شاهد.. مقطع فيديو للفريق أول شمس الدين كباشي وهو يرقص مع جنوده ويحمسهم يشعل مواقع التواصل ويتصدر "الترند"    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو تفكيك خطاب ومشروع رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك (2-6)
(فرضيات ومنطلقات الخطاب الفكرية وتجلياتها)
نشر في الراكوبة يوم 11 - 09 - 2021


الراسمالية الطفيلية توأم الدولة اللصوصية:
من الإرث البنيوي العميق الذي لا حِجاج حوله هو أن ثورة ديسمبر وجدت نفسها إزاء دولة ضعيفة فاشلة مقابل مؤسسات اقتصادية وفئات أكثر قوة مالية واقتصادية من الدولة. مثال بسيط لمعرفة ضعف وحجم الدولة التي تم نهبها اقتصادياً ومالياً (بحسابات الوزارات الحكومية الفدرالية وحكومات الولايات) مقارنة بأموال الطفيلية خارج مؤسسات الدولة يمكن اللجوء الي إحصائيات القوي العاملة تحت الخدمة العامة. مثلاً وفق بيانات آخر مسح للقوى العاملة فى عام 2011 و 2013 (راجع مسح منظمة العمل الدولية) يشكّل العاملون بالخدمة المدنية 6.8% فقط من مجموع العاملين بأجر ، 2.8% من إجمالي العاملين في الدولة. بعبارة أخرى ، والكلام لعباس عبد الكريم في سلسلة مقالاته الممتازة (راجع مواقعها في سودنايل) ، 93.2% من مجموع العاملين بأجر و 97.2% من جميع المشتغلين ، بالإضافة إلى جيش ضخم من العاطلين عن العمل ، هم خارج الخدمة المدنية ، ولم يتم اتخاذ أي تدابير لتحسين معيشتهم ضمن قرار رفع أجور الخدمة المدنية الذي قدمه د. ابراهيم بدوي كرشوة سياسية هلل لها الجميع في الوسائط الإجتماعية". كيف يستقيم إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً أن تلقي بمثل هذه الدولة الضعيفة في محيطات أسواق العولمة المتوحشة وشركاتها ومؤسساتها الدولية!!.
أما الراسمالية الطفيلية فانها تعمل في مجال التداول السلعي والمصرفي بشكل مختلف عن الرأسمالية التجارية التي هي فئة ضرورية لإكتمال دورة الانتاج للتداول السلعي من المنتج حتى المستهلك وتنال نصيبها من فائض القيمة في شكل أرباح يعتمد تعاظمها على سرعة دوران السلع ودوران رأسمالها (راجع صدقي كبلو ، 25 عاما على حكم الرأسمالية الطفيلية الاسلامية). تعتمد الرأسمالية الطفيلية في تداول السلع وتحقيق الأرباح على التخزين والتهريب وخلق الندرة والاحتكار والتلاعب في المواصفات ، وفي مجال النقد والمصارف تعتمد على الصيغ المسماة إسلامية، لتعظيم عائداتها بمعدلات أعلى من سعر الفائدة في الأسواق العالمية. وبطبيعتها لا تستثمر ولا تمول العمليات الانتاجية لأنها تتفادى المخاطر وتركز على عمليات الربح المضمون. وهي متخلفة لم يكتمل تطورها وتتبع للسوق الرأسمالي العالمي. وخلافا للرأسمالية التجارية والصناعية الوطنية لا تطور الانتاج المحلي، بل تحطّمه، عن قصد أحيانا، وعن طريق طبيعتها التجارية التي تفتح الأسواق المحلية للمنتجات المستوردة دون مراعاة لمنافستها للإنتاج المحلي فتساهم في تحطيمها وإغلاق المصانع وورش الحرفيين، بل يمتد أثرها السلبي لقطاعات مثل المطاعم والفنادق والاستيراد والتصدير(راجع صدقي كبلو ، 25 عاما على حكم الرأسمالية الطفيلية الاسلامية). سعت الراسمالية الطفيلية للإغتناء عن طريق استغلال السلطة والمحسوبية السياسية و سرقة القطاع العام. ومن أهم مجالات أنشطتها السمسرة والفساد وتجارة العملة وتخزين البضائع وإفتعال السوق الأسود. إرتبطت الراسمالية الطفيلية بالمؤسسات المالية الاسلامية وبتجار مستوردين تسندهم مراكز في البنوك والسلطة. للراسمالية الطفيلية علاقات حميمة مع البنوك الإسلامية وحركة الأخوان المسلمين. تتركز الرأسمالية الإسلامية في مجال البنوك والتأمين وتجارة العملة والتجارة التي تمولها البنوك الإسلامية، خاصة تجارة الصادر والوارد وتخزين السلع التموينية وتخزين الذرة حتى أيام المجاعة والمضاربات المالية ذات العائد السريع (صدقي كبلو). تتمترس الرأسمالية الإسلامية بالقوانين الإسلامية لذلك أثارت قضية المناهج وتصر علي القوانين الاسلامية وقد اجتمع حمدوك مع رقيبهم حينها وأمّن له دعوته. تعتمد الراسمالية الطفيلية "فسادا عشائريا وقبليا وتوسع نفسها كفئة طبقية، فينشئ الرسميون شركات لأبنائهم ونسابتهم وأصهارهم وأبناء عمومتهم ليحفظوا تداول الأرباح والأموال والثروات المنهوبة في داخل عائلاتهم وعشائرهم القبلية ويثبت ذلك الفساد في القطن والنفط والمقاولات وإمدادات الدولة المختلفة وتوزيع الأراضي. أن الفساد ليس فسادا فرديا فحسب فهو فساد فئة طبقية تعاني من العزلة الاجتماعية والسياسية والتي في الحقيقة تفرضها على نفسها كفئة طبقية" (راجع صدقي كبلو ، 25 عاما على حكم الرأسمالية الطفيلية الاسلامية).
