أبجديات الاقتصاد السياسي للتبعية المطلقة للمؤسسات العالمية أو فخ العولمة والديون وبؤسها كما يفكّكه منظّر اللبرالية الجديدة مرة أخري استصحب معي التكنوقراط ستغليتز حامل جائزة نوبل لتذكير تكنوقراطنا الهاربين من فضاء المثقف العضوي بجريرة سِدة البصر والبصيرة وجريمة التبعية العمياء لمنظومة العولمة البائسة التي أقعدها فشل الأسواق ومصالح القلة الحاكمة وجشعهم، لكون الأسواق ذات سلطة ولكن ليست لها أخلاق متأصّلة وعلينا إدارتها بوعي حسب ستغليتز. سأتناول ذلك عبر محوريْن: أولاً: محاكاة منهج ريعي أمريكي ظالم للشغيلة الحكومات الريعية هي تلك الحكومات التي تتحصل ،عبر أنشطة النظام الريعي، علي أكبر قدر من الدخل ليس من انتاج الثروات وانما جراء التحصّل علي أكبر قدر من الدخول بدون جهد انتاجي يذكر. تماماً كما قال جان بابتيست كولبيرت مستشار الملك لويس الرابع عشر الفرنسي "ينطوي جوهر فن العمليات الضريبية على إتقان نزع ريش الإوزة بحيث تتحصل علي أكبر قدر من الريش بإحداث أقل صوت ممكن في تلك العملية". مغبّة السلوك الريعي لحكومة السودان ، بشقيها، هي أنها ترفع الدعم عن المعوزين وتناله مؤسساتها عبر أنشطة ريعية وضمنها تجنب الضرائب المباشرة التصاعدية ورفع الدعم عن مواطنيها محدودي الدخل ، ثم فرض ضرائب غير مباشرة عليهم. تواصل الحكومة الانتقالية تطبيق ممارسات ريعية ناهبة تعمل علي تحويل الثروات وليس إنتاجها وخلقها وبنائها. هناك طرق أخرى ، خارج إطار هذا المبحث، قد تلجأ إليها الدولة الريعية مثل التمييز الإثني والجهوي والذكوري ما استطاعت إليها سبيلا. ذكر ستغليتز فى كتابه الموسوم "ثمن اللامساواة" أنه حين زار المتظاهرين في ميدان التحرير في مصر "تأكّد أن هناك قناعة عالمية مشتركة حول فشل النظام الاقتصادي والسياسي العالمي.. وأن الإحساس بالظلم لدي الإنسان المعاصر أصبح بطعم المرارة" لكون منهج وسياسة النظام الانتخابي فشلت في أمريكا حيث لم يستطع أوباما أن ينجز تغييراً يذكرمع أن شعار التغيير كان فى قلب حملته وخطابه الإنتخابي. زعم ستغليتز أن شباب مصر والجزائر المتظاهرين ليسوا بثوار أو فوضيين، وانما طلبوا تغيير النظام الفاشل ؛ وأن حركة "احتلال وول ستريت" تغيّر وتطوّر شعارها لاحقا إلى "حركة نحن ال 99٪" ، إشارة للأغلبية المضطهدة في أمريكا. قال أنه كتب مقالاً مهماً بعنوان "سياسات صاغها 1٪ من أجل ال 1٪" . وذهب ستغليتز إلى أن فشل الأسواق هو كلمة السر حيث "راهن المصرفيون أن النظام الاقتصادي الأمريكي سينهار بدون دعم ومساندة الحكومة لهم" إبان الأزمة المالية العالمية فى 2008. حسب ستغليتز أن "نظام الإقتصاد الأمريكي مدهش وجبّار ، لكنه يخدم فقط من هم في أعلي الهرم ، وأن أمريكا لم تعد بلد الأحلام والفرص لأن نظام العدالة والقواعد القانونية يتم اختراقها عبر الحلول التسووية" (مقدمة الكتاب ، ص 10-13). أقرّ ستغليتز حقيقة أن هناك "زيادة مدهشة في الإنتاجية ومستوي المعيشة في المئتين سنة الأخيرة مقارنة بالالفيتين التي سبقتهما. ويرجع ذلك للدور المحوري للحكومات (كلمة السر هى الدعم)". أتعجّب حنقاً كيف توصّل هذا اللبرالي الجديد والإقتصادي النيوكلاسيكي إلي بداهة وأبجدية أقعد الموقف الطبقي دعاة الاقتصاد الحر والتحرير التكنوقراط الحمدوكيين عن إستيعابها. ما تفعله الأسواق هو أنها تعمل دينامياً علي تركيز الثروة ، وتنقل تكاليف الإنتاج الباهظة للمجتمع الأغلبية وتتعسّف وتؤذي وتظلم العمال والمستهلكين" (مقدمة الكتاب ، ص 10-13). أخيراً ، يستخدم