أوردت شكوكي من قبل حول شيطان التفاصيل الذي يسكن مبادرة السيد رئيس الوزراء. وذكرت فيما ذكرت أن المبادرة تستبطن اهدافاً غير تلك التي تعلنها، وأنها محض فرقعة على الهواء تحاول مغازلة أفق خفي غامض معلوم في الوقت ذاته، وها ذا نحن الآن أمام الشيطان مجسداً في خطاب آلية المبادرة الصادر بالأمس. فبعد مخاطبة الدكتور عبد الله حمدوك لشرائح وقطاعات مهنية، ومجتمعية، وشرائحية عديدة ولقاءات تمت مع ممثليهم، عن طريق المقابلات الشخصية او الاسفيرية، خلص وتفتق التفكير إلى تكوين آلية لا يعلم أحد حتى الآن عن المعايير، والكيفيات التي شكلت بها، ومن ساهم في تشكيلها، ووفق اي تقديرات. أقول إن الألية، وبعد اجتماعات داخلية منفردة متكررة للجانها التخصصية قد خرجت بتعبير حاجتها الملحة إلى برامج، ووصفات علمية بمجالات شتى تكاد تغطي كافة عناوين المكونات التنفيذية للمرحلة، داعية للخروج، بما أسمته، من الأزمة الوطنية التى تستفحل منذ نيل السودان استقلاله. وبالنظر إلى تفاصيل المطلوبات التي ذكرتها الآلية، ووردت في خطابها نكاد نتأكد وبصفة جلية من أن كل ما تم اراده ليس له أدني علاقة بالأزمة الوطنية ( التي نشهدها منذ الاستقلال) بالقدر الذي له علاقة بالفقر الحلولي للمشكلات التنفيذية الحكومية التى تظل معلقة منذ الإنقاذ. سبب ذلك يكمن في عدم حيازة الجهاز التنفيذي لبرامج مستندة إلى المعلومات الدقيقة التى تقود إلى خارطة طريق تعين على حل مشكلات الجهاز، والانتقال المعقدة العتيقة . فالمذكورات جميعها التى وردت بالخطاب، ذات الاحتياج إلى المعالجات تنتمي إلى عنوان اصيل واحد ومحدد هو أن الحكومتين المشكلتين بعد الثورة، برئاسة من الدكتور عبد الله حمدوك عملتا بدون برامج تفصيلية تنظر إلى المشكلات القطاعية من منظور معلوماتي، وبياني ومسحي جاءت به الجهود البحثية للسودانيين المختصين، من اصحاب الكفاءات، فيما قبل وبعد الثورة. ويذكر الجميع أن الفترتين اللتين سبقتا واعقبتا التوقيع على الوثيقة الدستورية تمثلتا في قيام العديد من السمنارات، والورش والمبادرات لمجتمعات المعرفة والخبرة والعلم من السودانيين بداخل وخارج السودان، والتي قدموا فيها عصارة جهودهم بغرض إنتاج الأفكار لوضع الحلول، وترقية الأداء، وبالتالي إغناء قوى الدفع الذاتية للانتقال. غير أن ما طرحه خطاب الآلية لا يمت بصلة للأزمة الوطنية بقدر ما يقر بفشل السيد رئيس الوزراء في التوظيف الإداري الصحيح لما تم بذله من قبل الكفاءات عندما ذهبت حهودها سدى دون أن يطالبهم أحد من وزراء ووزارات الحكومتين ( رغم اقامة العديد من تلك الأنشطة داخل دورهم التنفيذية) بتسليمه تسجيلات من فعالياتهم، أو نسخ من بحوثهم وأوراقهم، حتى تذهب إلى مجالس استشارية متخصصة داخل الوزرات أو المؤسسات الحكومية المعنية بمقترحاتهم البحثية ليتم التعامل والتفاعل معها، وترجمتها الى واقع ملموس يفيد في تحسين الأداء والخدمات بالمؤسسات التنفيذية. بل نكاد نقرأ ونسمع عن عدد من المبادرين الذين وصلوا وتواصلوا بصفة شخصية بالمسؤولين التنفيذيين المباشرين وتم صدهم وإدارة الظهر لمبادراتهم. السيد رئيس الوزراء كان قد تقدم إلى الرأي العام بمبادرة تأسست على فكرة تكوين الكتلة الانتقالية التي يمكن أن تؤدي الدور الرئيس في إنجاح الانتقال. ولكن، كما تابعنا، فإن ذلك أسفر عن تكوين آلية أثار تكوينها جدلاً كثيفاً، أسفر بدوره اليوم خطابها عن توصيف احتياجات برامجية علمية هى بالأصل موجودة ومنجزة، وليست غيباً يستحق الرجم، أو القراءة. ما يحدث حالياً هو أقرب إلى مضيعة الوقت بعدم مواجهة السيد رئيس الوزراء لمسؤولياته التنفيذية الحقيقية، التي وافق ورضى من خلالها بإدارات وزارات خالية من تصوراتها وبرامجها للإصلاح، ومن ثم سياساتها العلمية في التنمية الادارية للمرحلة، فقامت على المحاصصة الحزبية، وليس الاعتماد على الكفاءات كما حددت ذلك الوثيقة الدستورية التي كانت قد اختارت الدكتور عبدالله حمدوك رئيساً للوزراء بوصفه كفاءة علمية وإدارية اصلاً، وليس رمزاً حزبياً، او قائداً عسكرياً لإحدى الحركات المسلحة. ذلك وبتقديري ما يمثل أساس الإخفاق والفشل اللذين لازما هذه الحقبة من الانتقال الرمادي المشبوه الذي يغري الفلول وأعداء الانتقال على الانقضاض عليه. ذلك ما يشرح بالفعل أسس المشكلة المؤثرة بشكل حيوي في أزمة الحكم وعلاقته بثورة تخسر جراء ذلك كثيراً من أراضيها، وانسحاب ملامحها، وعدم وحدة قواها، باتصال دقيق بسوء أوضاع وحدة إعلان الحرية والتغيير، رغم الإعلان السياسي الصادر والموقع قبل يومين من بعض مكوناتها. إن الآلية وبخطابها التفصيلي المهم الذي صدر تشكر على ما قدمت من خطاب أوصلنا -على خط سريع- إلى التعرف على الشيطان بأسرع ما يمكن، وبنحو لم نكن نضعه بالحسبان، او حتى نتخيله بأن أعادت الكرة إلى رئيس الوزراء بملعبه واضعة إياها تحت قدميه اللتين كانت قد ركلتا الكرة لهم عند تشكيل الآلية. فهل رأى يا ترى الدكتور عبد الله حمدوك الكرة واستلمها أم تغابى عنها؟. [email protected]