ظلت المنظومة العسكرية كسلطة قائد وحامي حمي الرأسمالية الطفيلية و/أو حليفتها ، وتستخدم آليات قانونية وغير قانونية ومحسوبية ولصوصية مباشرة وغير مباشرة عديدة لإعادة إنتاج ذواتها مثل تعطيل مفوضية الفساد وسن قوانين نقابات وإستثمار وضرائب لذلك ، وتعطيل رقابة البنك المركزي علي أنشطتها وإستخدام السوق الأسود (في العملة وتزوير النقود والسلع الاستراتيجية) بما في ذلك هزيمة روشتة صندوق النقد الدولي اذا دعا الحال.
من النماذخ الطفيلية أن يمتلك مصرف (بنك فيصل الاسلامي) شركات خارج تخصصه المصرفي عقارية ومصنع أدوية ، ومصنع ألمنيوم وشركة مواد عازلة!!. كما يمتلك بنك آخر (بنك تنمية الصادرات) بنكاً آخر هو بنك الثروة الحيوانية وشركة بترول ويعمل في التكافل الإجتماعي والإتجار بالأدوية. كما تمتلك وزارة الداخلية مستشفي وجامعة !!!. كما تؤول لجهاز الأمن والمخابرات الوطني شركات تجارية ومقاولات وشركات طرق وجسور واستشارات هندسية ومجمع صناعي ومستشفي ، بالإضافة الي شركات تعمل في مجال توزيع المواد البترولية او خدمات البترول !!.
نزعم أن الأموال المنهوبة خارج السودان في قطاع الطاقة وحده ولفترة 7 سنوات فقط (2012-2018) كبترول مصدّر كانت تعادل حسب بنك السودان (4.8 مليار دولار)، بينما قال الشركاء الدوليين للسودان ووفقاً لمعلومات إدارة الاتجاهات، أنهم اشتروا من حكومة السودان خلال تلك الفترة ما يعادل (8.9 مليار دولار). أما قيمة صادر الذهب (كانت الدولة تحتكر تصديره) وفي نفس الفترة المسجل محليا هو 8.6 مليار دولار، وحسب إدارة الاتجاهات الاحصائية للتجارة الدولية فان السودان قام بتصدير نحو 12.7 مليار دولار. (راجع صدقي كبلو ، 25 عاما على حكم الرأسمالية الطفيلية الاسلامية).
الاقتصاد السياسي للمؤسسة العسكرية والجنرالات الساسة-رجال الأعمال:
الأساس الفكري لخواء أطروحة نموذج الشراكة مع مؤسسة جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية والمليشيات المتفسّخة هو أن بنيتها طفيلية فاسدة ومفسدة مادياً ورمزياً وتقود نموذجها الإقتصادي التمويلي التجاري الطفيلي وهي خارج سيطرة وآليات الدولة من وزارة المالية وبنك السودان المركزي وغيرهما. تمتلك المؤسسة العسكرية شركات ملّكها لها نظام الإسلام السياسي المندحر وبعضها يعمل فى الانتاج الزراعى والصناعى والتعدينى وتحصلت على امتيازات غير مشروعة ؛ وتعمل هذه الشركات أيضاً فى قطاع التداول والتجارة ، وتشارك في عمليات المضاربة المالية والتجارية ، والوساطة التجارية غير الضرورية (ويمكن تكون مفروضة عن طريق الفساد) ، وتجارة التهريب وإنتاج وتجارة المخدرات وغسيل الاموال. وتتهرب ضريبياً (بمساعدة السلطة غالبا)؛ وتمارس التمويل المصرفى غير المستوف للشروط ؛ وتفرض الاحتكار (بتشريع او بممارسة فاسدة) والحصول على تراخيص واراضى لنشاط إقتصادى دون حق مشروع (راجع عباس عبد الكريم).
