في الساعات الأولى من فجر أمس الأول، نفذّت السلطات الأمنية حملة اعتقالات واسعة على لجان المقاومة بكلّ محليات ولاية الخرطوم، بأحياء الكلاكلة، الأزهري، بحري، الصافية، أمدرمان القديمة، الفتيحاب، شملت الى جانب اللجان، الناشطين. واستنكرت قوى الثورة وتجمع المهنيين حملات الاعتقال هذه، وعدتها اعتقالات تهدف الي إسكات حراك الشارع سيما انها تستهدف قيادات لجان المقاومة والفاعلين من عضوية الأحزاب السياسية والأجسام النقابية والمهنية. واستهجن محللين ومراقبين سياسيين الخطوة واعتبروها نهج (انقاذي) معروف لتكميم الافواه، في وقت تعتبر فيه الحرية أولى شعارات الثورة وركائزها الثلاث. اخماد صوت الشارع ومنذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة 2018م، ويواجه الثوار والناشطين ولجان المقاومة، مطاردات واعتقالات واسعة، الغرض منها أضعاف الحراك الثوري، غير أن جميع المحاولات هذه لاخماد صوت الشارع باءت بالفشل، حتى سقط النظام في أبريل 2019، ليتحول عمل اللجان والثوار والناشطين عقب ذلك لصياغة الكيفية المناسبة لبناء البلاد رافعين شعار (حنبنيهو). وفي حين جرت كثير من المتغيرات تحت مياه الشراكة المعطوبة التي قادت إلى انقلاب في ال25 من أكتوبر الماضي، ابتعدت اللجان عن أي عمل سياسي وقتها، الا من مواكب ومليونيات تدعو إلى تصحيح المسار واستكمال هياكل السلطة الانتقالية وتشكيل المجلس التشريعي والاقتصاص للشهداء، قبل أن تعود إلى العمل السياسي وبقوة عقبت إجراءت قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، ليشتد الطرق على الانقلابيين بضرورة الرحيل رافعين شعار اللاءات الثلاث (لا تفاوض لا شراكة لا شرعية). و ترفض اللجان اي محاولة للتسوية مع العسكر تشرعن لهم الانقلاب، وترى في الوقت نفسه أن اي مبادرات دولية او وطنية لا تعنيهم في شئ وان لا حل الا عبر الشارع واسترداد الثورة. تحذيرات وفيما ظلت تحركات لجان المقاومة والناشطين، تمثل هاجس بالنسبة للسلطات الأمنية من خلال المواكب والمليونيات التي يتم تسييرها والتي تكلفها الكثير، ارتأت ضرورة تنفيذ حملات اعتقال كبيرة بحسب متابعين للحد من الحراك وذلك باعتقال القيادات المؤثرة والفاعلة، ووفق محامو الطواريء فقد بلغ عدد المعتقلين نحو 200 عضو من لجان المقاومة والتروس، وكان قد أطلقت تنسيقيات لجان المقاومة تحذيرات لعضويتها في أحياء ومدن العاصمة، عقب تنفيذ الأجهزة الأمنية حملات الاعتقال هذه. ونددت لجان المقاومة في مختلف أحياء ومدن العاصمة الثلاث بحملات الاعتقال هذه واصدرت عددا من البيانات حذرت فيها من اقتحام سيارات دفع رباعي وكوادر أمنية للأحياء ومحاصرتها منازل أعضاء لجان المقاومة. في مقابل ذلك حمل محامو الطوارى السلطات مسؤولية سلامة المعتقلين واستنكرو عبر بيان لهم حملات الاعتقال الواسعة هذه ووصفتها بالأفعال الترويعية، وقالوا عبر بيان لهم إن ما تقوم به السلطات أفعال ترويعية وأعمال عنف وانتهاك صريح للقانون والمواثيق الدولية التي تكفل حق التعبير والتجمع والتظاهر السلمي. حرص وتحوط في مقابل ذلك كشف تجمع المهنيين، عن استخدام السلطات كوادر من النظام السابق لتتبع ورصد الناشطين السياسيين والتبليغ عنهم. وأشار خلال بيان له امس إلى رصد تحركات لسيارات مظللة على متنها عناصر من الأجهزة الأمنية والعسكرية ومنسوبي الحزب المحلول، في أحياء الفتيحاب بأم درمان والطائف والرياض وشارع الستين في الخرطوم، شارع المعونة ببحري، تستهدف اعتقال جميع الفاعلين من الأحزاب السياسية والأجسام النقابية والمهنية ولجان المقاومة في العاصمة والولايات. واستهجن في الوقت نفسه التجمع الأوضاع الصحية التي يمر بها المعتقلين وسط إهمال من قبل السلطات الأمنية، مؤكدا أن ما تقوم به السلطات من حملات لن تحمي قادة الانقلاب من مصيرهم المحتوم بالسقوط وتجرع الهزيمة السياسية ومحاكمتهم على جرائمهم وتابع: معركتنا مع الانقلاب مستمرة، وهو ما يتطلب زيادة الاحترازات والحرص ويستدعي التحوط من التجسس التقني ومتابعة الاتصالات ومراقبة أرقام الهواتف التي تشمل هواتف الجيل الثاني والثالث والهواتف الذكية، من خلال تعقب رقم هاتف المرصود من قبل محطات تجسس الأجهزة الأمنية والعسكرية.
أوضاع مأساوية وتعنت ويواجه أعضاء اللجان المعتقلين وبقية المعتقلين السياسيين اوضاعا مأساوية، وتعنتا في الإجراءات وفي نيل ابسط حقوقهم المكفولة وفق الدستور، وطبقا للخبير القانوني والقيادي للحرية والتغيير الطيب العباس ل"الراكوبة" فإن لجان المقاومة الذين تم اعتقالهم يجدون تعسفا كبيرا، بعد أن تم تحويلهم الى سجون بعيدة، لان كل جريرتهم هي ممارسة حقهم الدستوري في حرية التعبير، مؤكدا أن كل الشعارات المرفوعة هي سلمية، غير أن الهدف من هذه الاعتقالات هو كبح جماح الثوار والثورة واعتقال القيادات وفق هذا الفهم المغلوط قانونا، وتابع : نحن نعلم أن كل الذي يتم لا يخرج عن كونه كيد سياسي وليس له علاقة باي قانون جنائي. توسيع دائرة المقاومة وبينما يعتبر موالون للانقلاب أن حملات الاعتقال هذه من شأنها إيقاف حراك الشارع واخماد الثورة، يرى بالمقابل المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر أن الاعتقالات لن تزيد الرضع الا تعقيدا، مؤكدا خلال حديثه ل "الراكوبة" أن اي حلول تتجاوز الحوار لن تجدي نفعا، لاعتبار انه الأمر الطبيعي والموضوعي وان الاستجابة للشارع أصبح أمر ضروري، وقال: الاعتقالات التي طالت لجان المقاومة وناشطين من شأنها تأجيج الشعور العام للإجراءات القمعية وتوسيع دائرة المقاومة وإرهاق الدولة، ولذلك فإن أي حل غير الحوار لن يجدي نفعا. ودعا خاطر الانقلابيين، لخروج من هذه الدائرة، منوها إلى أن الاعتقالات سوف تزيد التكلفة، وان اي اجراء في هذا التوقيت يعد بمثابة صب المزيد من الزيت على النار.