في وقت يتواصل التصعيد الشعبي الرافض لانقلاب الجيش في السودان، ظل القادة العسكريون يلوحون باحتمال إقامة انتخابات مبكرة، مؤكدين انهم لن يسلموا السلطة إلا لحكومة منتخبة. وحددت الوثيقة الدستورية التي توافق عليها المدنيون والعسكريون في آب/اغسطس 2019 الفترة الانتقالية ب39 شهرا، يتم تهيئة البلاد خلالها للانتقال الديمقراطي وصولا لانتخابات حرة ونزيهة. واضيف عام آخر للفترة الانتقالية، بعد توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات معارضة في الثالث من تشرين الأول/اكتوبر 2020. وقبيل أيام من الموعد المحدد لتسليم السلطة للمدنيين نفذ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، انقلابا عسكريا في الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر الماضي، أطاح عبره بالحكومة الانتقالية التي تشاركها المدنيون والعسكريون، معلنا حال الطوارئ وتجميد عدد من المواد الخاصة بالشراكة مع المدنيين في الوثيقة الدستورية. بالمقابل خرج عشرات الآلاف من السودانيين، في تظاهرات رافضة للانقلاب العسكري، قتل خلال قمع الأجهزة الأمنية لها 90 شخصا، بينهم 14 طفلا، حسب لجنة أطباء السودان المركزية. وفي إطار، محاولة المجتمع الدولي الدفع بحلول للأزمة الراهنة في البلاد، أطلق رئيس بعثة الأممالمتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان فولكر بيرتس عملية سياسية للمشاورات غير المباشرة بين الأطراف السودانية، تقوم الأممالمتحدة بمهام تيسيرها نهاية العام الماضي، وبعدها أعلن الاتحاد الأفريقي ويونيتامس آلية مشتركة للتنسيق لحل الأزمة السودانية الشهر الماضي. وبخصوص الانتخابات، قال بيرتس خلال إحاطة صحافية، للمبادرة الاممية، مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، أن الوثيقة الدستورية حددت الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية وأن البعثة ملتزمة بذلك، مشيرا إلى أن القرار بيد السودانيين وعليهم أن يتفقوا حول ذلك. ولفت إلى أن تمديد الفترة الانتقالية لن يكون جيدا، لافتا إلى أن الانتقال لا يجب ان يكون إلى الأبد والأفضل ان ينتهي في الوقت المحدد له. وحسب بيرتس التحضير لانتخابات حرة ونزيهة وفق المعايير الدولية يحتاج لعام ونصف، مبينا أن الأممالمتحدة يمكن أن تقدم المساعدات الفنية للسودانيين حال توافقهم على موعد الانتخابات. وبمشاركة الرئيس المعزول عمر البشير و15 مرشحا أغلبهم مستقلين، أقيمت آخر انتخابات، في السودان في نيسان/ابريل 2015 والتي قاطعتها معظم الأحزاب. وأعلنت وقتها المفوضية القومية للانتخابات فوز الرئيس المعزول عمر البشير ب94.5 من الأصوات، وسط انتقادات دولية واسعة، حيث أصدرت الترويكا بيانا أعربت فيه عن أسفها لفشل الحكومة السودانية في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في أجواء مواتية، حسب البيان. وبعد أربع سنوات من تلك الانتخابات، أطاحت ثورة شعبية بنظام البشير، الذي حكم السودان لحوالي 30 عاما. ويتخوف مراقبون من محاولة قادة الانقلاب العسكريين، استخدام الانتخابات المبكرة، للتأسيس لدكتاتورية جديدة، تقنن وجود العسكريين في السلطة. وفي السياق قالت المستشارة السابقة لانتخابات العام 2010 منال عبد الحليم ل«القدس العربي» إن التلويح بالانتخابات المبكرة، محاولة من العسكريين للهروب للأمام والتنصل من الانتهاكات التي حدثت منذ تولي المجلس العسكري للسلطة في العام 