ولا نفتئت القول حول تفسّخ هذه المؤسسة مهنياً فقط ، ولكن إقتصادياً حيث تمتلك أجهزة الامن والمخابرات السودانية لوحدها قرابة 40 شركة متعددة الاغراض من مجمل 532 شركة سودانية مسجلة في منطقة التجارة الحرة في إمارة دبي في 2021. كما أن أكثر من 157 من هذه الشركات في دبي "يملكها سماسرة ووزراء واقاربهم بهدف تحصيل العمولات لصفقات تمت بالسودان وحفظ الانصبة في حسابات خارجية وتعمل علي تهريب الاموال من الداخل بعد غسلها ، أو لتوزيع غنائم عمولات صفقات حكومية مليارية بالخارج (راجع هنا دبى : الشعب يريد ارجاع الفلوس ، عبدالرحمن الامين يكشف المستور). ذلك هو جزء من بنية الدولة العميقة التي راهن عليها د. حمدوك وتكنوقراطه وبعض أحزاب الهبوط الناعم ، و التي ساهمت من قبل في أن يحتل السودان "المرتبة الثانية كأبرز الشركاء التجاريين للإمارات بين الدول العربية وفقاً لأرقام المركز الوطني للإحصاء" (حسب تصريح السيد خلفان سعيد الكعبي النائب الأول لرئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة أبوظبي ، صحيفة السوداني في 11 فبراير 2012).
ذكر د. حمدوك في خطابه الذي سبق مبادرته بساعات أن الشعب السوداني "فجّر ثورة ديسمبر المجيدة بأوسع مشاركة جماهيرية وباستجابة (القوات النظامية) لنداءات الشعب التواق للتغيير". أقصد بالقوسين أن القوات ليست نظامية طبعاً بالمفهوم المهني للعبارة. هنا يبيع لنا رئيس مجلس الوزراء زعماً مفاده أن الجيش السوداني إستجاب للثورة وليت الجيش استجاب مجبراً أو بطلاً ، ولكن استجابته كانت حيلة مؤقتة لفرض سلطته وثروته واستيلائه علي المال العام. هذا الزعم يعكس منطلقات وفرضيات حمدوك في تحليل الأزمة بالتعتيم والتعميم ثم التحايل علي جوهر الأزمة. جميعنا يعلم أن تلك الشريحة من القوات المسلحة التي إستجابت لنداءآت ثوار ديسمبر هم الآن إما في السجون أو تم فصلهم من القوات النظامية، وربما منهم من تمت تصفيته أو أعدموا ، والله أعلم. لقد تجلّي خواء أطروحة حمدوك منذ أول أيامه في السلطة حين راهن مجانياً علي عبقرية "نموذج الشراكة" بين العسكر والمدنيين. أي مراقب للمؤسسة العسكرية السودانية يعلم جيداً أن بنيتها لا علاقة لها بالمؤسسية والمهنية، لذلك كان رهان حمدوك (ومعه آخرون من القوي السياسية ) علي الشراكة و الاحتفاء بها عبارة عن دعوة غير مباشرة للجيش للانضمام للثورة دون تحسب لحقيقة أن قيادات القوات المسلحة منتقاة ضمن فساد التمكين فوجّهت الدعوة للجنة الأمنية فانضمت ويدها ملطخة بالدماء وهى تضمر الغدر بالثوار وبمكتسبات ثورتهم.
بعد عامين حسوما زعم د. حمدوك أنه عاد الي نقطة البداية لكن بعد أن تخلّي عن ثوار ديسمبر من لجان مقاومة وبعض التجمع النقابي والأحزاب التي كانت تشكل الحاضنة الحقيقية للثورة ، عاد علي الأقل في خطابه ومبادرته حين أقرّ بأن "قضية إصلاح القطاع الأمني والعسكري قضية وطنية شاملة لا تقتصر على العسكريين ويجب مشاركة المجتمع السياسي والمدني في رؤية الإصلاح، وهي قضية مفتاحية لكل قضايا الانتقال وبدونها لا يمكن حل قضايا الاقتصاد والعدالة الانتقالية وبناء الدولة المدنية" ؛ ولكنه يصر مرة أخري أن يربط ذلك ب "تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاق جوبا لسلام السودان" حيث يقترح حمدوك أن "جهاز المخابرات العامة والشرطة السودانية يجب أن ينفذ ما ورد في الوثيقة الدستورية بشأنهما وأن يخضعا لعملية إصلاحات عميقة وجذرية وعاجلة" وهو يعلم جيداً أن إتفاق جوبا الكارثي قد أتي بوثيقة جديدة تجبّ تلك الوثيقة وكذلك الإعلان السياسي لقوي الحرية والتغيير. كما يصر د. حمدوك أن "قوات الدعم السريع ذات طبيعة خاصة وساهمت بدور إيجابي في التغيير ودمجها في القوات المسلحة يتطلب توافق بين قيادة القوات المسلحة والدعم السريع والحكومة للوصول لخارطة طريق متفق عليها تخاطب القضية بكل أبعادها".
وحين يجدُّ الجد يستخدم حمدوك لغة وعبارات لاعلافة لها بالثورة تتعلق بمنهج الظل، من شاكلة "مراجعة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وحصره في الصناعات ذات الطبيعة العسكرية ومراجعة الشركات التي انتقلت لحوزته عقب التغيير ودمج نشاطه الاقتصادي في الاقتصاد الوطني تحت ولاية المالية على المال العام". تأمّل معي عبارة "مراجعة" المرنة ، حتي لا نقول الهينة واللينة والمرتخية!. كما نلاحظ "سين" العبور الحالم في عبارته: "قضية مستقبل القوات المسلحة وتنظيم علاقتها بالحياة السياسية الديموقراطية ستكون من قضايا المؤتمر الدستوري التي ستحسم قبل نهاية المرحلة الانتقالية." ستكون وستحسم مثل كثير من لجان التحقيق التي كانت ولم تكن. تطير عيشةْ المؤتمر الدستوري الذي سيصبح مدققاً لغوياً وخادماً منزلياً ومربّياً لأطفال الروضة وكمان يغسل العدّة بعد أن تنفَضْ النخب التي أدمنت الفشل.
