شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحقاً السودان نحو التفكك الكامل؟
نشر في الراكوبة يوم 06 - 05 - 2022

حقيقة لا ندري من أين نبدأ؟ لكن دعنا نذكر أنفسنا أولاً بأن العنف المسلح الذي جرى خلال الأيام القليلة الماضية في مدينتي "كرينك" والجنينة لم يكن وليد صدفة، بل عمل مخطط ومبرمج في تنفيذه بعيداً عن معرفة عامة الشعب السوداني، وذلك منذ أواسط العقد الثامن من القرن الماضي. ولكن يبدو هذه المرة أن وسائل الاعلام المتطورة قد أوصلت صور الفظائع لحظة بلحظة للإنسان السوداني في كل أرجاء البلاد، بل العالم أجمع، مما تمّ وصفها من قبل السودانيين – في المركز نفسه – بأنها تطهير عرقي وإبادة جماعية بامتياز.
هذه الإبادة الجماعية الحالية التي بدأ تنفيذها يوم 22 إبريل 2022م في مدينة "كرينك" التي تقع في ولاية غرب دارفور، والتي راح ضحيتها أكثر من 201 قتيل – حسب إفادة والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر – وأكثر من 150 جريح. بينما يشير تقرير هيئة محامي دارفور وشركاؤها إلى أن عدد القتلى والجرحى يفوق بكثير الرقم المذكور، إذ أن عدد أسماء الموتى الذين تمّ دفنهم حتى يوم 27 إبريل بلغ 168 قتيل، وحسب تقرير الهيئة ذاتها ما زال الحصر جاري لمعرفة بقية أسماء الشهداء من الأطفال والنساء والرجال. الشاهد في الأمر أن هذا القتل البربري يمثل فقط أحد فصول مسلسل التطهير العرقي في منطقة دار مساليت في أقصى غرب السودان والتي بدأت منذ منتصف 1980، لذلك على الناس أن يتوقعوا أسوأ مما حدث، لسبب بسيط، وهو ضلوع حكومات المركز تخطيطاً وتوفير المعينات اللوجستية في عمليات الإبادة الجماعية.
عُرفياً، التطهير العرقي هو محاولة للتخلص من مجموعة إثنية أو دينية بعينها – في حالة مدينتي "كرينك" والجنينة المقصود تحديداً القبائل الإفريقية الأصل تحديداً قبائل المساليت، الإيرنقا، التاما، القِمِر، الفور، الذين يسكنون في منطقة دار مساليت – وذلك من خلال الترحيل أو التشريد أو القتل الجماعي، من أجل إقامة منطقة جغرافية متجانسة عرقياً – للعرب الأبالة، رعاة الإبل. لذلك فهي جريمة ضد الإنسانية بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. فالمرحلة التي وصل فيها أعمال القتل في "كرينك" والجنينة وما جاورهما، هي صورة طبق الأصل للإبادة الجماعية، والتي تعني عُرْفياً العنف المسلح ضد أفراد جماعة قومية، أو إثنية، أو عرقية أو دينية بقصد تدمير تلك الجماعة بأكملها. لذلك أعلنت الأمم المتحدة في العام 1948م أن الإبادة الجماعية جريمة دولية يجب معاقبة مرتكبيها.
قبل أن نسترسل كثيراً، دعنا نوضح بقدر الإمكان الهدف الأساسي للتطهير العرقي في دارفور ومن ثمّ تسلسل أحداثها . أولاً في تقديرنا أن جذور الأزمة الدارفورية تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي عندما تمّ طرد المسلمين من أسبانيا بقرار من الملك فيليب الثالث في 22 سبتمبر 1609م https://islamstory.com/ar/artical/20426/) (إلى شمال إفريقيا، ومن هناك بدأ زحف هؤلاء المطرودين شرقاً، لذلك تجد مثلاً "المحاميد"، أحد بطون الرزيقات، متواجدين حتى اليوم في الجزائر ومالي والنيجر وتشاد وإفريقيا الوسطى والسودان – في دارفور. ونستشهد هنا بدعوة الناطق الرسمي باسم مجلس الصحوة "علي مجوك المؤمن" مستنجداً بأبناء عمومته في تلك الدول والمجيئ إلى السودان لحماية الحرائر من اغتصاب الجنجويد لهن. وذلك عندما حصل صراع دموي قبل نحو أربع سنوات بين قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي وقوات مجلس الصحوة بقيادة موسى هلال، وكلاهما من بطون الرزيقات "الأبالة" بشمال دارفور.
