أرسلَ هاشم العطا ، في ليلة الانقلاب ، أرسل غازي سليمان إلى الشفيع برسالة مفادُها أنَّ : ( الأمور جاهزة .. ..اكتب البيان الأوَّل .) .فرَدَّ الشفيع : { هُو هاشم وَكِت ما بيعرف يكتب البيان ، ماشي عامِل انقلاب ليه .!? .}. :( . لقد كانَ الشفيع كما عبد الخالق نفسه ، ومجموعة كبيرة من قيادات الشيوعي وعضويته ، معارضين لفكرة الانقلاب ،على بَيِّنة أنَّ النضال الشيوعي هو عملية ثورية وتثويرية طويلة جداً ، وبنَفَس طويل جداً ، وإنو ما مستعجلين لى حاجة والسايْقَة واصْلة. وإنو الانقلاب بيقطع طريق هذه العملية أو بيجَمِّدها إلى حِين . ولكن الإجراء الديمقراطي داخل مؤسسات الحزب هو الذي رجح بخيار الانقلابيين في 1971م تخطيطاً وتنفيذاً ، وقبله في مايو 1969 م تأييداً فقط .وحينها قالَ عبدُ الخالق لنميري أنَّ ;( شُغُلْنا ده طويل .واا ..طُوبة طُوبَة وبنَفَس طويل ). فرَدَّ عليه نميري قال : ( طَيِب رأيَك شنو يا عبد الخالق ، لو واحِد جاب ليك لوري طوب مَرَّة واحدة كده .) :( . انقلاب هاشم العطا كانَ خِطْئاً كبيراً ، خَطَّأَهُ الحزب نفسُه ونَقَدَ نفسَه ، واعتذرَ عنه ، ووعَدَ بعدم تكرارِه. وهذا جَيِّدٌ وعظيم ًغاية في العظمة ، ونهاية في السُمُوِّ .لكن, وفي رأيي الذي يحتمل الخطأ والصواب ، والقابل للأخذ والرد والنقاش ، أنَّ القرار الذي تَبِعَ ذلك وتأسَّس عليه بعدم تواجد الحزب الشيوعي في المؤسسات العسكرية كانَ خطأً بنفس القدر ، وذات المقدار .. وحماقة كُبْرَى . أرادَ القاضي أن يقطع طريق الإنكار على مُتَّهَم ،فقال للشاكي ;( الوقائع لو كده زي ما انتَ سردتَها، الجعلي ده ما ح ينكُر .) ثُمَّ التفتَ للمُتَّهم وقال ;( أها يا الجعلي .. هلّا هلَّا ود المك نمر، يا الأسد النَتَر انتَ ،ويا الُّدّود ال قرقر حَبَس الدَرِب ،هل انتَ قُلتَ للزول ده انعل دينَك.? .). فأجاب المُتَّهم ;( أيوا بالحَيل قُتَّلُو وانعل دينك انتَ ذاتك يا مولانا .). :( .فهذه هي الحماقة .وهذا معنى أنَّ لكُلِّ داءٍ دواءٌ يُسْتطابُ بِهِ إلا الحماقةُ أعْيَت مَنْ يُداوِيها . إنَّ غياب الضمير الشيوعي الوطني في المؤسسات العسكرية ، وإخلائِه طوعاً ومجَّاناً لساحة تتم فيها فعاليات كُبرى ويُبْرَم فيها كُل أمر حاسِم هو الذي جعلَ مخططات أعداء هذا الوطن وكارِهي شعبِه تمتص الطاقة العسكرية الشاغِرة. إنَّ التوجُّه الوطني المخلص لا يمكن أن ينبعث من مخلوقات عديمة الضمير الوطني ، لأنّها تعيش خارج الوطن، وبعيداً عن نبض الجماهير. وإنَّ الإعلان الشيوعي لا يُنْتَظَر منه شئٌ خصب إذا لم يصبح مجموعة من التقنيات، بدلاً من كونِه رغبات مجَّانية مُرِيحة .وأنا لا أعني بالحضور الشيوعي في المؤسسة العسكرية الانقلاب ، وإنَّما أرمي لأنَّ هناك عدة طرق لموت القِطَّة خلاف إغراقِها في اللبن ، ولكن من المُحْتَمل أنها تختار الموت في اللبن إذا ما شُرِحَت لها الطرق الأُخْرَى . في شِعْر هومر , هناك أشباح شربت الدم ، ولكن عندما ظهر الإنسان وَلَّت الأشباح أدبارَها وفرائصُها ترتعد .إنَّ الغياب الشيوعي من المؤسسة العسكرية هو بمثابة غياب إنسان هومر ، وهو يعني أن ترتع فيها الأشباح تشرب دم هذا البلد المنكوب . لقد كانَ من الممكن أن يتصدَّى الحضور الوطني الشيوعي في المؤسسة العسكرية لكل المخططات الرجعية في هذه المؤسسات ويضعها في مواعينها في مهدِها ، بدلاً من تلك الحماقة الخُنْثى التي لا تصلح لمخاطبة عظائم قضايا الوطن .كانَ بامكانِه أن يُجَنِّبنا هذا المربَّع الذي يحاول أن يتخلَّق في هذه الدائرة الشِرِّيرة ، والذي كُلَّما حاولَ أن يتخلَّق خطا خطوةً إلى الوراء مثلَ ضَبٍّ ينزوي ليموت . هذا، وصَلَّى اللهُ على مُحَمَّد .. " شُكْرِي"