حمدوك الثاني .. ظلم نفسه وأحبط مؤيديه ! كنت واحدا ممن هاجموا قبول حمدوك ضمن أعداد هائلة من الرافضين لقبوله العمل مع الانقلابي البرهان وتحت وصايته ولم أتعرض لشخص حمدوك كأكاديمي أو خبير لكنني قلت وسأكرر إنه ضعيف سياسيا ولا يصلح لقيادة حكومة ثورة مع عساكر متسلطين وأنه أضاع فرصة قهر العسكر بجماهيرية لم تتح لغيره من الزعماء عبر تاريخ السودان الحديث منذ الاستقلال ونتفق مع كل الذين مدحوه خلقا وأخلاقا لكن السياسة لعبة قذرة وهي مثل كرة القدم لا يكون النصر فيها إلا بإطلاق الحكم صافرة النهاية وقد يحدث أي خطأ قاتل في الثانية الأخيرة فيفقد الفريق كل ما قام به من أداء جيد خلال كل زمن المباراة .. وذلك ما حدث لحمدوك حيث صمد طوال المباراة لكنه أحرز بنفسه هدفا قاتلا في مرماه ليكسب الخصم .!!. حمدوك الثاني بعد الانقلاب ليس كحمدوك الأول قبل الانقلاب ولن يكون .. ويكفي فقط ما أحدثه قراره من تقسيم المقسم أكثر مما كان عليه وشق صف المعارضين للانقلاب حتى بين قوى الحرية والتغيير فيما خرج جماعة الانقلاب " المزنوقين " إلى بر السلامة مع أن أياديهم تلطخت بدماء أربعين شهيدا وشهيدة " فقط " ثمنا لخروجهم المشرف من العقاب والحساب .. لكن لماذا ننتقد أداء حمدوك ونقف ضد ما جرى ؟؟ . أولا : حمدوك نفسه كان على علم بالانقلاب وتفاصيله وذلك ليس رجما بالغيب ولا تحليلا بل مما جاء على لسان عبد الفتاح البرهان في حديثه المبثوث على الفضائيات ثاني يوم للانقلاب حين أعلن بلسانه أنه شاور حمدوك وطلب منه المشاركة فيما سماه " تصحيح المسار " بل ترجاه أن يخرجا معا ويعلنان للشعب قرارات حل الحكومة ومجلس السيادة لكن حمدوك رفض .. ألا يعني هذا أن حمدوك نفسه مسئول مسئولية مباشرة عن الانقلاب ؟؟ لماذا لم يخرج للناس محذرا مما ينوي العسكر القيام به ويطالب الثوار بحماية ثورتهم من انقلاب وشيك ؟؟ بل لماذا لم يخطر قوى الحرية والتغيير صراحة بذلك حتى لو في اجتماع سري ويطلب مشورتهم في درء خطر الانقلاب ؟؟ بل لماذا لم يخبر المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان بما يريد العسكر القيام به حين التقاه قبل يوم واحد من الانقلاب ؟ " وإذا عجز عن ذلك فلم لم يتقدم باستقالته لكي يربك مخطط العسكريين ويكسب المزيد من الوقت ؟؟ .. باختصار حمدوك كان يعرف كل شيء وصمت على كل شيء حتى وقع الفأس في الرأس وخسرنا كل تلك الأرواح لتعود " حليمة لعادتها القديمة " ويعود حمدوك لمنصبه ويعود السلطان البرهان منتصرا بعد أن " حبس شريكه ووزراءه " ونكل بهم وما زال . ثانيا : قرار حمدوك جاء في وقت غير مناسب بدعوى حقن الدماء ولا نعرف دماء من يحقنها حمدوك فالقاتل هم العسكر والقوات الأمنية وببساطة على القاتل أن يكف عن القتل ويحقن الدماء أما طرف المعادلة الآخر وهم أبناء الشعب الرافضين للانقلاب فيجب عليهم بحسب اتفاق البرهان حمدوك " الصمت وعدم التظاهر " وفي معادلة كهذه كيف ندعو لدولة الحرية والعدالة والديمقراطية والسلام ؟؟ كما أن قرار حمدوك جاء متأخرا بعد أن أزهقت الكثير من الأرواح البريئة ومقابل ذلك الدم كان لا بد أن يكون هناك ثمن يدفعه العسكر .. فما الذي دفعوه ؟؟ بل حتى أنه لم يتعهدوا بعدم تكرار قتل المتظاهرين .. !! ولماذا لم يسأل حمدوك قتلة المتظاهرين لمجرد تتريس شارع لمدة معلنة لا تزيد عن ساعات يعودون بعدها وتتم منعا لهجوم قوات القتل عليهم فيما وقفوا يتفرجون على من اعتصموا أمام القصر " رمز سيادة البلد والحكم " بل ومنعوا حتى مجلس السيادة من الاجتماع !! ؟؟ ولماذا تركوا مجموعة لا تحمل سوى العصي تغلق طريق شريان الحياة للسودان كله فمنعوا الناس من الغذاء والدواء ؟؟ فأيهما أخطر وأجدر باستخدام القوة ؟؟ ثالثا : بموافقة حمدوك و" غيره " أضاعوا فرصة تاريخية على الشعب وهو حسم سيطرة العسكر على السلطة فقد كان سقوطهم وشيكا وقاب قوسين أو أدنى وبلغت المظاهرات ذروتها و لم يزد سفك الدماء الثوار إلا عزيمة وإصرارا للتخلص من العسكر إلى الأبد في وقت كان فيه الضغط الدولي والإقليمي على أشده لكن حمدوك جاءهم بالفرج وفك خناقهم من حيث لم يحتسبوا ولو تركهم حمدوك ليسقطوا " ويدقوا الدلجة " ما تجرأ عسكري مرة أخرى للقفز بليل على السلطة ، أما وقد فعل فسوف يعودون كلما حكم المدنيون بمسببات واهية كالعادة أبرزها الانفلات الأمني والذي لا يصبح ظاهرة إلا بتهاون وتآمر منهم تمهيدا للقفز على السلطة . وقد يقول البعض إن العسكر جزء من السلطة بحكم الوثيقة الدستورية لكن الذي مزقها وألغاها وألغى الشراكة المدنية وسجن الشركاء يكون قد فقد حقه في هذه الشراكة في حال انتصرت كلمة الشعب الذي أعلنها داوية بعد الخيانة أن " لا شراكة " وحتى في حال التوافق فلا يجب أن يكون بأقل من ذهاب رموز المكون العسكري الحالي في الحكومة وأن على العسكريين اختيار بديل لهؤلاء المجرمين الذين يجب أن يحاسبوا على ما سفكوا من دماء سواء في فض اعتصام القيادة أو شهداء الثورة على الانقلاب. رابعا : حمدوك فوّت أو لنقل أخّر فرصة الشعب في الخلاص ليس من حكم الجيش فحسب بل التخلص من الثنائي البرهان / حميدتي وهي ثنائية ستؤدي لدمار السودان طال الزمن أم قصر وسقوطهما معا كان يمكن أن يعني نهاية ثنائية الجيش السوداني / الدعم السريع .. ليعود الجيش كما عرفناه جيشا واحدا ، وقد فات على كثير من المراقبين السياسيين أن يلحظوا أن الثنائية باقية رغم أن الاتفاق تضمن " العمل على بناء جيش قومي موحد " وهذه الفقرة فضفاضة وكان واضحا أنها لن تشمل الدعم السريع بدلالة أن البرهان قصد الإشارة بالإشادة للمدعو عبد الرحيم دقلو في التوصل للاتفاق ولا نعرف الصفة التي جعلته يخصه بالذكر من بين جميع من شاركوا فالمعنى أننا والدعم السريع شركاء فيما جرى وشركاء في المصير وباقون على هذه الشراكة. رايعا : ظل حمدوك يحدثنا عن لجان التحقيق وينسى أنه أصدر بنفسه قرار تشكيل لجنة فض الاعتصام ولم تنجز شيئا وسبق له أن شكل لجنة تحقيق في أحداث أخرى على أن تقدم تقريرها خلال أسبوع ولم نسمع بعدها عنها شيئا وخرج علينا قبل شهور قلائل بخارطة طريق قال فيها إنه سيعين النائب العام ورئيس القضاء والمجلس التشريعي خلال شهر وأضاف بالحرف " شهر يكفي ؟؟ أظنه كثير ".. وقد مرت شهور دون أن يفعل شيئا وبالتالي فإن وعود اللجان المتكررة لا قيمة لها ولا نتيجة منها ولا طائل من ورائها وعليه أن يكف عن الحديث عنها. خامسا : مرت ثلاثة أيام ولم يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وهو إطلاق سراح المعتقلين ولو كان حمدوك ومن معه مفاوضين جيدين لاشترطوا إضافة كلمة " كافة / جميع "المعتقلين ولتوصلوا لإطلاق سراحهم جميعا باعتبارهم أسرى الانقلابيين أما من لديه بعد ذلك ما يثبت اتهامات على أي فرد منهم فإن عليه التوجه للنائب العام وهو المخول بالقبض عليهم مجددا إن كانت هناك تجاوزات فعلا خاصة وأننا نعلم أن تلك الاتهامات كلها مكائد زائفة القصد منها التنكيل بمن واجهوهم وانتقدوهم وطالبوا برحيلهم من المسرح السياسي ومحاسبتهم. نلاحظ أن كثيرين يحاولون أن يخلقوا من حمدوك شخصية أسطورية .. تتميز بذكاء خارق .. وأنه انتصر على العسكريين وغير ذلك من الخزعبلات .. وإذا كانت الأمور بخواتيمها فإن حكومة حمدوك الثاني " حمدوك البرهان وقوى الميثاق الوطني " لن تحقق أي انجازات أفضل من حمدوك الأول " حمدوك قوى الحرية والتغيير " ، هذا إن استطاع أن يمضي للأمام .. كما أن هناك نغمة جديدة يعزفها حمدوك ومناوي وغيرهم عن أن " كثيرين " شاركوا في المفاوضات وهي محاولة لتبرئة حمدوك ونحن نعلم أنه لا يمكن أن تكون هناك قضية خلافية يمكن حلها دون مفاوضات من ممثلين للطرفين لكن من الواضح أن هذا الاتفاق يبدو وكأنه " ابن غير شرعي " فجميع من شاركوا فيه تنكروا له بل كانوا يعرفون سلفا أنه سيكون مرفوضا لذلك جاء كما لاحظنا في مقال سابق دون شهود .. فما الذي يجعل حمدوك يخفي أسماء المشاركين ؟ ولماذ لم يطلب التوقيع عليها من المشاركين سواء كأفراد أو ممثلين لأحزاب أو ضامنين للاتفاق من الوسطاء ولماذا جيء به وحيدا من " محبسه "بل لم تسبق ذلك إجراءات حفظ كرامته بالإعلان عن رفع الحبس الإجباريويجيء بعدها معززا مكرما للقاعة ؟ إن العيب ليس بالمشاركة في الحوار بشأن الاتفاق بل في الموافقة على صيغته النهائية التي خرج فيها حمدوك ومن معه دون مكاسب وهو ما يعني أن هذه الصيغة النهائية التي خرج بها الإعلان السياسي كانت محل خلاف أدى لانسحاب حتى من شاركوا فيها حتى المراحل الأخيرة وفي اللحظات الأخيرة .. وللأسف فقد تنازل المنتصر بالشعب المسيطر على الشارع لمن يحكم بالبندقية ويسيطر على القصر فأفلت.. فكانت النتيجة " حمدوك الثاني " الذي ظلم نفسه ولم نظلمه فقد منحه الشعب ثقته وتأييده ولكن تعرض للخديعة والضغط داخليا وإقليميا ودوليا فخضع و" حدس ما حدس ".!! أخر الأخبار : منشور من رئيس الوزراء بوقف جميع "التعيينات والإعفاءات" طيب وبعدين ؟؟ أما القضية الأساسية وهي قرارات البرهان أثناء الانقلاب بالإعفاء والتعيين التي أعفى فيها عددا كبيرا ممن عينتهم قوى الحرية والتغيير وممن عارضوا الانقلاب وعين بدلهم أعوان النظام البائد الذين أبعدهم حمدوك .. فسوف تخضع " للدراسة والتقييم والمراجعة " !! بحسب المنشور ، ألم نقل إن حمدوك خرج من مولد الاتفاق بلا حمص !!!؟ . [email protected]