اليوم السبت الساعة الثانية عشرة ظهراً بمقر حماية المستهلك بشارع عبيد ختم «قصاد مستشفى الشيخ من الناحية الغربية» سأقدم محاضرة عن حماية المستهلك من نفسه. ذلك المستهلك الذي أصبح كالحماقة أعيت من يداويها. الحقيقة هناك كثير من الحماقات أعيت من يداويها.. الأسواق حماقة أعيت من يداويها. الكهرباء حماقة أعيت من يداويها. الماء حماقة أعيت من يداويها. المرور حماقة أعيت من يداويها. الشوارع حماقة أعيت من يداويها. الحرب حماقة أعيت من يداويها. وباختصار.. اختصار تقدر تقول السودان كله حماقة أعيت من يداويها.. يعني خلاص بقت على المستهلك؟ ولكن المستهلك هو الإنسان السوداني الذي بطوعه واختياره رضي أن يكون «مستهلكاً» بفتح اللام... وأبسط مثال لذلك عندما تخطب بنته أو ابنه وما يتبع ذلك من مويات رمضان أو «عدة» أو خبايز To and Fro وعندما تتزوج بنته أو ابنه.. ستجد أنه بعد عقد القران الذي يعني أن الزواج شرعياً قد انتهى، تبدأ مراسم أخرى ليس هناك منطق يسندها ابتداءً من إيجار الصالة والتعاقد مع الطباخين والفنانين والحنانة وتلك التي تقوم بما يتعلق بالجرتق وكل تلك الأشياء تفرضها النساء وكل ما يصرف من أموال لا يستفيد منها العريس أو العروس بشيء. العريس يأخذ عروسه وقد ترك بيته وبيت صهره ينوءان بديون تقصم ظهر الاحتياطي الفدرالي الأمريكي. الإنسان السوداني إذا نظر حوله سيجد أنه في ظرف السنة الماضية فقط قد تجمع عنده ما يسمى بالهتش Clutter الذي اشتراه أو اشترته زوجته تحت بند «بنفع» ولكنه يكتشف أنه في المقام الأول لم يكن محتاجاً له. وهناك استهلاك ما يستهلك لغير ما يستهلك من أجله: فمثلاً: جهزي كيلو موز من النوع الأصفر، ونص رطل عسل نحل، وقطعة خيار، ونص كباية زبادي، وعليهم طمطمايتين وزيت زيتون، وبقدونس وبيضتين وختي دا كلو في الخلاطة وأضربيهو مع بعض لحدي ما يصبح محلول تخين كدا زي ملاح الروب... إلخ. هذه الخلطة بكل أسف ليست للأكل.. وكان من الممكن أن تشبّع عائلة كاملة من النازحين.. ولكنها وصفة لقناع تضعه النساء على وجوههن لبعولتهن أو لغير بعولتهن لإزالة التجاعيد والنمش وحب الشباب إن كانت فيه بقية وشد الجلد حول الفك الأسفل والرقبة أكثر المناطق تأثراً بتقدم السن. ويصلح القناع أيضاً للفتيات صغيرات السن لتفتيح البشرة دهنية كانت أو جافة ولترطيب الأجفان حتى تبدو ناعسة بعد وضع الماسكارا «المسخرة» والظلال.. بالاختصار لقد دخل سوق الخضار البيوت من أبوابها لا ليستقر على المائدة ولكن ليستقر على وجوه النساء. وأيادي النساء وكل موضع يمكن أن يخسسه أو يزيده امتلاءً والرجل البائس الجائع الهائم على وجهه في الكافتيريات باحثاً عن ساندوتش يزعمون أن كل تلك التحضيرات التي امتلأت بها المجلات النسائية والفضائيات من أجله وهو ما جايب خبر. الحاج أبو البنات رزقه الله ذرية صالحة من البنات وإلى وقت قريب قبل ثورة سوق الخضر والفاكهة كان عندما يعود لبيته تستقبله تلك الذرية بالبشر والترحاب، ويجد الطعام معداً جاهزاً.. كل شيء في مكانه.. الخضار للملاح والسلطة والفواكه لما بعد الوجبة أو ما بين الوجبتين.. ولكنه الآن يعود ليجد كل أنواع الفواكه والخضروات موجودة وبكميات كبيرة فينشرح صدره ويحمد الله على هذه النعمة ويسأل الله أن يديمها.. وما أن تمتد يده لتفاحة تنقي الدم ولا سيما تفاحةً تفاحةً تفاحةٍ على الريق كما يقول كتاب النحو.. يسمع صوت بعلته مجلجلاً: يا راجل.. دا ما تفاح أكل.. خلي التفاحة في محلها.. وطيب دا تفاح شنو؟ دا تفاح تفتيح البشرة.. إنت عايز تبور البنات ولا شنو؟.. وترتد إليه يده فاضية من غير سوء.. ولكن الصيحة ترتفع من الجميع مستنكرة إن امتدت يده لخيارة .. فهذه ليست للأكل وإنما لتوضع بعد القناع على العينين لتزيل إحمرارهما وتكسبهما غرودة مصطنعة، والبنت التي لا تستطيع أن تغرود عينيها.. تخرج من ملة البنات اللائي هن في دائرة الاهتمام. ويظل الحاج أبو البنات ينتقل من فاكهة محرمة إلى سلطة ملعونة ويقرر في النهاية أن يعود أدراجه ليحلي بساندوتش فول أو لقيمات يقمن صلبه.. وفي طريقه إلى الخارج يمعط صفقة من شجرة الليمون التي تنمو بالقرب من الباب فإذا بصوت بعلته يلاحقه زاجراً ألا يعود لمثلها. :- شوفوا يا اخواني الراجل المخرف دا.. يمعط صفق الليمونة وهو ما عارف دا قاعدين نستعملوا عشان يبيض الكوعين؟ عايز يبور البنات ولا شنو؟