اليوم وبكامل قواي العقلية قررت أن أطلق النار على قدميَّ. نعم ، فالخوض في هذا الموضوع الذي أصبح من المسلمات عند الناس بل تعدى مستوى (المحرمات) Taboos بمعنى (التي يحرم تناولها وتؤخذ كما هي) ، ودخل لمستوى (الشعائر) Rituals والتي نفعلها بدرجة تقربها من مستوى القدسية Sanctity ليصبح مقدساً Sacred . ذلك أن البشر تعودوا في حياتهم التغول على مستويات من المشيئة تشعرهم بدرجة من الراحة النفسية وسريعاً ما يكتشفون أن ما ابتدعوه لا يتلاءم مع ما قصدوه أو جيروا الفعل المعين لأجله . موضوعي اليوم عن الأعياد والمناسبات . وعندما أقول عيداَ فلا أقصد غير ما اصطلح عليه (بأعياد ربنا) وهما عيدا الفطر والأضحى. أما المناسبات والتي أطلق عليها (أيضاً) مصطلح أعياد فتشمل (أعياد الحب والأم والميلاد والزواج وأعياد أخرى) ، فقد أستحدث عيداً للطلاق تحتفل به النساء بعد تمام الخلع . حتى (المولد النبوي) ويحسب ضمن الأعياد الدينية إلا أن (تصميمه) جاء مشابهاً تماماً لأعياد المناسبات من حيث طريقة الاحتفال واقترانه بماديات وإن كانت بسيطة وأول من احتفل به الفاطميون بمصر . يرجع تاريخ الاحتفال بعيد الحب (الفالانتاين) إلى سنة 496 ميلادية برغم أن القديس فالانتاين مات في 270 ميلادية . وقد تضاربت الروايات التي تربط القديس بهذا اليوم وهو يوم 14 فبراير برغم أن الرومان (مططوا) يوماً ليحتفلوا يوم 15 فبراير ليتزامن مع ذكرى ميلاد روم ورومس اللذان يعتبران أباء الرومان . لكن كل ذلك عندما تحاول ربطه بالحب تجد روايات غير مثبتة لقديس كان يساعد الشباب المحبين على الزواج وحكايات واهية لا تصلح لموقف القداسة ولا تستحق الاحتفاء بها . لكنه أصبح عيداً يجب أن تقدم فيه الهدايا خاصة الدبدوب الأحمر أو الوردي ، ولو كنت أحتفل به لأحتجنا لغرفة إضافية في بيتنا (للدباديب) السبعة والأربعين منذ أن ارتبطنا بالحب بدون فالانتاين والحمد لله. أما عيد الأم وهو أصبح شعيرة عند الناس فيرجع منشؤها إلى سيدة تدعى آنا جارفيس في 1908 حيث احتفلت بوالدتها وكان ذلك في أمريكا ، وانتشرت فكرة جارفيس حتى صارت يوماً للإحتفال في 1920 وانتشرت في أجزاء كثيرة من العالم بالرغم من أن الفكرة أُستهجنت جداً لربطها بفكرة أنها مناسبة تجارية ترتبط بشراء الهدايا . في سنة 1943 دعا الكاتب الصحفي المصري مصطفى أمين في أخبار اليوم من خلال كتاب أصدره بإسم (أمريكا الضاحكة) للاحتفال بعيد الأم (كما في أمريكا) ولم تنجح الفكرة فأعاد الدعوة لها في 1956 كما ذكر هو استجابة لقصة كفاح سيدة ربت أولادها بعد وفاة زوجها. ومنذ ذلك الوقت أصبح الناس في مصر يحتفلون به يوم 21 مارس ، والذي يعرف التسوق في مصر يدرك أن نهاية مارس ترتبط بتصفيات الشتاء (أوكازيون الشتاء) وبداية نزول موضة الصيف . في حديث أبي هريرة من أحق الناس بحسن صحابتي ذكر له رسول الله صلي الله عليه وسلم الأم ثلاث مرات ثم ذكر الأب . وذكر من السنة أيضاً (أجلس تحتها فالجنة تحت قدميها). وفي الأثر (الجنة تحت أقدام الأمهات). وأحاديث كثيرة لكن أبلغ ما جاء في حفظ المعروف للأم الآية في سورة لقمان (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير) لقمان 