يتجدد القتال في بعض مناطق دارفور مرة وراء أخرى، ويتوقف لفترة ليعاود الظهور بصورة أكثر بشاعة، وتستمر المناوشات والهجوم من قبل المليشيات القبلية وبعض القوى المسلحة، والضحية في كل ذلك هو المواطن المسالم العادي الذي لا يملك غير أرضه التي يزرعها ويتمسك بها في وجه من يتآمر عليه ويصادر رزقه وممتلكاته وحياته. أرسلت السلطة لجنة برئاسة عضو مجلس السيادة لتهدئة الأوضاع ولكن بالطبع هذا لن يحل المشكلة ويعالج جذورها، فالجميع يشهد منذ انتصار الثورة وبعد اتفاق المحاصصة في جوبا تدهوراً واضحاً في الأمن والاستقرار في مناطق عدة في إقليمي دارفور وجنوب كردفان، فبعد اشتعال حوادث الجنينة الدامية انفجر الوضع في مناطق أخرى. الاهتمام بما يجري في دارفور وجنوب كرفان والشرق من انفلات أمني وتزايد نشاط ودور المليشيات القبلية المسلحة يدعو للقلق، وتحتل قضايا الانفلات الأمني الحيز الأكبر في تفكير المواطنين ليس فقط في مناطق النزاعات بل في وسط وشمال البلاد. الحقيقة أن كل مواطن حريص على وحدة هذا الوطن واستقراره وتقدمه لا بد أن يتحرك ويشارك في إقامة المبادرة الشعبية للسلام في السودان. فرغم المعوقات المتعددة ومن ضمنها فشل اتفاقية جوبا، ورغم تآمر بعض الجهات الداخلية والخارجية التي يهمها توقف قطار الثورة والنيل من وحدة البلاد، فقد وضعت ثورة ديسمبر أرضية صالحة للوصول إلى سلام شامل وعادل وديمقراطي عبر حوار واسع في جو من الشفافية والاحترام المتبادل، ليس فقط بين حملة السلاح بل بالإشراك و المساهمة المباشرة لممثلي ضحايا النزاع، سكان المعسكرات، ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية. مواجهة الحقائق المرة والإجابة عليها بوضوح سيساعد في التقدم تجاه وقف إطلاق نيران الحرب، إن ما يحدث في دارفور ليس بمعزل عن الأزمة العامة في البلاد، بل يرتبط بالسياسات التي اتبعها النظام البائد وتسير عليها السلطة الحالية، وجاءت اتفاقية جوبا لتفاقم من الأزمة في مناطق النزاع، وبرغم أن معظم جماهير دارفور قد شاركوا في الثورة إلا أن الأوضاع لا زالت مزرية. لتتكاتف الجهود خاصة على المستوى الشعبي لبسط الأمن وحل المليشيات وبث ثقافة التعايش السلمي والاجتماعي، ووقف النزيف الدموي وسد الفتن العرقية، نحتاج لوحدة تصب في طريق السلام الحقيقي والتي تضع أهل المصلحة الحقيقية على موقع وضع السياسات والمشاركة في صنع القرارات.