الفرص الثمينة في حياة الشعوب قد تأتي مرة واحدة..فهي قليلة بحكم تعقد الحياة داخل الدولة ذاتها او في المحيط الإقليمي والدولي حولها..فما هو متاح اليوم، قد يصبح غدا ، معقدا وصعب المنال.لهذا يجب اغتنام الفرص وتوظيفها لصالح الدولة في الوقت والقدر المناسب وبما يقنع المانحين. وقد تهيأت للسودان هذه الفرصة ، بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة ، وفتحت أمامه الأبواب الموصدة علي مصارعها.. وأصبحت الثورة السودانية إنشودة في أغاني الدول وخطب الرؤساء، وتبع ذلك حماس منقطع النظير لمساعدة السودان والخروج به من كبوته وورثته المثقلة بالديون . وقد نجح دولة رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك، بما يملك من خبرة وتجارب وعلاقات خارجية، من استقطاب ذلك الحماس وتحويله إلى مؤتمرات استثمارية ووعود دولية فاقت حد الخيال لدولة كانت تعيش عزلة دولية لنحو ثلاثة عقود. وفرحنا وهللنا وكبرنا وفاضت أمانينا حدود المعقول…وفجاءة..هدأت الضجة..وفترت الهمة وقل الحماس الدولي ولم يعد بذات الزخم الذي تبشرنا به وتعشمنا فيه..ولم يعد الاهتمام كبيرا بما يجري في السودان ومشاريعه الاستثمارية خاصة! ربما بسبب المتغيرات الإقليمية والدولية التي تلاحقت بعد مؤتمر باريس للاستثمار ، في مايو الماضي، كما هو حادث في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان ولبنان وغيرها وتصدرها للمشهد السياسي العالمي…ولكن ليس ذلك هو السبب الرئيس ، حتي لا نلوم زماننا والعيب فينا، نعم العيب فينا ، حكومة وشعبا، وفي المنظومة التي تدار بها الدولة ، وفي تقاعسنا عن تلبية متطلبات المجتمع الدولي في تحقيق شعارات الثورة المجيدة ومنها العدالة والتقصير في حق الثورة والشباب الذين قاموا بنجاح هذه الثورة. صحيح ، ان شخصية الدكتور عبدالله حمدوك ، هي المؤثر في استقطاب الدعم الخارجي..ولكن ما يعيق جهود الدكتور حمدوك هو ( قلة الحيلة)!! أمام (مافيا) القوي العسكرية خارج الخدمة النظامية وعصابات الحركات المسلحة المنفلته، وثلة من فلول الأحزاب السياسية وقد نفضت من ثيابها البالية التراب وعادت إلي الواجهة….وكلها عناصر لم تكن لها فعالية تذكر في إشعال او نجاح الثورة ..وللأسف الشديد، يساعدهم في ذلك استكانة ولامبالاة من معظم أفراد المجتمع، ما عدا ما تبقي من شباب الثورة والمقاومة ولجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة ، الشعلة الوحيدة الباقية من شرارة الثورة… هذه الصورة الباهتة الوضع الراهن…ليست ببعيدة عن رصد وكاميرات الدول الخارجية فهي تراقب وتقييم وتضع في حساباتها كل السيناريوهات المتوقعة وما يؤول له الأمر في الحاضر والمستقبل القريب…اذا ما استمر الحال علي ما هو عليه الآن. والخوف، وكل الخوف ،وبسبب تلك الأسباب ، أن يفقد السودان، تعاطف المجتمع الدولي ويقل حماسه في مساعدة السودان، بعد أن كنا علي بعد خطوات قليلة من العبور الذي بشر به معالي رئيس مجلس الوزراء الموقر.