تمخّض جبل مفهوم الشراكة فولد فأراً من مواقف وممارسات وقوانين:
ينطلق خطاب حمدوك (من مواقف وممارسات وقوانين ولجان كوّنها) من موقف فكري قوامه أنه لاحاجة له بقاعدة الثورة الإجتماعية وحاضنتها (من نقابات ولجان مقاومة) التي تخلّقت ثورة ديسمبر في وميض نارها وأنوارها، فلجأ الي قوي الهبوط الناعم وجماعات تلتف حوله ويستشيرها (بالإضافة الى موقفه الفكري الإقتصادي ، ثم الرهان علي الشراكة مع مؤسسة عسكرية فاشلة بجدارة). ومن الأمثلة علي وعود حمدوك الرومانسية المطلوقة علي عواهنها أنه أعلن في احدي لقاءات واشنطون فى ديسمبر 2019 أنه يخطط لإسترداد أموال وموارد الدولة التي لدي المؤسسات العسكرية والأمنية والمليشات (وقال بالحرف ليس تأميمها ومصادرتها) ، وكذلك موارد الدولة المنهوبة خارجياً. ولم تبرح السين الحمدوكية مكانها ازاء هذين الاستهدافين. (راجع اللقاء في الموقع أدناها علي اليوتيوب). وفي ذات اللقاء أكّد حمدوك أن سلام جوبا لن يشبه اتفاقات السلام السابقة التي قادتها النخب (وذكر منها اتفاق الدوحة) لذلك سيذهب هو شخصياً، ضمن تجهيزات اتفاق سلام جوبا ذى المسارات والمحاصصات، الي معسكرات اللاجئين لإشراك ممثليهم ليكونوا جزءاً من مفاوضات السلام (ما لم يحدث طبعاً). كما وعد بتنفيذ دمج الحركات المسلحة في المؤسسة العسكرية. وتجنّب حمدوك الإجابة علي سؤال قانون النظام العام الساري تحت ناظريه. تحدث حمدوك في ذات اللقاء بأنه يقود "إصلاح" داخل المجلس السيادي ومجلس الوزراء ، ولكنه هندس لاحقاً لمجلس الشركاء المريب الذي لإتفاقية سلام جوبا (أو مرّره خوفاً وطمعاً). كلا الأخوين مظراطٌ ، ولكن شهاب الدين الأخير أظرط من أخويه (السيادي ومجلس الوزراء). وضعت عبارة إصلاح أيضاً بين قوسين كونها تعبّر تماماً عن المفارقة الفكرية لخطاب ومصطلحات رئيس مجلس وزراء ثورة ديسمبر ، وكان الأجدي أن يستخدم عبارة "تغيير هيكلي" حتي لا أقول تغيير ثوري. وتحدّث حمدوك ملء فاهه مفتخرا بنموذج شراكة الحكم السودانية (عسكرية مدنية) الفريدة المتفرّدة وأنه لم ينتظر المؤسسات العالمية لتصوغ اتفاقية فى اوسلو او لندن للحكم ، وأن هذا النموذج سيدرّس ، حسب خياله السياسوي الرومانسي، في الجامعات والمعاهد العليا !!! أي والله (راجع لقاء اليوتيوب) . وقال حمدوك أن هذا نموذج سوداني "تسووي مرن" وأكّد أنهم يدرون كيف يجعلون هذه الشراكة نافذة وناجحة وفعّالة، "كون لا أحد يفهم قضايانا أكثر منا". لكنه عاد الآن في خطابه ومبادرته لينعي ذلك النموذج ويشيّعه الي مثواه الأخير. وتحاشي أيضا الإجابة علي سؤال مقدّم اللقاء حول احتمالات أن يكون برهان وحميدتي ضمن المطلوبين فى المحكمة الجنائية.
إنتبذ نموذج الشراكة مكاناً إماراتياً سعودياً فولد ثعابين سنّت قوانيناً لتلائم مشروع الطبقة العسكرية الجديدة (طبقة الجنرالات الساسة رجال الأعمال) ولقد اعتبر حمدوك هذه القوانين كإصلاحات وشملها بذكره "الإصلاحات القانونية والسياسية والانفتاح الاقتصادي". دعنا نسمي بعض هذه القوانين والتي ساهمت في الأزمة السياسية، ومنها:
1. تكوين لجنة التمكين برئاسة الفريق ياسر العطا.
2. تكوين لجنة إقتصادية برئاسة حميدتي ، أما د. حمدوك الإقتصادي نائباً له!! عطفاً علي مفهوم الشراكة النموذجية.
3. تكوين مجلس للسلام برئاسة حميدتي !.
4. طرح قانون الإدارة الأهلية واقتراح قانون غير ديموقراطي للحكم المحلي لاختراق القطاع التقليدي عبر الوجوه المتكررة للإدارات الأهلية، ومحاولة شرعنتها. ومحمد حمدان دقلو كان رأس الرمح فى ذلك بحثاً عن قاعدة اجتماعية تبارك السلطة الجديدة.
