قال المتنبي قديماً : "لكل داء دواء يستطاب به الا الحماقة اعيت من يداويها"، وهذا البيت ينطبق بحذافيره علي البرهان وحميرتي وبقية الانقلابيين من لجنة البشير الأمنية. نحن الآن نعيش اخر ايام نظام عمر البشير بحذافيرها ، او لعلنا نعيش بصورة ادق نفس الايام المشؤومة التي تلت فض اعتصام القيادة قبل أكثر من عامين ونصف بقليل . هناك غضب شعبي شديد وحراك جماهيري متواصل رافض للسلطة العسكرية الحاكمة ، يواجه المتظاهرين السلميين بقمع مفرط وقسوة شديده من عناصر امن الديكتاتور الحاكم الذي استجمع كل السلطات في يده ، انحدرت قوي الامن ومرتزقة الجنجويد وكتائب الظل في قمعها للثائرين والكنداكات الي مستويات منحطة في السفالة وانتهاك الحرمات لم يسبقهم اليها حاكم سوداني من قبل ، مع تواطئ مفضوح من النظام المصري ودول الخليج الطامعة في ثروات السودان (يكفي للدلالة على ذلك زيارات رئيس المخابرات المصرية المتكررة للسودان).
الانقلابيين لم يجدوا غير الحاويات الضخمة ليسدوا بها الشوارع امام المتظاهرين هذه المرة ، فيما عدا ذلك لم يأتوا بجديد ، فقد عجزوا عن ايقاف الاحتجاجات ، وفشلوا في تكوين حكومة (أياً كان رئيسها وأعضائها) لتسيير شؤون البلاد .
عضوية السودان في الإتحاد الافريقي معطلة ، شبح العقوبات الدولية يحوم حول رقاب العسكر المتورطين في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم ، ميزانيه العام المقبل تواجه ثقباَ اسود في التمويل لن تستطيع اموال السعودية والإمارات سده ، مع انعدام اي مصادر تمويل اخري نتيجة للمقاطعة الدولية للسودان ، السلطة الحاكمة تتحدث عن عزمها علي التجهيز للانتخابات المقبلة (الديموقراطية النزيهة علي طريقة السيسي) باعتبارها المخرج الوحيد من الأزمة السياسية التي تواجه البلاد .
الفقرة السابقة تصلح لوصف الوضع الراهن الآن في السودان كما كانت تصف بدقه الوضع في اخر ايام عمر البشير ، او الوضع في الايام التي تلت فض الاعتصام ، مما يعني ان البرهان وحميرتي يعيدان ارتكاب نفس الأخطاء السابقة ليحصدوا نفس النتيجة ، وليضعوا انفسهم في نفس الوضع المأزوم الذي وجد فيه عمر البشير نفسه قبل ان يسقط نظامه، وفي نفس الوضع المأزوم الذي وجدوا انفسهم فيه سابقاً قبل ان يرضخوا مرغمين لإرادة الشارع ويبدأوا في التفاوض مع قوي الحرية والتغيير ، وهذا لعمري هو تعريف الحماقة التي اعيت من يداويها حيث انها لا علاج لها ..
سيدرك الانقلابيين بعد فوات الأوان ان إرادة الشعوب لا تقهر ، وسينتزع الشعب السوداني منهم السلطة عاجلاً ام آجلاً ، وسينتهي بهم الحال في مزبلة التاريخ ، تشيعهم اللعنات وتطاردهم العدالة (الدنيوية و/ أو الألهية) ، ولنا في القذافي ومبارك وبن علي وصدام وعبدالله صالح وعمر البشير اسوة.
اخر ايام البرهان هي نسخه حرفية من اخر ايام البشير والأسئلة الوحيدة المتبقية هي : متي وكيف وبأي ثمن سيسقط الطاغية، حيث انه يبدوا مصراً على سفك المزيد من الدماء وجر البلاد إلي الفوضى قبل ان يتم الخلاص منه .. نسأل الله السلامة.