2019. وقطعت بضعف الاستعدادات الفنية والسياسية التي يمكن أن تؤهل البلاد لانتخابات مبكرة، خاصة في ظل الأوضاع بالغة التعقيد التي فرضها انقلاب قائد الجيش. وأضافت: الانتخابات عملية سياسية تديرها عملية فنية، وقيامها مرتبط باستعداد الأحزاب السياسية لخوض الانتخابات فضلا عن اكتمال الإجراءات الفنية الخاصة بإكمال التعداد السكاني، وبإنشاء مفوضية أو لجنة انتخابات، تقوم بالعمليات الفنية التي تشمل تقسيم الدوائر واستصدار التراخيص والأوراق الانتخابية وعملية المراقبة. وأكملت: من الصعب تقسيم الدوائر الانتخابية في ظل المشكلات القبلية الحادة التي ارتفعت وتيرتها مؤخرا والدعوات الانفصالية في شمال وشرق البلاد فضلا عن عدم اكتمال ملف السلام والتحديات التي تواجه اتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية، بالإضافة إلى ضرورة القيام بمهام تهيئة الناخبين وتدريبهم وتثقيفهم التي قد تحتاج على الأقل ل6 أشهر قبل الانتخابات. وتعتقد منال أن من الصعب في ظل الفراغ الدستوري والتشريعي الراهن في السودان، عمل قانون للانتخابات والذي ينتظر أن ينظم العملية الانتخابية بكافة مراحلها، ويحدد النظم الانتخابية ونظام الاقتراع، مشيرة إلى انه يجب أن يتم بتوافق كبير. وترى، أن مشاركة الأحزاب السياسة في الحكومة الانتقالية خصمت من رصيدها لدى الشارع، الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشرا خطيرا حال قيام انتخابات مبكرة، فضلا عن كون الأحزاب نفسها غير جاهزة للانتخابات وتحتاج لثلاث أو أربع سنوات للاستعداد للانتخابات. واشارت إلى أن المشهد الحالي في البلاد يضم كيانات عسكرية بالإضافة إلى مجموعات سياسية ضعيفة ستكون في مقعد المتفرجين حال قيام انتخابات مبكرة. «أن الانتخابات المبكرة غالبا متعلقة بالضغوطات الدولية وفاشلة وفق التجارب الأخيرة، في العراق وليبيا وتونس» تقول منال، مشيرة إلى انهيار الانتخابات الليبية مؤخرا قبل أيام من قيامها، رغم إكمال التحضيرات الفنية وقيام المفوضية القومية للانتخابات وتشريع القوانين الخاصة بها وصولا لطباعة أوراق الانتخابات ومراجعة ملفات المرشحين. وأضافت: التحضيرات للانتخابات الليبية وصلت مراحل متقدمة جدا في ظل ضغط دولي واسع، لكنها تأجلت في النهاية لجهة عدم الاستعداد السياسي هناك للانتخابات. من جانبه يرى أستاذ العلوم السياسية مصعب محمد علي أن قيام الانتخابات، ربما يدفع الانتقال الديمقراطي للأمام بحسم مسألة الشرعية بالنسبة للقوى الحاكمة بعد مرور ثلاثة أعوام من الفترة الانتقالية. ورهن مصعب، في حديثه ل«القدس العربي» نجاح أي انتخابات بالوصول لتسوية سياسية تنهي الانسداد الراهن في البلاد، مشيرا إلى أن استمرار الصراع السياسي وانتشار السلاح وتعدد الجيوش سيعصف بالعملية الانتخابية. وأكد أن الأزمة السياسية واستمرار الاحتجاجات، سيجعلان العملية الانتخابية غير مستقرة ونسبة المشاركة فيها ضعيفة، مشيرا إلى أن الانتخابات في مثل هذه الظروف قد تعمق الأزمة بدلاً من ان تكون حلا لها. وحدد مصعب، المطلوب لقيام للانتخابات بالبدء في عملية التعداد السكاني والانتهاء من مسألة دمج الجيوش وجلوس الأطراف للاتفاق على نظام انتخابي وقانون للانتخابات مؤكدا على ضرورة الاستقرار السياسي حتى تنجح الانتخابات. واعتبر، أن عاما ونصف فترة كافية للقيام بالتحضيرات الفنية حال الوصول لتوافق سياسي وتوفر التمويل اللازم. القدس العربي