إن مسرح الفوضى والإرباك الذي تشهده الساحة السياسية اليوم، يعود إلى فشل المكون العسكري عن القيام بدوره في حماية هذا البلد بالتواطؤ والمصالح المشتركة مع فلول الإسلاميين، وبالتقاعس عن قمع ومحاربة الذين يعرقلون مسيرة أهداف ثورة ديسمبر، بدءًا بعدم تمليك المعلومات حول محاولة اغتيال السيد رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك في 10 مارس 2020 وهي تعد أول حادثة إرهابية من نوعها شهدتها البلاد في تاريخها السياسي، إذ لم يتم استهداف المجرم الإخواني المخلوع عمر البشير رغم أن سجله حافل بالدماء والفساد والعمالة الخارجية.. ثم فجاءة تخرج جماعة تدعي الانتماء لداعش تسمي نفسها (التيار الرسالي للدعوة والاقتتال – ولاية السودان) تقوم بترويع المواطنين في حي جبرة بجنوب الخرطوم وتقتل خمسة وتصيب خمسة آخرين من ضباط جهاز الأمن والمخابرات، كما تتبنى محاولة اغتيال رئيس الوزراء السابقة! وتتوالى الأخبار بحادثة إرهابية أخرى يوم الاثنين 4 أكتوبر تم فيها مقتل أربع من المتطرفين واعتقال اثنين بواسطة القوات المشتركة وبمساعدة الدعم السريع، وقد زار السيد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان موقع الحادث! الشاهد أن انفجار بركان التطرف والعنف في هذا التوقيت، إلى الحد الذي تعلن فيه جماعات إرهابية عن نفسها دون وجل، متباهية بأنها سودانية المنشأ بأعضاء أجانب، وتقوم بتصفية وقتل رجال الشرطة بالأسلحة والرشاشات، يؤكد على ضلوع الإسلاميين في هذه الفتنة، ويؤكد أن الذي يجري ما هو إلا عمل منظم، يساهم فيه المكون العسكري بتواطؤ الجنرال البرهان بدهاء إخواني متقن الحبكة! وذلك بإسهامه في السيولة الأمنية، وجعل البلاد مسرحاً للفوضى، مجددًا رهن قيام المؤسسة العسكرية بواجبها، بوصايته على الثورة وبالحصانة للمكون العسكري، كما كان سابق العهد وإلا فلا أمان للشعب! كما رعى البرهان بالصمت الخؤون التمرد القبلي في الشرق الذي أعلى سقف مطالبه بالانفصال وإقالة الحكومة! كما أننا لأول مره نشهد انقلاب عسكري على شاكلة الاستعراض العسكري، يربت فيه القادة على أكتاف الانقلابيين بلا محاكمات أو معلومات كافية حوله صحته من زيفه!! والمتابع للأزمات المتلاحقة التي أعقبت سقوط حكومة الإخوان المسلمين وما تواجهه الحكومة الانتقالية ولجنة تفيك النظام البائد من معارك ومؤامرات! يدرك أن التآمر الحادث هو تحقيق لما توعد به الإخواني علي عثمان طه، سجين كوبر الآن والنائب الأول للمخلوع البشير، حينما قال: (أقول لهم لا تلمزوا قناة، الآن هذا النظام تحميه كتائب ومجموعات هي علي استعداد للتضحية ليس فقط، هي تقف من وراء مؤسسات الدولة نعم، التي هي مطلوب منها أن تقوم بدورها في إدارة الحياة المدنية العادية، في تيسير دولاب الحياة ولكن هنالك كتائب ظل كاملة يعرفونها وأحسن نقول ليهم هي موجودة، تدافع عن هذا النظام إذا ما احتاج الأمر لتسيير دولاب العمل، تقوم بمهام العمل المدني، و تدافع عن هذا النظام إذا ما اقتضى الأمر التضحية بالروح).. فيديو قناة سودانية 24 لقاء طاهر التوم 8 يناير 2019.. والإقرار بكتائب الظل ليست بفزاعة لتغبيش الوعي الجمعي، أو وسيلة للتغاضي عن إخفاقات الحكومة الانتقالية، ومعايب ومحاصصات قوى الحرية والتغيير، وانعدام الرؤية الواضحة لتحقيق مطالب الثورة، بقدر ما هو واقع بمعرفة سوء جماعة الإخوان المسلمين، وكتائب الظل هي ظلال من مرجعية العنف في فهمهم الديني (أيها الإخوان إنّ الأمّة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموت الشريف يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة) – رسائل البنّا صفحة 6. إذن فإن ما يجري في الساحة هو فعل كيدي تراكمي في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، يهدف لعرقلة استكمال هياكل الفترة الانتقالية، وتقويض التحول الديموقراطي.. هو فعل لم يتوقف منذ مظاهرات الزحف الجهادي بقيادة المهووس عبد الحي يوسف وخطب رجال الدين الذين كفروا حمدوك، وملاحقة النساء بالعنف والتحرش، والتصدي لمظاهرات الشباب السلمية بالعصي والضرب، وطمر الدقيق والوقود في باطن الأرض، ونشاط تجارة العملة والسوق الأسود، وظهور العصابات مثل (تسعة طويلة)، وتخريب سكك حديد السودان وخطوط نقل الكهرباء، وقطع طريق التحدي.. ويتجلى الصنيع الإخواني القبيح في إزكاء نيران الفتنة القبلية في مشاكل الكنابي في الجزيرة والولايات الشمالية، وكيف جاز منع خمسين طفل من أطفال كمبو القرية (10) بحلفا الجديدة من المشاركة المدرسية مع رفقائهم الطلبة، (منقول من وسائط التواصل الاجتماعي).. إن التمايز بين الأطفال السودانيين في المدارس هو أبشع صور العنصرية مهما تعددت الأسباب والحجج! وهو عمل لا يمت لثورة ديسمبر بصلة، بل لا يشبه أخلاق السودانيين في التراحم وحسن الجوار، وقد كنا نستنكره عندما يحدث في بلدان أخرى وبعيدة عنا مثل لبنان. إن المكون العسكري الإخواني برئاسة البرهان يهمل في حماية هذ البلد عن قصد مبيت لمكايدة المدنيين، مما أثقل كاهل المواطنين الصبارين بالمعاناة المستمرة والضغوط الاقتصادية وتدهور الأحوال الصحية والتعليمية. وقد أكد الشارع للمكون العسكري أن الردة عن الديموقراطية مستحيلة، كما قابل المجتمع الدولي هذه الفوضى بإنذار من دول الترويكا وإلزام الحكومة بتنفيذ المجلس التشريعي، واستكمال محادثات السلام وأنه لا سند للانقلابات، ولا مجال لعودة الإخوان المسلمين للمشهد السياسي، بعد أن لقنتهم الثورة درساً في الصمود والتصدي عرى أوهام إنهم تنظيم (تحرسه من قبل ومن بعد عناية الله سبحانه وتعالى)! الميدان ________