتضي هدم سد النهضة، وقد أضحت الخطوة ضرورة وليست خيارا للبلاد، إذ لا يمكن أن تقبل بتسليط قنبلة موقوتة –رهن مزاج الحاكم في أديس أبابا- بصفة مستمرة على أرضها وشعبها: إما الفيضان العرمرم أو المجاعة القاتلة! ما بعد الختام استرعى انتباهي في أخبار الأمس (الأربعاء 7 يوليو) وصول أربعة طائرات مصرية محمّلة بمساعدات طبية للسودان. [email protected]