5. قانون الجرائم الإلكترونية.
6. مسودة قانون الأمن العام و الأمن الوطني.
7. في يونيو 2021 أُصدر قرارا قضي بتكوين قوي مشتركة من الجيش والأمن والدعم السريع في تجاوز للشرطة بذريعة فرض هيمنة الدولة وهذا بالطبع خرق واضح للوثيقة الدستورية ، وهذا تكتيك ينظم خيوط بقية المؤامرة لمصادرة الحريات واعادة انتاج برنامج الرأسمالية الطفيلية التي تقودها الآن المؤسسة العسكرية التي يراهن عليها رئيس مجلس الوزراء.
8. سن القوانين التي تتيح تنفيذ سياسات السوق الحر كاملة وإعمال شروط مؤسسات التمويل الدولية مثل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص والذي ما هو إلا غطاء للخصخصة وإضعاف للقطاع العام وإلغائه تدريجيا الأمر الذي يؤدي إلى إفراغ مبدأ المواطنة أساس الحقوق والواجبات من محتواه بانتفاء المساواة وإحداث تفاوت واسع في الدخول ، والقدرة على شراء الخدمات العامة بما فيها فرص التعليم والعلاج وحتى مياه الشرب النقية وفقدان فقراء المزارعين والرعاة أراضيهم وسبل كسب العيش وهجران الأرض تحت تغول واستيلاء الشركات ورؤوس الأموال الأجنبية.
9. إعادة بعث قانون 2010 (قانون نقابة المنشأة)
10. إعادة قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005.
11. قرار حميدتي بتشكيل قوة عسكرية لضبط الإنفلات الأمني داخل العاصمة في تجاوز وتطاول صريح ومباشر كالعادة علي رئيس الوزراء (صاحب منهج الظل) وعلي وزير الداخلية وجهاز الشرطة.
12. مرسوم دستوري أصدره برهان يقضي منح الحكم الذاتي لولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان.
13. ضلوع حمدوك في قرار وزارة الخارجية في رفض التوقيع علي ميثاق تجريم فعل الابادة الجماعية وتجريم ارتكاب الجرائم غير الإنسانية.
14. تعيين أربعة ولاة فاشلين ، ضمنهم والي القضارف عضو المؤتمر الوطني ، مما يدل علي إصرار حمدوك علي المصالحة مع الإسلاميين.
15. في ختام هذا الفضاء الاول دعنا نؤكد أن حمدوك ومنذ ضربة البداية وبجرة قلم رصاص في مبادرته وفي حالة أقرب إلي فقدان الذاكرة ينعي رهانه السابق ، دون وعي منه، رهان نموذج الشراكة مع المؤسسة العسكرية وحسب مبادرته بأن وطأة "الماضي الثقيلة تركت انقسامات متعددة الأوجه (مدني مدني – مدني عسكري– عسكري عسكري) وقد تفاقمت هذه الاختلافات في الآونة الأخيرة وأصبحت تعبر عن الأزمة السياسية العميقة التي تعاني منها البلاد حالياً.". هنا يقر حمدوك علي الاقل بأن انقسام (مدني عسكري وعسكري عسكري) قد تفاقم وعبّر عن الأزمة السياسية العميقة. أزعم هنا مرة أخري أن حمدوك لم يعجز عن قراءة ذلك الواقع لمدة عامين كونه كان أراد بالعسكر والفلول خيراً ، ولكن نبحث عن العجز في ذات خطابه ومنطلقاته الفكرية والبراغماتية التي دفعته دفعاً عجولاً نحو الرهان علي شراكة العسكر والإنفتاح الإقتصادي وتجاهل قوي الثورة الحقيقيين وشهدائها.
صيرورة نشوء وتطوّر غول المؤسسة العسكرية الاقتصادية المالية وعنف طبقة لذاتها اسمها جنرالات الساسة- رجال الاعمال:
دعنا نرصد هذه الصيرورة تاريخياً في شكل نقاط:
1. أنشأ نميري المؤسسة الاقتصادية العسكرية في عام 1982 لخدمة ضباط الجيش السوداني وتقديم المواد الاستهلاكية وإرضاء الضباط المتقاعدين لإبعادهم عن السياسة، حينئذ لم تمتلك المؤسسة العسكرية مصالح تجارية واقتصادية. ورويداً ومع ملابسات هيمنة المؤسسة العسكرية تحول توسّع نفوذ المؤسسة العسكرية الاستخبارتية الأمنية البيروقراطية. (راجع شريف مراد ، الجزيرة)
2. وبمجيئ عهد الاسلام السياسي تخلّقت النطفة علقة وتخلّقت العلقة مضغة ثم أصبحت بجبروتهم الجمعي عظاما ، فكسوا العظام لحماً ثم خلقاً آخر سمي غول المؤسسة العسكرية الإقتصادية التجارية المالية. حيث تم إنشاء قرابة 600 شركة تجارية عامة تابعة لوزارات اتحادية وللأجهزة الأمنية والجيش، لا تخضع لمراقبة المُراجع العام، وتتمتّع بحرية الصرف خارج الميزانية الرسمية للدولة. كانت هذه الشركات تمثل غطاء للنشاط التجاري لكبار الولاة والضباط في الجيش والأمن، وكانت تعمل في كل القطاعات الاقتصادية. وبدأت تتشكل طبقة رجال أعمال-ساسة في ذاتها ولذاتها ، بمعني آخر لنظرية المعرفة التي تشير الي الشغيلة حيث كوّن هؤلاء طبقات من جنرالات ومليشيات ولوردات حرب حكموا بالسيف والنار وبالإبادات وتدفع لهم الراسمالية المعولمة في الاتحاد الأوروبي المتأمرك عبر مباركة خادمهم الإتحاد الأفريقي أموالا طائلة ليحاربوا نيابة عنهم في اليمن وليبيا وافغانستان و"كردف-دارفوران" . تحوّلت هذه الطبقات الحاكمات الحكّامات المتطفلات الي فئات لا تستطيع أن تترسمل بإحسان دون العنف الدموي البشع حتي الإبادات. رغم ذلك تحلم أن تعمل كطبقة لذاتها في مأمن من ويلات المجتمع الديموقراطي الواعي في الوسائط الإجتماعية والسياسية والنقابية ولجان المقاومات في شقيْ الكوكب المعولم.