هذا التشتت لبطون قبيلة الرزيقات "الأبالة" وجددت ضالتها في السودان في سبعينات القرن الماضي، عندما كانت المعارضة السودانية ضد نظام النميري نشطة في ليبيا، فكان دخول المعارضة المسلحة الخرطوم في يوليو العام 1976م والذي سُمِيّ ب"غزو المرتزقة". في الحقيقة، رغم أن جل القوة التي دخلت العاصمة من عناصر سودانية، خاصة من قبائل دارفور، إلا أنها احتوت أيضاً عدد من عناصر القبائل العربية غير السودانية. لذلك تحمل تلك العملية جزء من صفة الارتزاق، وهي مشاركة الأجنبي في القتال في دولة أخرى من أجل المال، كما هو الحال اليوم في اليمن إذ يقاتل مجموعة من السودانيين وغيرهم من غرب إفريقيا من أجل حفنة من الدولارات، وقد تمت العملية بتنسيق كامل بين حميدتي والبرهان. الشاهد في الأمر هنا، أنه على ضوء حادثة ما يسمى بالمرتزقة، نما لدى حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي والجبهة القومية الإسلامية بقيادة د. حسن عبد الله الترابي، فكرة استقرار العرب الأجانب المشتتين في دول غرب إفريقيا واستيطانهم في دارفور من أجل خلق دوائر انتخابية مضمونة لهذين الحزبين ذات الأيديولوجية العروبية الإسلامية . فكان الإغراء، الحصول على حواكير – أراضي مملوكة لجماعة إثنية محددة – باسم كل عشيرة من عشائر العرب الأجانب أسوة بإخوتهم العرب "البقارة" أصحاب الحواكير منذ زمن سلطنة دارفور.
وبما أننا قد أشرنا في البداية إلى الهدف من الهجمات البربرية، ألا وهو استيطان الأجانب عنوة في أرض السودان، إذن من الأهمية بمكان أن نوضح بقدر الإمكان – حسب ما توفر لدينا من المعلومات التاريخية – أهم خطوات ومحطات برامج الاحتلال – قبل كل شيء، دعني أعترف أنا كاتب هذا المقال بل ومن معي من بقية أبناء دارفور، أننا أهملنا أيما اهمال في تسجيل وقائع التاريخ المعاصر بصفة خاصة ونشره للعامة – على كل حال، في تقديري أن بداية الاختبار كانت العام 1986م عندما دخلت قوات الفيلق الإسلامي بقيادة ابن عمر الأراضي السودانية في دارفور، وحصل قتال عنيف بين قوتين أجنبيتين داخل الأراضي السودانية، والحكومة السودانية، كما يقولون "سدت اضان بطينة والتانية بعجينة". لذلك يُعد هذا بمثابة إعطاء الضوء الأخضر للأجانب بأن يسرحوا ويمرحوا في بلاد السودان كيفما يشاؤون. المحطة التالية كانت إعلان "التجمع العربي" لمشروع ما سُمِيّ ب"قريش واحد" في الخامس من أكتوبر العام 1987م، هذا الإعلان باركه الصادق المهدي، رئيس وزراء السودان آنذاك، بل كافأ بعض قيادات "التجمع العربي" بمناصب رفيعة في الدولة، منهم على سبيل المثال، عبد الله علي مسار. بعد ذلك بدأت حوادث القتل الانفرادي للقبائل غير العربية تتوالى بشكل ممنهج، وسميت تلك الحقبة بالنهب المسلح، وهي تسمية ضللت الرأي العام السوداني، وكما قلت من قبل أن المسألة برمتها مخططة ومبرمجة بدقة. لذلك تطورت وتيرة القتل الممنهج دون تدخل الحكومات لوضع حدٍ لهذا العبث، فجاءت أولى الأحداث الكبيرة في غرب دارفور، في أول أيام عيد الفطر وكان ذلك في يناير العام 1999م عندما قامت مجموعة من العرب الأبالة بهجوم دامي على