1- اليوم يوم أحد . والأحد في ديسمبر ، وديسمبر هذا العام جدُّ كالح؛ قبيل أعياد الميلاد بأيام. المكان يعج بالضجيج بينما عقارب الساعة تأز ثم تطن طنينا. "لقد كفَّ السودانيون عن حب السودان"، هكذا ، عبر خطوط البي تي ، جاء صوته الضخم ذو النبرة الرائعة ، ذلك الصوت المحبب ، الصوت ذو النبرة ذات التبغ ، ذات العمق، ذات الجشاشة . غير أن صوته ، على نحو ما ، تردد الآن بأصداء تعبى ، أصداء كلمى تنبع من أغوار مرَّة من أيام حزينة ! لحدّ صوته الآن جراح! لصوته الآن ألوان قاتمة! صوته الآن مشرشر له ألم طاعن … "لقد كفَّ السودانيون عن حب السودان". ساد صمت. ثم غمغم "لقد كفَّوا عن أن يكونوا"؛ تناهت العبارة إلى أذني مثل عويل منغم ، غير أنه عويل على كل حال . "يبدو أنني أموت مع موت الوطن. الوطن الذي آمنت بأنه سيكون. ثم لم يكن"، قالها ثم أردف "لم يكن ولن يكون"، ثم سكت . ثم تنهد تنهد الحرقة ، تنهد الحسرة ، تحشرجت نبرته وهو يستأنف بجملة أشد قوة ، أشدّ قسوة "السودانيون لا يحبون السودان". "ماذا؟". "أظنك سمعتني على نحو جيد". عاد الصمت. "قلت لك السودانيون لا يحبون السودان. لقد كف السودانيون عن حب السودان ". "البلد انتهت". دون أن أشعر ندت عني صرخة كتيمة "لا! البلد موجودة!". "صدقني انتهت". عاد الصمت. [email protected]