14 . فقد قرن الله شكره هنا بشكر الوالدين ولا يوجد أعظم من ذلك هل نحتاج بعد ذلك لتكريم (سنوي) للأم أو الأب وقد يأتي بعد ذلك الأخت والأخ والحبوبة وبقية القرائب. ما الجدوى من ذلك . زارني صديق مصري أيام الدراسة في السبعينات وكنا نستعد لامتحانات فصلية وصادف أن اليوم كان يوم 21 مارس فقال لي حتعمل إيه لست الحبايب. لم تكن أمي بالطبع معي في الأسكندرية فقلت له وعشان إيه فقال لي عشان تفتكرها . لم أرد عليه لفترة من الزمن فقد (خنقتني العبرة – أي القُصة) وبعدها قلت له (ومتى نسيتها) فإن كان هدف عيد الأم أن يذكرني بأمي فأنا لا أنساها أبداً وإن كان (عشان أغني لها ست الحبايب يا حبيبة) فهي لا تعرفها وقطعاً لن تحدث لديها طرباً أو فرقاً. أما إن كان الهدف أن أرد لها الجميل فطريقتي في رد الجميل تختلف جداً وبالتأكيد لكل منكم طريقة مختلفة لرد الجميل لوالديه (إن استطاع). الفرق بين أعياد (ربنا) وأعياد الناس أن هذه الأعياد الدينية تم فيها ومن داخل شعائرها وضع نظام لجبر الخواطر لا يكلف الناس فوق ما يستطيعون . ففي عيد الفطر شرعت زكاة الفطر طهرةً للصائم وهدفها الأسمى ألا يبقى في يوم العيد ذو حاجة أو جائع. وفي عيد الأضحى نجد أن الرسول صل الله عليه وسلم قد ضحى بكبشين أملحين أقرنين وقال هذا مني ولمن لم يضحي من أمتي . فالشعيرة أو السنة في الأعياد الدينية لا تكاليف فيها ولا مشقة. مقارنة بالأعياد من إختراع البشر والتي تكثر فيها التكاليف واللوم والتقريع والشماتة من شكل ونوع الهدية . وللأسف هذه الهدية لا تبلغ عند الأم مبلغاً ترتجيه ودائماً يكون ردها (جيتك عندي بالدنيا). من الملاحظ أن هذه الأعياد التي صنعناها نحن تقترن بخلافات لا حصر لها من شاكلة اللوم على نسيان المناسبة (لا يتوقع أحد أن ينسى يوم الفطر أو الأضحى) وحين يتذكرها تبدأ سلسلة من الحوارات حول الهدايا وقيمتها وشكلها (وهدية أمي وهدية أمك) بل ترتبط بخلافات زوجية قد تكون عاقبتها كارثية . إن عملية تحويل المشاعر والأحاسيس العاطفية وترجمتها لماديات لا يخدم الغرض المراد منها بل إن هذه الماديات تحول غالباً بين تلاقي المشاعر عندما تتم المقارنات بين (هديتي وهديتها) ويكون مصير الهدية علبة الهدايا فلا تعود تتذكر مناسبتها ، في المقابل لا تنسى الأم أبداً يوماً زرتها فيه واحتضنتها وقبلتها وقضيت لها حوائجها . من أفضل ما قرأت (إن أفضل هدية لأمك هي يداك حول رقبتها فهي أثمن من كل العقود والسلاسل وعندما تبتسم في وجهها وأنت تحتضنها تكون أنت جوهرة العقد) . لا تفسدوا علاقتكم بالأمهات لتكون موسمية ومادية وتنافسية وفوق ذلك في غاية التكلف والمشقة دون أن تحقق النتائج المرجوة . إحتضنوا أمهاتكم في كل يوم تطلع فيه الشمس فهو عيد لهم قبل أن تفقدوهم وبعد فقدانهم يكون العمل هو (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له). عيد الأم يومياً ما دامت على قيد الحياة ولا ينقطع بعد وفاتها. متعكم الله بالصحة ووالديكم ورحم من سبقنا منهما للدار الآخرة وألهمنا أن ندعو لهم كل ليلة فهي هدية ثوابها مضمون ومكفول . [email protected]