ستغليتز خطاب تقدمي ماركسي لينبّه الجميع أن "طالما يتوارى الامريكان خجلاً من التحليل الطبقي. ما يجعل الأمريكان متمسكين بقوميتهم أن هناك حلم وقناعة قومية أساسها أنهم دولة طبقة وسطي عادلة. لكن يجب ألا تكون هناك فجوات بين الطبقات العليا والسفلي، بين البرجوازية والعمال، كما يلعننا الماركسيون ايام الحرب الباردة. لكن إذا كنا نقصد بمجتمع طبقي أن آفاق وحظوظ التحرك الإجتماعي من قاع السلم الي أعلي ضعيفة ، فإن أمريكا الآن قد أصبحت مجتمع مبني علي الطبقة أكثر مما يحدث في أوروبا القديمة. بالمناسبة علينا الإنتباه الي مقولة علماء الاجتماع أن مفهوم ومحتوي الطبقة أكثر من ويتجاوز مفهوم الدخل" (مقدمة الكتاب ، ص 16). أزعم أن هذا الفهم الموضوعي توصل اليه بعد دراسات عميقة توماس بيكيتي (حامل جائزة نوبل) فأدخل متغير الثروات والميراث الي مفهوم الطبقة وإستخدم عبارة الإنصاف محل المساواة. يزعم ستغليتز أن اللامساواة في أمريكا لم تحدث فجأة ولقد تمّ إنتاجها وإختراعها لأن الحكومة تمتلك سلطات (استراتيجيات وآليات) يمكن عبرها تحويل وتحريك ونقل الأموال والموارد من أسفل الهرم الاجتماعي والطبقات الوسطي الي أعلي الهرم (ال 1٪) ، وبالعكس. ما حدث في ركود 2008 ومابعده (وفي وباء الكرونا/ الكوفيد أيضا) فإن حصة الأجور في الدخل القومي قد انخفضت ، وأن كثير من الشركات قد حققت أرباحاً ممتازة . أن الأداء الجيد لسوق البورصة لا يعتبر مؤشراً جيداً لصحة الاقتصاد (ص 29) لأن ربحية الأوراق المالية ترتبط بالأجور المتدنية وكذلك بتحكّم البنك المركزي الفدرالي في سعر الفائدة في حدود صفرية. يزعم ستغليتز أن تركيز (تمركُز) السلطة الاقتصادية والسياسية أكثر تطرفاً وشذوذاً في الدول قبل الراسمالية من الغرب (الاستبداد الشرقي عند ماركس) لذلك تم استخدام الدين والحق الإلهي لتبرير الفروقات والظلم ، وكانت السلطة في قلب ذلك الظلم ، وكان مركز العسكرية بجبروتها وسطوتها هو الاقتصاد: حيث يأخذ المنتصر من المهزوم تقريبا كل شيء" ( ص 29). مصدر الريع كمفهوم إقتصادي هو أن الحكومات تعمل علي إعادة توزيع الدخل عبر الميزانية السنوية (الدخل والمنصرفات) التي تعتبر معركة طبقية ضارية. وهنا تلعب السياسات الضريبية دور توزيعي لما أنتجته الأسواق والتقنية و محصلات المشهد السياسي. تعمل الحكومات على تغيير ديناميات الثروة عبر التحكّم في ضرائب الميراث وإتاحة تعليم عام مجاني (ص 30) وبرامج تغذية الأطفال الفقراء في المدارس وتقديم مستشفيات مجانية للفقراء ، كما تعتمد عدم المساواة على توزيع الهبات وعلي رأس المال البشري والمالي (ص 31). ثانياً: إستيراد سياسات اقتصاد كلي وسياسات مالية فاشلة في عقر دارها يذكرنا ستغليتز طويل العمر ،كما يقول الأعراب، بأن الأجور (وليس سعر الفائدة والعقارات والثروات الاخري الخ) هي أهم مورد للسواد الأعظم من المجتمع الأمريكي. لذلك فشلت سياسات الاقتصاد الكلي والسياسات النقدية حين تسبّبت في معدل عالي للعطالة في عقر دار الرأسمالية اللبرالية الجديدة الأمريكية وأجور منخفضة لهم ، وهي مصدر اللامساواة والظلم. لا غرو أنْ عجزت تلك السياسات عن تحقيق إستقرار ونمو مستدام تستفيد منه تلك الشغيلة. من الطبيعي إذن البحث عن إطار وهيكل سياسات اقتصاد كلي وسياسات نقدية بديلة ، لكن أصرت البنوك الأمريكية الخطّاءة غير التوّابة (التي صادف أن تحملت عبء فيضانات واحدة عبر قرن من الزمان) ، أصرت كالعادة علي رفض إعادة الرقابة وعدم تغيير سياسات الاقتصاد الكلي بسبب