3. علي المستوي العالمي سعت برامج التحرير الاقتصادي اللبرالي الجديد الي فرض روشتات اقتصادية ينفذها الصندوق والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية منذ نهاية الثمانينات حتى الآن، بداية من برنامج الإصلاح الهيكلي ، ومرورا ببرامج واستراتيجية الحد من الفقر، وإنتهاءً بما بات يُعرف بمشاورات المادة الرابعة. في كل هذه البرامج والسياسات نصّ الصندوق والبنك الدوليان على أن الشرط الأساسي لنجاح البرنامج هو أن تتم عمليات الخصخصة وبيع المؤسسات العامة وفتح الأسواق في ظل شفافية تامة، طمعاً في أسواق الجنوب الكوني ومواردها الخام وخوفاً من شره راسماليتها التابعة وعسكرياتها المنفلتة "الإرهابية" التي رعتها العولمة لتحارب بالنيابة عنها عدوها التاريخي القديم المتجدّد (راجع شريف مراد) ؛ وكلها صناعة آيديولوجية مخترعة.
4. هكذا بدأت المؤسسة العسكرية "في التغول والدخول بشكل مباشر في القطاعات الاقتصادية مع غياب الشفافية وصعوبة توافر المعلومات والتقارير حول حجم المصالح الاقتصادية للجيش وحجم إسهامه في الناتج المحلي السوداني، حيث بات الجيش السوداني والأمن والدعم السريع يمتلك اليوم شركات ومصانع تصل إلى كل المجالات الاقتصادية، بداية من التصنيع الثقيل والخفيف، مرورا بمجالات التأمين المالي والمصارف، وحتى مجال إنتاج الأغذية، فضلا عن شركات المقاولات والإنشاءات العقارية، وصولا إلى مجال صناعة الأدوية، وحتى شركات الدعاية والإعلان. ورغم عدم توفر دراسات وبيانات دقيقة يمكن الاعتماد عليها لدراسة حجم الاقتصاد السياسي للجيش السوداني، فإن الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي أعطى إشارة بالغة الدلالة عن حجم اقتصاد الجيش نسبة إلى مُجمَل الاقتصاد السوداني حين صرّح قائلا: "الجيش والدعم السريع يُدِيرون اقتصاد البلاد بأموالهم الخاصة" (شريف مراد). تلك هزيمة أساسية للثورة ظل حمدوك يتجنبها باستمرار ، مرة بتثمين دور المؤسسة العسكرية في الثورة والشراكة مع هذا الجسد السرطاني، ومرة بتجاهلها، ومرة بتثبيت حقيقة ان هذا الجسد خارج الدولة.
5. نحن اذن إزاء مفاهيم وممارسات تخص البنية الاقتصادية السياسية الطبقية السودانية لاعلاقة لها باللبرالية الجديدة والقديمة والاقتصاد الرأسمالي المعولم حيث يتم تغييب حكم القانون والمؤسسات والشفافية وحرية وعدالة المنافسة السياسية والاقتصادية الي آخر ما وثّقه الإقتصاد النيوكلاسيكي في نقد الراسمالية المعاصرة بقيادة راس المال المالي في قاعات الدرس الجامعية وفوق الجامعية ومراكز البحوث وعرّاه حَمَلة جوائز نوبل من جوزف ستغليز لغاية توماس بيكيتي. أقصد هنا وحسب شريف مراد أن "سيادة الاقتصاد العسكري والامني هو نهاية الدولة وهو الاخطر علي الاطلاق" … ومن هذا المنطلق الفكري والبراغماتي والأيديولوجي الرصين الرحيم العادل نطرح مقترحاً الي ثوار ديسمبر وجماهير الاحزاب التي تعاني المر رغم غيبوبة بعض قادتها. المقترح هو أن تطرح قوي ثورة ديسمبر من لجان مقاومة وتجمع مهني وأحزاب الآن وهنا شعار اسقاط المنظومة العسكرية الاقتصادية المالية وضمنها راس المال الاسلامي المصرفي ، وليس إعادة هيكلتها او إصلاحها. هذا هو المشروع الثوري القاطع الآن.
