مع إعلان السلطات في الحادي والعشرين من سبتمبر إحباط محاولة انقلابية تورط فيها مجموعة من العسكريين، ازداد المشهد السياسي تعقيدا في السودان بعد التجاذبات والاتهامات المتبادلة بين قطبي السلطة، ما يعقد أزمات السودان ويهدد نجاح المرحلة الانتقالية. الخرطوم – هاجمت قوات الأمن السودانية وكرا للمتطرفين في الخرطوم الاثنين بعد أيام من مداهمة خلية مرتبطة بتنظيم داعش، ما يعني أن هناك اتجاها لخوض المعركة المؤجلة ضد المتشددين، وهو ما يزيد من التحديات التي تواجهها السلطة التنفيذية في ظل التباعد الحاصل بين المكونين العسكري والمدني. وبعث المكون العسكري بإشارات عديدة برهنت على ارتياحه الضمني لتوقيع عدد من القوى السياسية والحركات المسلحة المنضوية داخل قوى الحرية والتغيير على ميثاق "التوافق الوطني" السبت والذي يعد بمثابة انشقاق كبير في صفوف التحالف الحكومي المدني. وقال العميد طاهر أبوهاجة المستشار الإعلامي للفريق أول عبدالفتاح البرهان في تصريحات صحافية الأحد إن العودة إلى منصة تأسيس قوى الحرية والتغيير هي عودة إلى الحق والتوافق الوطني الشامل، ومن يرفضون ذلك ستتجاوزهم الأحداث ولن يستطيعوا الوقوف في وجه ما وصفه بالتيار الجماهيري الجارف. وأثار تسريب خطاب يحمل توقيع مجلس السيادة السوداني يدعو وزارة الخارجية إلى توجيه دعوات إلى رؤساء البعثات الدبلوماسية والمنظمات الإقليمية والدولية المعتمدة لدى السودان لحضور حفل توحيد قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية جدلا واسعا في السودان، ولم يكن نفي المجلس له كافيًا لإقناع القوى السياسية والمواطنين مع اشتعال الخلافات بين المدنيين والعسكريين.ويرى مراقبون أن بصمات العسكريين بدت ظاهرة على بعض الانقسامات التي شهدتها المرحلة الانتقالية على مستوى العلاقة بين الأحزاب السياسية والحركات المسلحة أو على مستوى استقطاب بعض المكونات داخل الحرية والتغيير على حساب أخرى، ما قاد إلى انسحاب عدد من الأحزاب قبل أن يتفكك التحالف الحكومي إلى كتل. ولدى دوائر بمجلس السيادة قناعة بأن التحديات الأمنية والخلافات السياسية تخدم مباشرة مصالح المجلس العسكري الذي يسعى جاهداً لإحكام قبضته على هذه الفترة، ويحاول تجاوز أي مطالب مدنية تضغط باتجاه أن تكون القوى السياسية شريكة في عملية إصلاح الأجهزة الأمنية، ما يشكل تغولاً غير مرحب به من الجيش. وتحقق مسألة تشكيل جسم جديد يحمل صفة واسم الحرية والتغيير أهدافاً مباشرة للمكون العسكري، حيث يبدد حظوظ المدنيين في استلام رئاسة مجلس السيادة، ويجعل هناك مبررا للمكون العسكري ليمضي في خطواته نحو التعامل مع استحقاقات المرحلة الانتقالية كطرف متماسك لديه القدرة على الحسم مقابل تفكك أصاب التحالف المدني. وتؤدي حالة التشرذم التي تعاني منها مكونات سياسية ومسلحة عديدة وبعثرة أوراق القوى المدنية إلى زيادة السيولة في المركز والهامش وسيكون من الصعب تطويقها بسبب كثرة التحالفات والتناقضات بين القوى المختلفة. وفي تلك الحالة قد تغيب نقاط الالتقاء التي تسهم في حلحلة الأزمات المشتعلة، ويجد المكون العسكري نفسه أمام حالة من الفوضى دون أن يحظى بدعم دولي يساعده على التعامل معها ووأدها بالقوة. وأوضحت المحللة السياسية درة قمبو أن التفكك الذي أصاب