ركود 2008. تلك سياسات مسؤولة عن أزمة التوزيع وتخفيف اللامساواة". ليس هناك وصفة واحدة تصلح لكل حالة كقميص عامر ؛ لكل سياسة آثار مقايضة تتنازع وتتناقض حول محصلات توزيع الدخل بحيث يتم التنازل عن ميزة من أجل الحصول على أخرى: بين مصالح حملة السندات أم المدينين ، بين الصغار أم الكبار، بين القطاعات المالية والقطاعات الأخري (ص 264). زبدة القول إن ذلك هو المنهج الاقتصادي الذي يسود في أمريكا وأوروبا وتسيطر عليه الرأسمالية المالية والمصرفية. تلك نيولبرالية المركز الاوروأمريكية والتي تتعامل مع نيولبرالية الأطراف في الجنوب الكوني بمنهج ومعيار مختلف وقسمة ضيزى؛ حيث أصبحت الحكومة الفدرالية الامريكية اكبر مخدّم فيها وتصرف علي التعليم والصحة بينما تفرض علي دولنا الخصخصة عبر مؤسساتها المالية والتجارية. لقّد ساهم ستغليتز وتوماس بيكتي (حملة جوائز نوبل) فى التوثيق لمناهج ومعلومات عرّت وفضحت الآثار المدمّرة الظالمة الدرامية لسياسات الاقتصاد الكلي والسياسات المالية عندهم ، أما تكنوقراط المرحلة الانتقالية بقيادة حمدوك ما انفكوا يهرولون نحوها حفاةً عماةً خاضعين غير آبهين أنها ستقضي علي ما تبقي من جثث 90 ٪ من الثوار تحت خط الفقر. سياسات صندوق النقد الدولي العَضِيرة تقع فى قلب إنفتاح حمدوك الإقتصادي: أزعم أن صندوق النقد أكثر رحمة من سياسات ومواقف حمدوك وتكنوقراطه لأنه حين يتم تجويع الجماهير ويؤثر ذلك سلبياً علي إستقرار الوضع السياسي ويحدث مد جماهيري عالي يقدّم الصندوق حالات تمويل ضمن برنامج الصندوق الائتماني للنمو والحد من الفقر ويتم منح هذا النوع من التمويل بشروط ميسرة (حقيقة إعفاء ديون السودان عبر بوابة الهبك الهادي هبّاني، يوليو 2021). دعنا نستنير بدقة نصوص الإقتصادي الهادي هبّاني ونقرأ تقرير صندوق النقد الأخير ونفكك شروط الصندوق القاسية التي نفذها حمدوك وتكنوقراطه (تعويم سعر الصرف، رفع الدعم عن الوقود، زيادة الضرائب، إلغاء الحواجز الجمركية والدولار الجمركي، رفع أسعار الكهرباء والمياه، تقليص الصرف علي التعليم والصحة) ونتأمل تقرير البنك حول مالم تنجزه حكومة حمدوك وهو مربط الفرس الذي قوامه سيطرة جنرالات النظام البائد علي جميع الموارد والقرارات والتلذّذ الشبقي بإعفاءآت ضريبية مطلقة ومن ثم يدفع لهم الشعب من عرقه ودمه مرتباتهم الفلكية وامتيازاتهم الفاجرة وكذلك عبر الضرائب غير المباشرة التي يدفعها الشعب الفقير الذي يتم تجويعه. من أهم قرارات الصندوق التي يتزاوغ منها ويراوِغ حمدوك وتكنوقراطه حولها هي "تحقيق شرط الارتقاء بإدارة المالية العامة ومكافحة الفساد والشفافية ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وهو ملف كبير ومعقد ولم تخطُ فيه الحكومة الانتقالية خطوات تذكر حتى الآن برغم أن السودان لا يزال من أكبر البلدان التي تنشط فيه عمليات تمويل الإرهاب وغسيل الأموال بأشكاله المختلفة وعلى رأسها تزوير العملة." أدناه كثير من الحلول التي كان من الممكن أن يتبناها د. حمدوك علي المستوي الإقتصادي منها (هنا نقتبس من جواهر ولآلئ أستاذ هباني بكثافة): * تنويع مصادر الضرائب وليس فقط الضرائب التي تجوّع الشعب (الإصلاح الضريبي) وقانون ضرائب جديد يحد من سطوة الرأسمالية المالية الإسلامية وشركات الجيش والأمن والمليشيا. * جرد وهيكلة جميع الشركات المملوكة للدولة بما فيها شركات المنظومة العسكرية وإخضاعها لرقابة وزارة المالية وخصخصتها بالاستعانة بالبنك الدولي فنياً ووفقاً لتصوراته لكيفية تنفيذ ذلك. * إصلاح الخدمة المدنية الذي بدأت فيه الحكومة بتعيين شركة برايس ووتر هاوس كوبرز لإنجازه وهو موضوع معقّد فشلت الحكومة منذ تسلمها لمهامها عام 2019 بتكوين المفوضية الخاصة به بالإضافة إلى استمرار هيمنة الدولة العميقة على جميع قطاعات الخدمة المدنية بما فيها القطاع المالي والمصرفي. * إصلاح القطاع المصرفي واستقلالية البنك المركزي الذي تقف الحكومة عاجزة عن اتخاذ أي خطوات عملية إزاءه. اذا كان صندوق النقد يربط خدمة الدين بنسبة الصادرات التي تستولي عليها الشركات العسكرية المنهوبة وان أكثرمن 80٪ منها خارج وزارة المالية ، لا بدّ أن يكون الخلاص الوحيد هو ارجاع تلك الشركات جميعها الآن (أى ، إسقاط نظام الشراكة النموذجية) عبر مرحلة ثورية عاجلة أساسها ، حسب هباني ، "سياسة حشد الموارد الذاتية بالهيمنة علي الذهب وإعادة تأهيل وهيكلة شركات الامتياز ممثلة في شركة الصمغ العربي، الحبوب الزيتية، المواشي واللحوم، ومؤسسة الأقطان وإشراف الدولة عليها ومنحها امتياز صادرات الصمغ العربي، الحبوب الزيتية، المواشي، والأقطان" هل سنتعظ من تجارب الدول التي تم إعفائها ضمن مبادرة الهبك والتي لم تكسب الغالبية العظمي منها غير المزيد من الديون أضعاف ما كانت عليه عند وصولها لنقطة اتخاذ القرار." بذلك يمكننا إخراس زغاريد عرس الجن المرائية التي تلعلع عبر إعلام سلطة الهبوط الناعم الانتقالية. من تقرير برنامج مراقبة صندوق النقد 28 يونيو 2021 حول سياسات التنمية الإقتصادية ما يؤكد زعمي أن د. حمدوك ينفّذ شروط الصندوق القاسية التي تطحن الغلابة المسحوقين ومحدودي الدخل ويتجنّب تطبيق القوانين التي تمس مصالح تحالف الطبقة الحاكمة (الراسمالية الإسلامية المالية والمصرفية، الراسمالية الطفيلية القديمة –الفلول- والجديدة ، زمرة جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية ومليشيا الدعم السريع التي استولت علي شركات القطاع العام وما انفكّت تعيش خارج سيطرة وزارة المالية والبنك المركزي وبعض الحركات المسلحة وجماعات أحزاب الهبوط الناعم) . زبدة النقاط التالية هو أن حكومة حمدوك ظلّت تطبق من روشتة الصندوق ما هو مضر بالغلابة كرفع الدعم ويغضَّ الطَّرْف عن تطبيق جانب الروشتة الذي يمس جوهر الأزمة وهو الحوكمة والشفافية تجاه المؤسسات العسكرية الإقتصادية ومؤسسات المليشيات التي تشتغل خارج النظام المصرفي الحكومي. النقاط التالية توضّح زعمنا: 1. ذكر تقرير الصندوق ( يونيو 2021) أن الحكومة الإنتقالية "فشلت في إنشاء مفوضية مكافحة الفساد وتأخرت في تمرير قانون مكافحة الفساد" التي لن يمررها الشق العسكري الحاكم ولن تباركها مليشيا الدعم السريع ؛ كما عجزت عن تنفيذ عمليات مراقبة البنوك لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب" ، وتجاوزت الحد الأقصى لصافي الأصول المحلية ويرجع ذلك أساسًا إلى الزيادة في الائتمان للقطاع المصرفي. كما لم ينجح السودان فى مؤشر الأموال الاحتياطية بسبب تراكم الاحتياطي غير المعقم وزيادة إئتمان البنوك. كما يذكّر تقرير الصندوق تكنوقراط الحكومة الانتقالية آيديولجيي "الإنفتاح الإقتصادي" في صفحة 3 أنه "كان من المقرر أصلاً إنشاء هيئة (مفوضية) مكافحة الفساد في نهاية مارس 2021 ولكن يمكن مدها الي نهاية سبتمبر 2021 لإتاحة مزيد من الوقت لتعيين المفوضين". 