استيقظت مدينة الأبيض، صباح أمس (السبت)، على منظر تحطيم تمثال شهداء المجزرة، الذي يتوسط سوق المدينة، بعد يومين من نصبه، في حادثة ليست الأولى من نوعها، بعد الثورة. وأثار تحطيم تمثال شهداء مجزرة الأبيض، أمس، ردود أفعال واسعة، حكومية وثورية. كما جددت الحادثة التساؤلات، حول استمرار الفشل الأمني، في حماية المواطنين والمنشآت العامة، خاصة وأن الحادثة وقعت في وضح النهار، وسط مرأى الجميع. وتأتي حادثة تحطيم تمثال الشهداء بالأبيض، بعد إصدار أحكام بالإعدام ضد المدانين، بقتل عدد من الطلاب في يوليو 2019. وكانت عدد من لجان المقاومة وقوى ثورية، قد سيرت مواكب في يوليو الماضي، لحضور المحكمة. وقال عضو ميثاق الشهداء والثوار، كشة عبد السلام، إن تدمير التمثال يعتبر محاولة لإحباط أي فعل يذكّر الشعب بثورة 19 ديسمبر وشهدائها في الحياة العامة، وأنه يسعى لطمس الحقائق وتعطيل تحقيق العدالة. واتهم والد الشهيد عبد السلام، ما وصفها بقوى خيانة الثورة بالتوريط في الحادثة، غير أنه عاد وأشار إلى أن التمثال سيُعاد تشييده في قلوب الثوار، وفي ذاكرتهم ووجدانهم إلى أن يتحقق القصاص. وأكد على أن ذكرى الشهداء ستظل خالدة في قلوب الثوار، ولا يمكن اختزالها في تمثال أو حديقة أو قاعة. بينما أشار رئيس منظمة شهداء ثورة 19 ديسمبر، عباس فرح، في حديث ل(الحداثة)، إلى أن تدمير التمثال، قام به مندسون وشركاء في مجزرة الأبيض، لافتاً إلى أن القصد منه طمس معالم ذكرى الشهداء. وأتت الحادثة بعد ساعات قليلة، من تدشين منتدى الركيزة بالتضامن مع مجموعة "كورتريه" ومشاركة جمعيات ثقافية مختلفة، مثل جمعية وعي، وبحضور اللجنة المركزية الميدانية لتصحيح مسار الثورة بالأبيض، ولجان المقاومة. والحادثة لا تعتبر الأولى من نوعها، إذ قام أهالي بأمدرمان في 20 سبتمبر 2019، برفض تدشين نصب تذكاري للشهيد عبد العظيم، فيما قامت جماعة بتحطيم القاعدة المخصصة للنصب التذكاري. ووقعت الحادثة، رغم تواصل لجان مقاومة الأربعين والموردة والفيل، مع كافة أطياف شارع الشهيد عبد العظيم (الأربعين سابقاً)، لأخذ الموافقة قبل الإطلاق، غير أنهم فوجئوا بعدها باستغلال جماعة للخطاب الديني لمنع إطلاق التمثال. وبحسب القيادي باللجنة المركزية الميدانية لتصحيح مسار الثورة، عثمان حسن صالح، فإن إطلاق النصب التذكاري للشهيد، شهد حملة استنكار واسعة منذ إعلان موعده من بعض الجماعات التي وصفها بأنها ربما تكون ذات تعصب ديني، مشيراً إلى أنهم توقعوا مسلك بعض الجماعات الدينية. وقال صالح ل(الحداثة)، إن عدداً من الشهود، حضروا تدمير التمثال، لافتاً إلى أنهم سيقومون بتدوين بلاغ ضدهم اليوم (الأحد)، مؤكداً متابعتهم لتفاصيل الحادثة إلى حين القبض على المتهمين وتسليمهم للمحكمة. واستنكر صالح، أسلوب فرض القوة الذي تتبناه جماعات الهوس الديني، مشيراً إلى أن تماثيل الشهداء، عمل تخليدي وعرف متبع في كل دول العالم، موضحاً أنه لا يتعارض مع أي معتقد ديني، لأنه للتخليد وليس للعبادة. وفي السياق، قال عضو اللجنة الميدانية المشتركة لتصحيح مسار الثورة، محمد أبو بكر عيسى، إن الحادثة تمت حوالى التاسعة صباحاً، مشيراً لوجود حركة بالشارع وقت وقوع الحادثة، خاصة أن موقع النصب التذكاري في وسط سوق المدينة. وأضاف أنهم استمعوا لإفادة أحد الشهود، والذي وصف الشخص الذي قام بتدمير التمثال، بأنه كان يرتدي "بدلة اشتراكية" ولا تبدو عليه ملامح التطرف. وتابع "المبنى الذي يجاور التمثال، أغلب العاملين به من أعضاء المؤتمر الوطني"، لافتاً إلى متابعة القضية. من جانبه، أشار عضو منتدى الركيزة بالخرطوم، السماني الحاج، لحدوث نقاشات وعصف أفكار وقراءات كثيرة لما قد يحدث بعد تدشين التمثال، لافتاً إلى أنهم كأصحاب مبادرة كان لديهم تصور مسبق عن احتمالية حدوث الحادثة . ووصف الحاج، تحطيم التمثال، بأنه صورة مصغرة من عملية الإحلال والإبدال بالدولة ككل، وكون الصدام مستمر في ظل الماضي الصعب والواقع المقفر، مؤكداً أن المعركة ليست ضد بقايا النظام المباد، بل ضد سلسلة من العادات والتقاليد التي أورثها النظام للمحافظة على معتقدات الحكومة المزالة . وكان وزير الثقافة والإعلام، حمزة بلول، وصف تخريب التمثال، بأنه استهداف لرمزية الثورة، قبل أن يؤكد اكتمال تجهيزات الوزارة لإطلاق مشروع وطني بمشاركة شعبية لتوثيق ثورة ديسمبر في كل شوارع وميادين السودان، بامتداد بناء التماثيل في مدن عطبرة والدامر وكسلا والقضارف وربك ومدني وسنار والدامزين ونيالا وبقية السودان. وقال إن تدشينها سيتم في الأبيض، وإنها ستبقى في الميادين والشوارع لتذكر الأجيال بعظمة الشعب السوداني وثورته المجيدة. الحداثة