القوى الثورية يهزم كل أطراف المرحلة الانتقالية، ومع أن المكون العسكري قد يحقق بعض المكاسب جراء تلك الانقسامات، لكن ستكون أمامه معضلة كبيرة تتعلق بمدى قبوله من الشارع. وأضافت في تصريح ل"العرب" أن الانقسام الحالي يدمر الحياة السياسية الهشة وستكون له انعكاسات مباشرة على تماسك النسيج الوطني، لأن هناك قوى ما تزال تحركها الأهداف القبلية في حين أن السودان كبلد منهك ويحاول الخروج من سنوات القمع والحروب الأهلية والحكم العسكري الإخواني لن يتحمل تشرذما جديدا. وتوقعت أن تذهب الأمور إلى التأزم بشكل أكبر في الفترة المقبلة مع تيقن المدنيين بضلوع العسكريين في الأحداث الأخيرة، وأن ما يدفع الجيش إلى تغيير موقفه يتمثل في ضغط الشارع الذي وجه إنذارا مبكرا لكافة القوى في مواكب الحكم المدني قبل أيام وأثبت أن الحالة الثورية ما تزال قائمة. ولعل ذلك ما دفع رئيس مجلس السيادة إلى توظيف مرور الذكرى الأولى لتوقيع اتفاق جوبا للسلام من أجل استبدال لغة الصدام والخلافات بنبرة تصالحية هادئة، مؤكداً فيها الحفاظ على ما جرى التوافق حوله في الوثيقة الدستورية من شراكة ترعى وتحمي الانتقال حتى الوصول إلى غاياته المنشودة بتنظيم انتخابات حرة نزيهة. وأكد البرهان الأحد التزامه بتنفيذ بنود اتفاق سلام جوبا، ودعا الحركة الشعبية جناح عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان جناح عبدالواحد نور للانضمام إلى عملية السلام الشاملة من دون استثناء أي من مكونات الشعب، مشددا على مزيد من الجهد لاستكمال تنفيذ بنود الاتفاقية، خاصة الترتيبات الأمنية وتعويض التأخير فيها. وذهب متابعون إلى التأكيد على أن الساعات الماضية كانت شاهدة على تدخل أطراف عديدة لتضييق الهوة بين المدنيين والعسكريين، وأن أصوات الحكمة متوقع أن تلعب دوراً في خفض التصعيد العلني بين الطرفين، لكن ستكون هناك معوقات رئيسية تتمثل في الطرف الذي يتولي زمام إدارة المرحلة الانتقالية بعد انتهاء مدة العسكريين. وهو ما عبرت عنه تصريحات عدة لكل من البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو اللذين تحدثا حول ضرورة أن يكون الحل شاملاً ومؤسسياً لتسوية القضايا الراهنة بصورة جذرية، بما لا يمنع من الدخول في تفاصيل خلافات المدنيين والحركات المسلحة التي توجد صعوبات في التوافق حولها لاستكمال استحقاقات المرحلة الانتقالية. وأشار المحلل السياسي مرتضي الغالي إلى أن إدراك المكون العسكري بعدم قبوله من المجتمع الدولي كطرف يقبع على رأس السلطة مقابل إزاحة المدنيين يجعله لا يستفيد من خلافات القوى السياسية، وأن مواقف الولاياتالمتحدة ومنظمة الأممالمتحدة ودول الترويكا من الخلافات منحته إشارات على أن مضيه في هذا الطريق لن يأتي بمكاسب سياسية له في المستقبل. ولفت في تصريح ل"العرب" إلى أن التباين داخل الجيش واضطراب العلاقة بين القوات المسلحة والدعم السريع من العوامل التي تقوض أي مكاسب مستقبلية، لأن القيادات الحالية لا تجد الرضاء الكامل داخل المنظومة العسكرية، وبالتوازي مع ذلك تحاصر بدعوات تنادي بإعادة شركات الجيش إلى مؤسسات الدولة المدنية. ومنذ الحادي والعشرين من أغسطس 2019 يعيش السودان فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في الثالث من أكتوبر الماضي.