2. ما انفك الصندوق يطالب الحكومة الإنتقالية "بتطبيق آلية أتوماتيكية لسعر الوقود، كما يمكن تمديد الفترة حتي ديسمبر 2021 لإزالة كافة الضوابط المفروضة على أسعار التجزئة (القطاعي) للبنزين والديزل". وهذا ما ستفلح في إنجازه حكومة حمدوك كونه ضد الفقراء. لكن ما لن ينجزه د. حمدوك هو ما ذكره الصندوق "وفي هذه الأثناء تم اعتماد "خارطة طريق للإدارة المالية العامة ، وإصدار اللوائح التنفيذية لقانون الاستثمار، وإلغاء الإعفاءات من ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل الشخصي، وتبني استراتيجية الشركة المملوكة للدولة" لأن هذه الإجراءات والشروط المطلوبة من الصندوق لن يوافق عليها الشق العسكري. 3. ماذا حدث بشأن التلكؤ في تنفيذ قرار الحكومة الإنتقالية بشقيها بتسليم المتهمين بإرتكاب جرائم دارفور الي المحكمة الجانئية الدولية؟ 4. لماذا تصر حكومة حمدوك علي مشروع قانون نقابات العمال 2021 الصادر من وزارة العمل والإصلاح الإداري وهو قانون نقابة المنشأة الذي أصدره النظام البائد؟. 5. في صفحة 9 من التقرير يرى الصندوق أن هناك حاجة إلى عمل إضافي لتعزيز استقلالية البنك المركزي وتعزيز قدرته الإشرافية. ضمن هذا التحدي أصدر مجلس إدارة بنك السودان فى مايو 2021 مشروع قانون البنك المركزي المعدل والمفترض أن يؤدي الي تعزيز استقلالية بنك السودان ؛ وتم إرساله إلى وزارة العدل للمراجعة النهائية. أزعم أن هذا القانون لن تمرره شرزمة جنرالات المجلس العسكري الرابضين في المجلس السيادي لأنه سيمس احدي بنوكهم علي الأقل (بنك أم درمان). ويؤكد الصندوق علي أهمية هذا الإجراء كونه يتعلق بالنظام المصرفي المزدوج (الاسلامي وغير الاسلامي) وذكر التقرير مجلس إدارة "الاستقرار المالي الإسلامي" وهنا يجلس ود ام بعلو الذي سماه حمدوك في مبادرته بالأزمة التي ظل يراها عبر بؤبؤ عينيه يومياً ، وبدل أن يواجهها وجهاً لوجه مع حواضن الثورة الحقيقيين وغيرهم، فضّل الاجتماع مع جماعات الأخوان المسلمين (وأقصد الإجتماع معهم إبان أزمة المناهج والإجتماع الأخير مع رقيب الأخوان المسلمين ، وهم ذات المؤتمر الوطني المحلول يتسلقون من نافذة مفهوم حمدوك أنه رئيس وزراء الجميع بما فيهم "الإسلاميين" وليس المسلمين ، لكون الأولي تعني مؤدلجي الإسلام السياسي المنظمين). 6. أزعم أن جقليب حمدوك الذى تجلّى في الإعتراف بأن هناك أزمة في مبادرته الفردية يصدر من إصلاحات الصندوق المطلوبة من حكومته التي لها علاقة بشركات ومصارف المكون العسكري لأنه تأكد من فشل منهج رهانه علي الشراكة النموذجية مع العسكر (وأضيف الفلول). أقول قولي هذا وأمامي تقرير الصندوق الذي يطرح بوضوح في صفحة 9 و10 ضرورة أن "تسن السلطات قانونًا معدلاً للوائح المصرفية في هذا العام يتضمن نظام شفاف شامل للقطاع المصرفي بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية مما يساعد في وعلى تمهيد الطريق لإعادة هيكلة القطاع المصرفي". 7. وفي صفحة 10 من التقرير ينبه ويحذر الصندوق دون ذكر ما هي تلك البنوك "يجب أن تظل معالجة أوجه القصور في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب أولوية …. بالنظر إلى أن السودان سيخضع قريباً الي تقييم متبادل لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب" . 8. كان نصيب القطاع الزراعي في ميزانية 2021 مبلغ 11 مليار جنيه في حين احتاز الأمن والدفاع والسيادي والشرطة مبلغ 245 مليار جنيه ؛ ضف الي ذلك أن رفع الدعم أثّر علي زيادة مدخلات الإنتاج بنسبة 300%!!. يقف حمدوك مبتسماً ازاء هذه الحقيقة بطعم العَلقم ، وأمرّ منها مشهد جثامين الشهداء المبذولة لقطع الكهرباء وعطَن الخريف. 9. أشرف د.