حول قرار المحكمة العليا/ دائرة الطعون الإدارية بإعادة فلول القضاة والمستشارين للخدمة سمير شيخ إدريس المحامي القرار الصادر من المحكمة العليا/ دائرة الطعون الإدارية، الذى قضى بإعادة عدد مقدر من القضاة والمستشارين من فلول النظام البائد للخدمة، لا شك يعد إحدى الضربات القاصمة التي ظلت تتلقاها الثورة، ويضاف للمحاولات المستمرة من أجل إجهاضها من قبل جهات عديدة لا تقتصر على فلول النظام البائد فحسب، بل تأتي في بعضها من منسوبي حكومة الثورة نفسها من المدنيين، على اعتبار المكون العسكري امتداداً طبيعياً وممثلاً للنظام البائد . ظلت لجنة تفكيك التمكين تقاتل وحدها، بظن أنها الأداة الأكثر فعالية في تحقيق أهم أهداف الثورة، وأجلَّها على الإطلاق، وهو تفكيك النظام البائد وتنقية الدولة من عناصره. ولكن ظهر منذ بداية تكوينها ضعف في بعض الجوانب الفنية والقانونية في تشكيلها، وعلى الرغم من محاولة منسوبيها معالجة أوجه القصور وتقوية اللجنة، بتعديل قانون تفكيك التمكين سنة 2020، إلا أن التعديل لم يأتِ كمصدة تمتن من عودها وسط عواتي معاول الهدم، التي تكاثرت عليها يوماً بعد يوم . إن القرار الصادر من دائرة الطعون الإدارية بالمحكمة العليا لن يكون المعول الأخير الذي ينتاش، ليس أعمال اللجنة فحسب، بل وجودها في أساسه، ولن يهدأ حتى يقبرها للأبد. ولا أرى أن القرار المحتفى به في أوساط أعداء الثورة، قد جاء بسبب قوة حيثياته وحجته القانونية، فالقرار به العديد من الثغرات التي سنأتي لها في حينها، بل تضافرت عوامل عدة أدت لأن يكون للقرار أثر وفاعلية وموطئ قدم، ليستند إليه، وليست اللجنة وحدها مسؤولة عن ترك التغرات التي نفذ منها القرار وبنى حجته، بل إن الأمر أعمق وهو نتيجة لمقدمات طبيعية سبقته يتحمل كثرون من المحسوبين كجند للثورة، وزر ما آلت إليه الأمور ومهدت له، ومنها : اللجنة كانت في أمس الحاجة لغطاء قانوني يسند ظهرها ويزيل المآخذ القانونية التي ثارت حول طبيعة تشكيلها منذ البدء، وأقصد بذلك التراخي الكبير الذي حدث في إهمال عملية الإصلاح القانوني للأجهزة العدلية. فلو تم ذلك الأمر لكفى اللجنة مشقة ما حدث، فليس هناك مبرر لعدم تفعيل قانون مفوضية الإصلاح القانوني لسنة 2020، الذي تمت إجازته قبل أكثر من عام، ولم يتحرك القائمون عليه قيد أنملة، وهو المنوط به قضية بناء العدالة كمفهوم وقيمة قبل قيام المؤسسات العدلية نفسها، فالقانون منوط به إنشاء مفوضية الإصلاح القانوني لتقيم مجلس القضاء العالي ومجلس النيابة الأعلى وفقاً للوثيقة الدستورية. وحسب تشكيلة المجلسين كان من السهل أن ينجزا المهام الكبيرة الممثلة في اختيار رئيس القضاء والنائب العام وقضاة المحكمة الدستورية وتشكيلها، بالإضافة لإزالة التمكين بهذه الأجهزة وبدء عملية إصلاح واسعة، لما حاق بها من خراب. ونحسب أن تشكيل المفوضية إذا سلمنا بفساد الشق المتعلق بالقضاء والنيابة في عضويتها، فإن تشكيلة الأجسام الأخرى بها من نقيب المحامين ووزير العدل والقانونيين المستقلين، كانت ستمثل أغلبية في توجيه المؤسسات العدلية نحو عملية إصلاح حقيقية، ولكفت