6. لقد أصبح التحرير الإقتصادي الذي تسوّقه مؤسسات العولمة مطية لإعادة انتاج المؤسسة العسكرية والمليشيات، وأنتجت وضعاً لاعقلانياً بمنطق اللبرالية الجديدة ذات نفسه حيث "لم تستطع مؤسسات القطاع الخاص تكوين درجة من الاستقلالية مع وجود المؤسسة العسكرية التي فرضت مناخا شبه احتكاري على القطاعات الاقتصادية الكبرى في السودان" كما وضّح شريف مراد.
7. ورث رئيس وزراء الثورة واقع لئيم ولكنه استخدم منهج الظل (الدخل القش وما قال كَشْ) ؛ ومن الواقع أن الدولة العميقة تم فيها إحتضان واستثمار رجال الأعمال العسكريين لقوات الدعم السريع (الجنجويد) لتحارب نيابة عنهم كون مؤسستهم ما فاضية من البزنس ولها دنيا تصيبها خارج وظيفة المؤسسة العسكرية التقليدية المعروفة. لذلك كوّن حميدتي "إمبراطوريته إقتصادية عبر ميزانية مباشرة من عمر البشير خارج رقابة الدولة، ما منح قائد الدعم السريع امتيازات غير مسبوقة بعلم الدولة السودانية وعلى سمع النظام وبصره". (شريف مراد). وباتفاقية جوبا كرّرت الحكومة الإنتقالية ذات المنهج والفلسفة لضم الحركات المسلحة الي ذلك الإرث السقيم.
8. "لقد تحصّل حميدتي على تمويل ضخم من السعودية والإمارات مقابل مشاركة جزء من قواته ضمن التحالف العربي في اليمن… كما ثبت حصول مقربين منه على أموال من الدولتين الخليجيتين من خارج الموازنة. ومع مرور الوقت اتجه حميدتي نحو تعظيم موارده المالية واستغل الضوء الأخضر الذي منحه له النظام القديم علي جبل من ذهب أخذه "إيدية" من ضريب دمّه موسي هلال زعيم المحاميد. هكذا استمرت آليات تهريب المعدن اللامع وتحويل الأموال لحسابه الخاص وحسابات المقربين منه وقواد الميليشيات الموالين له".ومن خلال صناعة حميدتي تتم إعادة إنتاج قاعدة إجتماعية وحاضنة قوامها الأبوية/العشائرية والطائفية وجماعات الاسلام السياسي.
9. تري كيف ينجح "الإنفتاح الاقتصادي" الذى تغنّي به حمدوك ومشروع المؤسسات العالمية (سياسات التحرير الاقتصادي والسوق الحر) التي تطلب الشفافية والحوكمة ازاء هذه البنية؟ لكن د. حمدوك "غطي دي بطينة ودي بعجينة" وتناسي ضرورة أن تفرض الشفافية حول تفاصيل شركات المؤسسات العسكرية المالية والإقتصادية التي أصبحت دولة داخل الدولة.
10. منهج الظل ومنهج رزق اليوم باليوم كمشاريع المحفظة ومشروع ثمرات الإحساني الإغاثي تنطلق من تهرّب واضح من الإعتماد علي منهج تنموي إقتصادي يعتمد علي الموارد الذاتية علي المدي القصير والمتوسط. من الواضح أن هذه المشاريع قد تم طرحها "فقط لتمرير خطة إلغاء الدعم دون التفكير مطلقًا فيما إذا كان قابلا للتنفيذ أم لا" ( عباس عبد الكريم). كما أن مقترح تحويل 5 دولارات شهريا للفرد يشكل 8.5% فقط من الحد العالمى لخط الفقر!!. لاحظ د. عباس عبد الكريم أن من سمات الحكومة الانتقالية ، منذ البدء ، هو اتخاذ التضليل كنهج فى العمل السياسى والادارى. الشفافية – كمقابل للتضليل – تتطلب القدرة على المواجهة ، وذلك ما ينقص الحكومة سياسيا وفكريا. فحينما يصرح رئيس الوزراء بان "السودان سوف يعتمد على كوادره الوطنية وموارده الذاتيه" ، كان المعنى عكس ذلك تماما. وحينما يتم التحضير للمؤتمر الاقتصادى ويخرج بتوصيات" يكون د. حمدوك سلفاً قد وقّع قبل ذلك بايام مع صندوق النقد الدولى" (د. عباس عبد الكريم).
