كشفت إحصائيات نشرها برنامج التغذية القومي ومنظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونسيف)، عن أوضاع صادمة يعيشها الأطفال في السودان، إذ قالت مديرة برنامج التغذية القومي، إيمان سوار الدهب، إن ثلث أطفال البلاد يعانون من التقزم، بسبب نقص اليود، الذي أوضحت أنه يتسبب أيضاً في تخلف بمعدلات الذكاء بدرجات متفاوتة. ونظمت وزارة الصحة الاتحادية بالتعاون مع منظمة اليونسيف، يوم الاثنين، ورشة حول المغذيات الدقيقة في السودان. وأوضح المتحدثون، أن الأطفال الذين يعانون من نقص اليود، ينخفص معدل ذكائهم عن الآخرين بما يعادل (10) درجات. وأجرت منظمة اليونسيف، عملية مسح شامل لصحة الطفل في البلاد، خلال فترات ماضية، وأكدت تزايد انتشار نقص الوزن في العقدين الماضيين من 20% إلى 32%، كما قالت إن أكثر من طفل وطفلة بين كل ثلاثة أطفال دون سن الخامسة، يعانون من قصر القامة الشديد مقارنة مع أعمارهم. كما كشف تقرير اليونسيف، أن طفلاً واحداً من بين كل ستة أطفال دون سن الخامسة، يعانون من النحافة الشديدة (الهزال)، حيث يعاني ما يقارب من (700.000) طفل وطفلة كل سنة من سوء التغذية الوخيم. ويُصنّف السودان كواحد من البلدان الأسوأ في العالم من حيث نقص التغذية. ويشير مراقبون إلى أن ضعف تناول المغذيات الدقيقة وكفاية التنوع التغذوي، من المسببات المباشرة لنقص التغذية وسط الأطفال، والاضطرابات والأمراض التي تظهر بسببها. وتقترح الجهات المسؤولة بالسودان بالتعاون مع منظمة اليونسيف عدداً من الاستراتيجيات لمعالجة الأوضاع، وذلك من خلال سن التشريعات والقيام بتوزيع بعض الفيتامينات والمغذيات الصحية والتحصين، لكن يبدو أن كل تلك الجهود لم تحقق بعد النتائج المرجوة. ويواجه الأطفال في السودان تحديات حقيقية للبقاء، وبحسب الإحصائيات، فإن مؤشرات صحة الأم وحديثي الولادة والأطفال ما تزال بعيدة عن الغايات والأهداف الموضوعة، التي يجب تحقيقها حتى العام 2030. إذ لا تزال معدلات الوفيات عالية بالنسبة لحديثي الولادة. وتقول الأرقام إن (33) حالة تتوفى بين كل (1.000) ولادة حية، كما أن نسبة التحصين من أمراض الطفولة متدنية، حيث بلغت 42% من جملة الأطفال دون سن الخامسة. الأرقام الصادمة أيضاً تشير إلى أن نصف حالات وفاة الأطفال دون سن الخامسة تعود لسوء التغذية، وأن (694.000) طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، يتوزعون في (11) ولاية. وتبين مسوحات اليونسيف، أن حالات سوء التغذية وسط الأطفال تزيد عن ال15%، وأن هذه النسبة أعلى من نسبة الطوارئ بحسب معايير منظمة الصحة العالمية، كما تؤكد أن حوالى (820.000) من الأطفال دون سن الخامسة يحتاجون للحصول على الرعاية الصحية، بما في ذلك التطعيم والخدمات المنقذة للحياة. ويشار إلى أن الأطفال في السودان يشكلون نصف إجمالي السكان، لكن بحسب الخبراء، فإن هناك الملايين يعانون من تداعيات الصراعات والحروب المزمنة، كما يعانون من الكوارث الطبيعية وانتشار الأمراض، فضلاً عن نقص الخدمات الاجتماعية الأساسية. وتعتبر قضية عدم الالتحاق بالمدارس واحدة من المشاكل التي تواجه أطفال السودان، إذ تصل الأرقام لثلاثة ملايين طفل وطفلة خارج المدارس، وعدد كبير من بين هؤلاء يمكثون في معسكرات النازحين واللاجئين. كما أن المناطق التي تشهد حروباً هي الأخرى تسجل أرقاماً مرتفعة، مثلاً معدل الالتحاق بالمدارس في المناطق المتضررة من النزاع والحرب في السودان 47%، وهي نسبة متدنية جداً بحسب رؤية اليونسيف مقارنة مع باقي مناطق البلاد. وتقول المنظمة الدولية في آخر تقاريرها، إن هناك حوالى (1.7) ملايين طفل وطفلة ممن هم في سنّ المدرسة (4 – 16 سنة)، بحاجة إلى التعليم في برامج دعم الحالات الطارئة، بمن فيهم (800) ألف طفل من النازحين. وفي السياق، قال وزير التربية والتعليم السابق، محمد الأمين التوم، من المؤسف أن نلاحظ أن حكومات السودان، ظلت وما تزال بعيدة كل البعد عن الوفاء بالتزاماتها، بتحقيق هدف تعميم التعليم الابتدائي الجيد والمجاني والإلزامي. وأشار "التوم" في آخر مقال له نُشر في (الحداثة)، إلى أن العوائق والعقبات الهامة التي تحول دون التحاق الأطفال بالمدرسة أو التسرب منها قبل إكمالها، تتمثل في (النزاع، الفقر، ودرجة أهمية التعليم). وأبان أن وزارة التربية والتعليم الاتحادية خلال فترة الحكومة الأولى للمرحلة الانتقالية، أقرت عدداً من السياسات لحل المشكلة، وهي ضمان توفير فرص لجميع الأطفال البالغين من العمر (6) سنوات للالتحاق بالصف الأول من المرحلة الابتدائية، ابتداءً من العام الدراسي 2020/2021م. بالإضافة لمجانية التعليم للأطفال في مرحلة الأساس، كما تقرر توفير وجبة الإفطار لجميع أطفال مرحلة الأساس، مشيراً إلى أن تلك السياسات تم اعتمادها في موازنة الحكومة للعام المالي 2020، إلا أنه عاد وعلق قائلاً: "أحسب أن النخب الحاكمة، بافتقارها للإرادة السياسية اللازمة للوفاء بالتزاماتها، تصبح المسؤول الأول عن استمرار ظاهرة أطفالنا خارج المدرسة، وتستحق لذلك المساءلة والمحاسبة". وبالإضافة لسوء التغذية وما ينتج عنها، ومشكلة عدم الالتحاق بالمدارس، هناك أيضاً أرقام أخرى مفزعة عن عمالة الأطفال، والتجنيد القسري لهم في القوات النظامية والمليشيات المسلحة. الحداثة