جمدوك أو ستتم تحت قيادته خصخصة قطاع الطاقة الكهربائية الذي بشرنا به تقرير صندوق النقد الأخير أن قانونا جديدا أسمه "قانون الكهرباء المعدل" سيخلق "إطارًا تنظيميًا أكثر فعالية لتطوير قطاع الطاقة حتي يسهّل دخول القطاع الخاص فى توليد الطاقة" (ص. 10، الفقرة 16) . 10. أمّا حول برنامج ثمرات فان صندق النقد يبشرنا بأن 2 مليون أسرة سيصلها فتات الخمسة دولار في الشهر حتي تأكل الأسرة وجبة فول في الشهر. (ص. 10). والواقع يقول أن برنامج فتات ثمرات يغطي 160 ألف أسرة سودانية فقط حسب تقرير يونيو 2021 صفحة 6. وا فضيحتاه !!! 11. وفي نبرة إعتذارية حذرة يذكر التقرير أن "تمويل مشاركة صندوق النقد الدولي في مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبك) يتطلّب التعهدات الرسمية من قبل الدول الأعضاء." بالنظر إلى الوقت اللازم للحصول على تعهدات تمويل رسمية ، وأن هناك احتمال أن تكون نقطة إتخاذ القرار في مبادرة هيبيك بعد انتهاء صلاحية برنامجنا معكم" ياسادة يا كرام !! وهو فخ الديون الذي كتب عنه جميع الإقتصاديين منذ الأزل الاستعماري ومابعد الاستعماري الي يوم الدين هذا. ويستمر التقرير ذاكراً "ونتمني أن يستمر برنامج الصندوق معكم حتى نهاية ديسمبر 2021 نسبة الى الحاجة المستمرة الي سجل متابعة دائمة …. علي كل حال ربما يتم إلغاء برنامج مراقبة الصندوق حين يصل أعضاء دول الهبك الي مرحلة نقطة إتخاذ القرار". 12. يذكر تقرير الصندوق من قولة تيت أنه "يعمل علي "وضع الأساس للنمو (وليس التنمية لأن هناك فرق كبير بنهما) الشامل ، وإنشاء سجل للسياسات السليمة المطلوبة لتخفيف ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون في نهاية المطاف" (القوسين الداخليين من عندي). كلما تعطي الصندوق مقدار بوصة ينتزع ياردة ، أو قدما فيأخذ ميلاً ، لذلك يذكر التقرير أن "الإصلاحات تمضي قُدُما ، ولكن لا يزال وضع الاقتصاد الكلي يمثل تحديًا والموقف الخارجي ضعيف" (تقرير البنك ص 13) … والعبارة الأخيرة تمد لسانها سخريةً من تمجيد حمدوك في مبادرته لل "إنفتاح الإقتصادي". 13. يتخوّف التقرير من التضخم الذي أصبح مرتفعا للغاية بنسبة (342٪ في مارس 2021). وبعد اعتماد "التعويم المُدار" علي سعر الصرف يتوقع الصندوق مزيداً من تعويم الجنيه. والتقرير يحذّر من دعم الوقود. 14. يذكر تقرير الصندوق فى صفحة 8 أن الانتقال إلى تعويم الجنيه (عبر السوق) في فبراير 2021 قد عمل علي تسوية الملعب أمام "التجار المتداولين الأجانب" , وهو بيت القصيد في وجود صندوق النقد بيننا. 15. أثني تقرير الصندوق فى صفحة 8 علي الإقرار الأخير لقانون الاستثمار الجديد وقانون الشراكة الذي مرره د. حمدوك. 16. يراهن صندوق النقد علي "إطلاق إمكانات القطاع الخاص في السودان عبر الحوكمة، وتقليل دور الدولة في الاقتصاد وتعبئة الاستثمار الخاص" (ص 14 من التقرير). أما تقليل دور الدولة في الإقتصاد فهو شأن يخصنا ولا يخص حكومات الشمال الكوني ، وفي البال أن الحكومة الفدرالية الأمريكية أكبر مخدّم في أمريكا !. 17. أزعم أن اعتراف حمدوك أخيراً بوجود أزمة في مبادرته الفردية هو أن الصندوق والبنك طلبا منه إصلاحات مطلوبة وضرورية لها علاقة بشركات ومصارف المكون العسكري لأنه تأكد من فشل منهج رهانه علي الشراكة النموذجية مع العسكر ، رغم زعمي أنه لا يعتقد أن الفلول خطر علي وزارته. أقول قولي هذا وأمامي تقرير الصندوق الذي يطرح بوضوح ويتوقّع في صفحة 9 و10 ضرورة أن "تسن السلطات قانونًا معدلاً للوائح المصرفية في هذا العام يتضمن نظام شفاف شامل للقطاع المصرفي بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية مما يساعد في وعلى تمهيد الطريق لإعادة هيكلة القطاع المصرفي". 