هذا النموذج الاقتصادي الجديد ، نموذج الساسة- رجال الأعمال ، يعد بذاته دليلا على فشل الدولة بعد ثورة ديسمبر التي كان عليها أن تبدأ في نسج خيط ناظم لعملية ديموقراطية حديثة تخرجنا من العبث والفهلوة والطفيلية حيث أصبح قادة المليشيات فوق الجميع. وفقا لتقرير مجلس الأمن، الأمم المتحدة ، 22 سبتمبر 2016 أن موسي هلال يتحصل علي مبلغ 54 مليون دولار سنوياً جراء سيطرتهم علي مناجم الذهب (راجع الفاضل الهاشمي ، التدخلات السياسية في تعدين الذهب ، 2017)، فآلت تلك الثروة الي الدعم السريع الذي ناب عن الدولة في "منع الهجرة غير الشرعية من وإلى السودان، إذ حصلت الميليشيا على مئات ملايين الدولارات من الإتحاد الأوروبي على مرأى البشير ومسمعه مقابل حراسة الحدود ومنع الهجرة إلى القارة العجوز. كانت نسبة كبيرة من أموال أوروبا تذهب مباشرة لحسابات خاصة يشرف عليها حميدتي ولا تقع تحت رقابة الأجهزة الحكومية في السودان ولا تدخل في الموازنة العامة للبلاد. وللمفارقة، فإن هذا التراجع الملحوظ للدولة السودانية بدأ منذ بدء إستراتيجية التمكين التي عصفت بمفهوم الدولة البرجوازي بوصفها بنية عقلانية مؤسسية محايدة لها استقلال نسبي عن التيارات السياسية، وعصفت بالقدر نفسه بمفهوم السوق الحر حين أدارته بطريقة استحواذية من أعلى و"منعت قيام قطاع خاص فعال ومجتمع مدني قوي، هذا الفشل قوّض الدولة وتسبب في صعود الميليشيا العشائرية ونموذج سوق الأعمال السياسي الذي تسبب في تحول الوظائف العامة للدولة إلى سلع تُباع وتُشترى في الأسواق مثلها مثل أي سلعة" ( شريف مراد). ليس هناك صوت عالي من الشق المدني للحكومة للتنبيه والحد من نموذج اقتصاد المليشيات وظاهرة الساسة- رجال الأعمال. منهج الظل الذي تبناه رئيس مجلس وزراء الثورة أنتج "تغابي العِرْفة" في تجميع قوي الثورة الحقيقيين مثل عشرات النماذج التي ذكرناها في هذا التفكيك ، فأختار أن يشير في مبادرته الي إعوجاج الظل دون عوده كون هناك أزمة انشقاق مدني-مدني ، ومدني عسكري ، وعسكري-عسكري وظلّ طوال أغلي عامين بعد ثورة يُضاير العيوب ويبارك أو يصمت عن الهفوات. جاء في أثر الطرفة/الحكمة الشعبية ، أن فلان يملك نعجة واحدة لا شريك لها وان ابن عمه يمتلك عشرات من النعاج ، فرأي أن يتركها معه ترعي ضمن قطيعه. بعد إنقضاء اسبوع من ذلك التاريخ إتّصل به ابن عمه قائلاً ان الذئاب قد أكلت نعجتك. رد عليه صاحبها"لعل الذئاب لم تجد عنتاً ومشقة وهي تبحث عنها وسط نعاجك". والمجاز المراد من الحكمة أن هناك تحالف بين ابن العم حامي (حمي الثروة والثورة) إفتراضياً وبين الذئاب كونهم تكنوقراط وراسمالية طفيلية (مدنية وعسكرية). يبدو في حديث النعاج هنا أن الذئب بريئ من دم النعجة ودم بن يعقوب ذات نفسه ، ولكن العظة والحذر واجب من تحالف الذئاب الجدد.
[email protected]
المراجع:
1. تقرير وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل ومنظمة العمل الدولية (2013) ، الخرطوم؛ أشار اليه د. عباس عبد الكريم.
2. د. عباس عبد الكريم، مقدمة فى الاقتصاد السياسى للثورة والثورة المضادة في السودان، سبتمبر 2019 – مايو 2021 https://sudanile.com/archives/142731
3. صدقي كبلو ، 25 عاما على حكم الرأسمالية الطفيلية الاسلامية ، 2014 ، المقال متاح على شبكة الإنترنت.
4. هنا دبى : الشعب يريد ارجاع الفلوس ، عبدالرحمن الامين يكشف المستور
5. عبدالرحمن الأمين "هنا دبى : الشعب يريد ارجاع الفلوس عبدالرحمن الامين يكشف المستور". https://www.sudanakhbar.com/647761
تصريح السيد خلفان سعيد الكعبي النائب الأول لرئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة أبوظبي ، صحيفة السوداني في 11 فبراير 2012.
1. كلمة حمدوك في لقاء واشنطون ديسمبر 2019 علي اليوتيوب:
2. Navigating Sudan's Transition. A conversation with Prime Minister Abdalla Hamdok, December 5, 2019:
https://youtu.be/46BHYKp2AyE
1. شريف مراد ، 6 يوليو 2021 ، "من التمكين إلى سطوة المليشيات.. من يرث تركة الإنقاذ في السودان؟" الجزيرة نت. https://www.aljazeera.net/midan/reality/politics/2021/7/6/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%85%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%B1%D8%A9
2. د. عباس عبد الكريم ، في الاقتصاد السياسى للثورة (3) إجراءات تخفيف الاثار السلبية من رفع الدعم السير في التضليل الممنهج:
https://sudanile.com/archives/143167
1. الفاضل الهاشمي ، التدخلات السياسية في تعدين وتجارة الذهب في السودان ، تحديات الفساد وإنعدام الشفافية، المجموعة السودانية للديموقراطية أولا، 2017.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.