منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بثورة شعبية في العام 2019؛ تم الإعلان عن أكثر من (3) محاولات انقلابية في البلاد، ولم تظهر على السطح بصورة واضحة محاكمات للمتهمين بهذه المحاولات، قبل أن يتم الإعلان أمس الأول عن محاولة جديدة تم القضاء عليها في ذات اليوم، حسبما زعم قادة الجش السوداني، الأمر الذي أثار الشكوك حول حقيقة وجود محاولة انقلابية، وجعل المراقبين يؤكدون أن تنفيذ عملية انقلابية في ظل الأوضاع الحالية أمر ليس بالسهولة التي تم الإعلان عنها، مؤكدين أن الانقلابات العسكرية أصبحت شيئاً من الماضي ولم تعد هناك بيئة خصبة لذلك كما كان في السابق. وبعد الكشف عن المحاولة من قبل المكون العسكري في الحكومة الانتقالية، ثم الإعلان عن السيطرة على الأوضاع، اعتبر العديد من الناشطين السياسيين أن ما حدث مجرد مسرحية لانقلاب قادم ربما تمثل في تمسك المكون العسكري في السلطة بمنصب رئيس مجلس السيادة وعدم تسليمه للمدنيين كما تنص الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية. وقال مستشار رئيس الوزراء، ياسر عرمان – في مقال نشر أمس بصحيفة الديمقراطي – إن الانقلاب إنذارٌ مبكِّر للراغبين في الثورة والتغيير، وإنه لا سبيل للنجاح إلا بوحدة قوى الثورة والتغيير على أساس أجندة الثورة وتشكيل كتلتها الانتقالية. مضيفاً: "لم يتبق في أيدي الراغبين في الثورة إلا كرت الشارع والجماهير". وأوضح أن الانقلاب الحالي للراغبين في الشمولية، ربما هو مجرد قنبلة دخان، وإشارةٍ حمراء، وربما شديد الشبه بانقلاب القيادي الراحل بالنظام السابق الزبير محمد صالح، الذي سبق انقلاب الإنقاذ في 1989م، وتابع: "العاقل من لا يظن أن الأشياء هي الأشياء، من يفكر في انقلاب عليه أن يحدِّق في الثورة والجماهير، واحتقانات المجتمع وضعف مؤسسات الدولة، وليرقص بلا ساق". وزاد: "ما حدث بقدر ما هو كارثي، فهو فرصة لإعادة ترتيب أوراق الثورة والانتقال، والحاكمية للثورة والتغيير، والنصر للديسمبريين، وللحفاظ على الطابع السلمي والجماهيري للثورة، وفوق ذلك الحفاظ على وحدة السودان في خضم العواصف والأنواء الإقليمية ومخاطرها المُحدقة ببلادنا". من جانبه قال المحلل السياسي شمس الدين ضو البيت ل (مداميك)، إن عهد الانقلابات قد اختفى وبدأ في الانحسار في كثير من الدول التي كانت بها هذه الظاهرة "الظاهرة الانقلابية"، وأوضح أن هذه الظاهرة بدأت تتلاشى منذ أواخر الثمانينيات بصورة كبيرة في المنطقة حول السودان أو ما يشبهها في دول أمريكا اللاتينية، مبيناً أن السودان كان اسثناءً من الفكر الذي كان سائداً، وكانت المؤسسات العسكرية قد قبلت بفكر الدولة الديمقراطية المدنية التنموية المستديمة. وأشار إلى أن السودان أسقط من قبل ديكتاتوريتين قبل الربيع العربي في فترتين مختلفتين، وبعد ذلك جاءت ثورة ديسمبر المجيدة في سلميتها وشعارات قوية وأسقطت نظاماً عسكرياً متدثراً بالدين، مؤكداً أن أي عملية انقلابية جديدة لن تنجح، وأي محاولة سوف تكون حركة يائسة لفرض ما لا يمكن فرضه، ولا يمكن فرض ديكتاتورية الدولة الدينية في وقت قد تجاوزها الوعي والتاريخ الإنساني. ومن جانبه، قال المحلل السياسي محجوب الفاتح ل (مداميك)، إن المحاولة الانقلابية المزعومة الأخيرة بقيادة اللواء عبد الباقي حسن بكراوي، هي بحكم طبيعة تحركها حركة تذمر واحتجاج وليست حركة انقلاب، وبرر ذلك بأنها بالرغم من سيطرتها على مدرعات الشجرة إلا أنها لم تحرك دبابة واحدة خارج المقر العام، ومع أن ضباطاً من منطقة وادي سيدنا ومن أمدرمان العسكرية شاركوا فيها، إلا أنه لم تتحرك وحدة واحدة خارج المناطق العسكرية. وأضاف: "عليه فإنها غالباً حركة احتجاج وتذمر من الوضع المعيشي الخانق، ومن عدم وجود حصانة لأفراد الجيش أثناء تأدية مهامهم لتأمين المناطق العسكرية، وأيضاً الالتباس الواضح في العلاقة بين المكونين العسكري والمدني، وكذلك العلاقة مع الدعم السريع، وأيضاً العلاقة مع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام"، وأوضح أن ذلك يؤكد التسريب المسجل لقائد الانقلاب الذي أعلن فيه في وقت سابق عن تحفظات واضحة على طبيعة العلاقة بين الجيش والدعم السريع. واعتبر الفاتح أن أكبر مفاجأة حدثت هي البرود الكبير الذي واجه به المواطنون قصة الانقلاب، إذ لم يخرج أحد للتظاهر في الخرطوم رداً على الدعوات التي أطلقها عضو مجلس السيادة محمد الفكي، ولم يهتم أحد بقصة ضياع الحكومة الانتقالية، ولهذا يجب على الحكومة الانتقالية أن تضع اهتمامات المواطنين المعيشية في أعلى أجندتها، بدلاً عن سياستها الحالية التي تقوم على تجاهل شبه تام لأولويات المواطنين المعيشية. مداميك