18. وحين يتعلّق الأمر بمحاربة الفساد يذكر تقرير الصندوق بوضوح استهدافه الجوهري وهو أن "تقليص دور الدولة في الاقتصاد هو المفتاح لخلق بيئة أكثر تمكينا للقطاع الخاص" (ص.11) . نلاحظ أن تقرير البنك المنشور لم يشير الي شركات المؤسسات العسكرية المنهوبة ضمن ذكره أن "الإشراف على الأصول غير المشروعة من النظام السابق سيتم نقلها الي شركة قابضة حكومية لتحسين رقابتها" دون أن يشير الي شركات واستثمارات المؤسسات العسكرية. وينبه التقرير الحكومة الإنتقالية ب "أن تحدد ماهي الشركات المملوكة للدولة التي يجب أن تظل عامة ، وماهي التي يجب تصفيتها أو خصخصتها." (ص. 12). 19. وحول قانون تشجيع الإستثمار 2021 يورد د. عباس "أن الفوضى فى توزيع الصلاحيات والاشارات المبهمة لمصادر ومرجعيات غير موجودة فى الحقيقة ووضع صلاحيات أجهزة وجهات حكومية فى يد افراد ، الغرض منها خلق بيئة يرعى فيها الفساد وتتمكن من خلاله الحكومة وداعميها السياسيين فى خلق فئة رأسمالية كمبرادورية جديدة ، واستبدال فئات الراسمالية الطفيلية التى نشأت فى النظام اللصوصى القديم بفئات جديدة تتبع للاحزاب والحركات المسلحة فى الحكم تؤسس لنظام لصوصى جديد" ( د. عباس عبد الكريم ، في الاقتصاد السياسي للثورة (5) دعوة الاستثمار الاجنبي) ؛ نحن اذن إزاء استثمار بدون استراتيجية تنمية وطنية ، والكلام لعباس عبدالكريم، حيث "الاستثمار الاجنبى لديهم (يقصد حكومة حمدوك الإنتقالية) أصبح هو غاية وليس وسيلة. وهذا النهج ليس مبنيا على غشاوة فكرية اقتصادية ، انما يمثل مصالح اقتصادية فئوية ترى الاقتصاد من منظار مصلحتها الضيقة فقط". 20. لن يكون هناك نهوض إقتصادي بدون قطاع عام منتج وفعّال وفي حالة العطالة والتوظيف لابد أن تكون الدولة التنموية هي المحرك الرئيسي وليس الشركات .. ينبهنا د. عباس أذا أردنا تخفيض العطالة لا بد من "ضرورة التركيز على المشاريع التي تتطلب عمالة كثيفة فى الزراعة والتصنيع أو الخدمات" مثل بناء الطرق والمدارس والمستشفيات خاصة في الأرياف عبر قطاع عام منتج استراتيجي وليس عبر سياسة الإنفتاح الاقتصادي التي تعني "فتح البلاد للتجارة الخارجية بلا شروط والاعتماد على القروض والمنح ، واضعاف القطاع العام (حسب روشتة الصندوق وإملاءآته) فى ظل اوضاع اقتصادية ضعيفة (تضخم غير مسبوق ، سوق داخلي منكمش ، ازمة ميزان مدفوعات ، عدم استقرار سياسي وامنى ، بنية تحتية ضعيفة ، بل منهارة)". تلك وصفة تعني التبعية المطلقة "للرأسمالية الامبريالية (راس المال العالمي الكبير جدا و المسيطر) ومنظماتها الدولية" (د. عباس عبد الكريم ، هل بمقدور الحكومة الحالية التدخل لتوسيع الفرص والخيارات للتوظيف؟ الإجابة: لا. 14-15). 21. الثورة ستستمر ما دام معدّل العطالة وسط أهم شرائح ثوار ديسمبر وهم الشباب والنساء كالآتي: 37% من مجموع النساء ، 44% من مجموع نساء الحضر ، 34% من مجموع الشباب ، 50% من جميع شبابا لحضر، 58% من جميع الشابات. (آخر مسح للقوى العاملة في السودان). إذن يمكن القول ببساطة أن الثورة متقدّة الشرارة ، إلا بعد أن تتم مصارحة ومكاشفة هؤلاء عبر مايسمي بالشفافية معهم/ن. بلغت نسبة البطالة بين خريجي مؤسسات التعليم العالي 23٪ ، 71٪ منهم في المناطق الحضرية و 74٪ من النساء (د. عباس عبد الكريم ، هل بمقدور الحكومة الحالية التدخل لتوسيع الفرص والخيارات للتوظيف؟ الإجابة: لا 14-15). 22. وحول قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص يذكرنا د, عباس أنها " ليست شراكة بل دعم فى الاساس للقطاع الخاص الاجنبى" ، وأن "القانون يمهد ايضا للخصخصة والتي هي أحد سياسات الاقتصاد الليبرالي الجديد. إستهداف الحكومة الإنتقالية، كما هو واضح ، طرح مشاريع القطاع العام الكبيرة للخصخصة وذلك بدعوة راس المال الاجنبى (حكومى وخاص). ويكون دور الحكومة هو فقط دعم وتسهيل" (د. عباس عبد الكريم ، في الاقتصاد السياسي للثورة (5) دعوة الاستثمار الاجنبي) . 23. يذكرنا الدكتور النبيه عباس ع الكريم مرة أخري إستحالة جذب إستثمار أجنبي مباشر نوعي ومنتج ومفيد للسودان يعمل علي خلق وظائف لائقة ويُحسن المهارات ويُسهم فى نقل المعرفة والتقنية الخ. وأن الغرض (المقصود أو غير المقصود) هو "خلق فئة رأسمالية كمبرادورية جديدة" (د. عباس عبد الكريم ، في الاقتصاد السياسي للثورة 6-15) ، كون وضع السودان الإقتصادي مثبّط للاستثمار وطارد له فى عدة مؤشرات عالمية معروفة للشركات العالمية. لذلك يعتبر السودان من ضمن أسوأ 10% من الدول من ناحية البيئة المناسبة لتأدية الاعمال وفرص جذب الاستثمار الأجنبي (د. عباس عبد الكريم ، في الاقتصاد السياسي للثورة 6-15) ، لذلك كان علي حمدوك ألّا يشطب قرارات اللجنة الإقتصادية لسان حال الثورة لحل تلك المعضلات أولا وليس فتح السودان لفخ إنفتاح إقتصادي معولم "أم فككو" وعائر غير مشروط. المحصّلة المتوقعة من منهج حمدوك هو جذب رؤوس أموال مغامرة. و"المجالات التى يمكن ان يعمل فيها الاستثمار المغامر قد تشمل تصدير المحاصيل الرئيسية ، وبالذات الصمغ العربى ، تصدير المواشى واللحوم ، تصدير وتجارة الذهب والمعادن الاخرى…. وستكون محصّلته الفساد والرشاوي" (د. عباس عبد الكريم ، في الاقتصاد السياسي للثورة 6-15). تطرح أحزاب وجماعات الهبوط الناعم المدنية والعسكرية داخل السلطة منهج اللبرالية الجديدة وقوامه تشجيع الاستثمار الأجنبى المباشر وبذلك يستهدفون "بناء قاعدة اقتصادية – اجتماعية- سياسية جديدة" تحل محل الفراغ، وهو ذات منهج واستراتيجية وبرنامج الراسمالية الطفيلية القديمة المتجددة. ضمن هذا السياق يتم إختراع وصناعة قوانين ومؤسسات ولجان تشبع طموحات الفئة الجديدة. مراجع: 1. ستغليتز ، ثمن اللامساواة ، 2012 Stiglitz, the Price of Inequality, 2012. 1. Stiglitz, top one percent , 2012 http://www.vanityfair.com/society/ features/2011/05/top-one-percent-201105, accessed February 28, 2012. 1. د. عباس عبد الكريم ، هل بمقدور الحكومة الحالية التدخل لتوسيع الفرص والخيارات للتوظيف؟ الإجابة: لا (14/15) : https://sudanile.com/archives/144810 1. د. عباس عبد الكريم ، في الاقتصاد السياسي للثورة (5) دعوة الاستثمار الاجنبي- دعوة بدون استراتيجية تنمية وطنية وبفوضى تشريعية: https://sudanile.com/archives/143486 1. د. عباس عبد الكريم ، في الاقتصاد السياسي للثورة (6-15): هل يمكن جذب استثمار أجنبي نوعي؟ لا! الغرض خلق فئة رأسمالية كمبرادورية جديدة : https://sudanile.com/archives/143603 1. الهادي هبّاني، حقيقة إعفاء ديون السودان عبر بوابة الهبك ، الراكوبة ، 6 يوليو 2021: https://www.alrakoba.net/31585100/%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A5%D8%B9%D9%81%D8%A7%D8%A1-%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87/