لجنة التمكين من أعباء كثيرة، ولا شك أن هذا الإهمال غير مسؤولة عنه اللجنة، وتُسأل عنه الحكومة التنفيذية التي لم تهتم بتوفير مقر للجنة، مما أقعدها عن الالتئام, وكذلك وزارة العدل ونقابة المحامين والمنظمات العدلية التي لم نر لها دورها الواجب القيام به، كرأس الرمح في مسائل الإصلاح القانوني ومبادئ العدالة. إذعان المكون المدني للعسكر في السلطة التشريعية المشتركة، التي يناط بها تشكيل اللجنة الاستئنافية لقرارات التمكين، فهي لم تكن جادة في بداية الأمر بتشكيلها من أشخاص ليسوا ذوي خلفية قانونية، ثم عدم الاهتمام بقيامها بعد ذلك، وهو الأمر الذي نفذ منه الفلول مباشرة نحو سلطة القضاء للطعن في قرارات اللجنة الذي أوجدته دائرة الطعون حجة في قبول الطعن، بحسبان أن عدم قيام اللجنة الاستئنافية لمدة تسعة أشهر، هو هدر للعدالة ومخالفة للقانون الإداري الذي يعتبر عدم الفصل في التظلم لمدة شهر بمثابة رفض له، مما يستوجب الطعن فيه لدى الدرجة الاستئنافية الأعلى (المواد 4/5 قانون القضاء الإداري 2005 تعديل 2017). كذلك فإن الإصلاح القانوني كان سيهيئ التربة الصالحة لقيام دائرة استئناف على درجة من النزاهة بعد تنقية السلطة القضائية بدلاً من الدائرة التي تشكلت من رئيس لها مشهود بمعاداته للجنة التفكيك وأعضائها، الذين شملهم الكشف الأخير، وهي أسباب قوية لجعل القرارات الصادرة عنها متحيزة ضد اللجنة. تغليب الطابع السياسي على القانوني في أعمال اللجنة، أمر أدى لتضخيمه بسبب المناخ السياسي العام بالبلاد. فاللجنة في طبيعتها وأصلها لجنة قانونية على الرغم من كونها تعمل على تفكيك نظام سياسي يصبغها بصبغة سياسية، لكن جنوح أعضائها نحو الانجرار للخصومات والتشاكس مع بعض الجهات، وجه الآلة الإعلامية نحوها وكأنها أداة تصفية حسابات وتشفٍ تجاه البعض، وتمت تغذية هذه الفكرة من أعضاء اللجنة بالانجرار نحو "البروباغندا" السياسية، على حساب تمتين العمل القانوني . عدم تحصين اللجنة بقانونيين من ذوي الدراية الواسعة للعمل معها كمستشار قانوني، يضطلع بإكمال النواقص القانونية ومجابهة المعارك القانونية تجاه العسكر والفلول، مما يتيح لها المساحة الكافية والعمل بتفرغ نحو الملفات التي بيدها، وإزالة التناقضات حول الإشكالات القانونية التي صاحبت أمر تأسيسها من حيث السلطات والصلاحيات وقيام النيابة الخاصة بها أو اعتماد النيابة العامة وعلاقتها بأجهزة الشرطة والقضاء وسلطات الحبس والقبض والمصادرة. ولا شك أن هذا القصور تجلى في الدفع الذي تقدمت به مستشاريتها القانونية على عريضة الطعن الذي جاء مبتسراً وتعوزه الحجة القانونية حتى وصفته الدائرة في قرار الطعن، بأنه رد ساذج . إن ما تواجهه لجنة إزالة التمكين ليس فقط الخروج من المأزق القانوني حول هدم صرح أعمالها، بسبب الطعن الإداري القاضي بإعادة الفلول، بل إن الأمر سيتعدى ذلك بأنه سيفتح شهية كل من صدر قرار بحقه في سلك ذات الطريق، لهدم مزيد من القرارات التي تم اتخاذها، بحيث إنه قد يؤدي لنسف كل ما قامت به وتصبح اللجنة كأنها لم تقم من الأساس، رغم كل الجهد و"العرق" الذي سيذهب نحو الهواء. وهذا الأمر يتضح من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته عقب القرارات الصادرة، فقد بدا على الأستاذ وجدي صالح تشويش في رؤية مناهضة هذه القرارات، ولم يجب بشكل قاطع عن السبيل القانوني الذي سيسلكونه لمناهضتها، واكتفى بأنهم لا يريدون كشف أوراقهم، لما سيقومون به وهو ليس بحديث القانوني الضليع، العالم بوجهته وفقاً للقانون، وقد جاءت غالبية المؤتمر الصحفي تفنيداً للجوانب السياسية للقرار، وهي ليست كافية لمناهضته بل يناهض بحجة قانونية واضحة. وأكثر ما أخشى أنهم لم يتوصلوا لما ينبغي القيام به. فقانون إزالة التمكين نص على أن قرار دائرة الطعون نهائي، لا يجوز الطعن فيه، وهي بحق معضلة قانونية غاية في الصعوبة إمكانية حلها . على الجانب الآخر، فإن القرارات الصادرة على الرغم مما بُذل فيها من جهد لتبدو متماسكة الحجة القانونية، ويسندها مبدأ العدالة وإنصاف المظلومين، إلا أن بها كثير من المآخذ : القرارات تخطت مرحلة استئنافية وقامت بالفصل في قرار اللجنة مباشرة، بما يخلف القانون على الرغم من تبرير المحكمة لذلك، بأن تعطيل الفصل في المظالم كل هذه المدة بمثابة رفض للاستئناف وليس للمضرور يد في عدم قيام لجنة الاستئناف. محكمة الطعون فصلت في الطعون دون النظر في حيثيات القرار ودون إرفاق صورة من القرار، فإذا كانت قد تجاوزت عن إرفاق قرار اللجنة، فكان بإمكانها مخاطبة لجنة إزالة التمكين بطلب الملفات التي تحوي حيثيات القرار الأصلي، فليس من المعقول أن يتم نظر الطعن على التخيل والاستنتاج، وحتى إذا رفضت اللجنة طلبها فإنه سيكون مبرراً لسيرها في الطعن على الهواء كما فعلت. هناك اثنان من القضاة الذين قاموا بالفصل في الطعن، شملهما قرار إنهاء الخدمة الأخير، وهما القاضي معاوية والقاضي عمر بلال، ورغم ذلك صدر القرار يحمل توقيعهما بالإنابة، وغالباً هو توقيع رئيس الدائرة، ما يجعل القرار في حكم البطلان، حيث إنه صدر عن قاضٍ واحد، بما يخالف القانون في أمر تشكيل الدائرة، حيث إن القاضيين الآخرين خارج ولاية القضاء عند صدور القرار، وكان الأوجب إعادة تشكيل الدائرة ببديل لهما . بصدور القرارات ضد لجنة إزالة التمكين من السلطة القضائية، فإن الأمر يجعل العدالة والثورة برمتها على المحك. فعودة قضاة ينتمون لفلول النظام السابق في ظل وجود ملفات بالمحاكم يحاكم فيها منسوبو النظام البائد تحت مواد تتعلق بالقتل والفساد والانتهاكات، أشبه بطوق النجاة للمجرمين وطمس جرائمهم، إذا ما آلت أمور مصائرهم إلى يد من قاسموهم الفساد وولاية النعم سابقاً، مما سيعصف بحق الشهداء والمظلومين، وإمكانية قيام دولة العدالة وحكم القانون . لذلك، فإن المعركة التالية على عاتق لجنة إزالة التمكين وكافة القانونيين والجماهير، لا تتعلق بمناهضة قرار المحكمة العليا بإعادة الفلول لأجهزة العدالة، بل يتوجب كونها معركة شاملة من أجل إصلاح حقيقي للأجهزة العدلية، وبناء دولة القانون، تحقيقاً لأهداف الثورة . وفي انتظار الأستاذ وجدى واللجنة في وسائله القانونية التي صرّح بها للخروج من هذا المأزق القانوني بالحذاقة المطلوبة.