قرية "تباريك" وحرق ما بين 50 إلى 60 قرية. الجدير بالذكر أن قرية "تباريك" هذه، هي القرية التي ولد فيها الشاعر السوداني البارز، محمد مفتاح رجب الفيتوري من أب ليبي وأم سودانية من قبيلة المساليت. هنا قامت الحكومة المركزية بعزل والي غرب دارفور، إبراهيم يحيى، وهو من الكوادر القيادية في الجبهة القومية الإسلامية ومن أبناء المساليت، وتولى أمر ولاية غرب دارفور الفريق، محمد الدابي، الذي عينه البشير في فبراير العام 1999م ممثلاً له في ولايات دارفور ومسئولاً عن الأمن بتفويض وصلاحيات الرئيس. ويقال إنه جاء بميزانية ضخمة لتهدئة الأوضاع الأمنية، لكن في الواقع كان من ضمن مهامه الاستراتيجية توطين العرب الأبالة في محلية صليعة بغرب دارفور، الجدير بالذكر أن عبد الفتاح البرهان كان مدير مكتب الدابي في تلك الفترة. أيضاً في بدء الألفية الثانية، تمّ في عهد الجبهة القومية الإسلامية المشئوم، تأسيس قوات "حرس الحدود" وهي قوات تم انشاؤها من مليشيات "الجنجويد" بقيادة شيخ "المحاميد" موسى هلال، هذه القوة هي التي ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية والاغتصاب وكل الجرائم ضد الإنسانية. وعندما رأى علي عثمان محمد طه أن موسى هلال قد استنفد أغراضه تمّ استبداله ونصب محله محمد حمدان دقلو، وفي ذات الوقت تمّ تغيير اسم قوات حرس الحدود إلى "قوات الدعم السريع"وبصلاحيات ودعم لوجستي أكبر، حتى صارت هذه القوات توازي الجيش السوداني . في العام 2008م قامت الجبهة القومية الإسلامية وبإشراف مباشر من عبدالرحيم محمد حسين، وزير الدفاع آنذاك بأمر تسليح 20 قبيلة عربية من كردفان ودارفور، شملت التسليح بنادق الكلاشنكوف، رشاشات قرنوف، مدافع هاون، رشاش دوشكا، ويبقى السؤال ما الغرض من تمليك هذه الأسلحة النارية الحكومية لمواطنين مدنيين؟ ولتقاتل ضد من؟ ولماذا تمليك الأسلحة الحكومية للقبائل العربية فقط؟ الإجابة البديهية هي للاستخدام في عمليات الإبادة الجماعية، وهذا ما جعل عبد الرحيم محمد حسين أحد الأربعة المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا .
يبدو لي أن السرد الموجز المقدم أعلاه قد أعطى صورة ضرورية لفهم الأحداث الدامية في السودان ممثلة في دارفور، لكن في قناعتي أن الصورة المأساوية في دارفور سوف تكتمل عندما نوجز هنا في ختام هذه المقالة دور أبناء دارفور في هذه المأساة الإنسانية . لن أتحدث هنا عن مشاركة أبناء دارفور في الأحزاب السياسية المختلفة، بل وفي القوات النظامية، ومساهمتهم السلبية، والضارة للسودان ولدارفور بصفة خاصة. لكن سأركز بإيجاز عن دور ما يسمى بقيادات الحركات المسلحة الدارفورية، خاصة تلك القيادات التي وقعت اتفاق جوبا لسلام السودان، في جوبا بجمهورية جنوب السودان في 31 أغسطس العام 2020م. أولاً السؤال البديهي هو، أي سلام هذا الذي يقسم أزمة الدولة السياسية إلى خمس مسارات مناطقية؟ – اتفاق سلام مسار دارفور، اتفاق سلام مسار المنطقتين، اتفاق سلام مسار الشرق، اتفاق سلام مسار الشمال، اتفاق سلام مسار الوسط- لذلك قلنا منذ أول يوم أن هذا الاتفاق قد خلق عدة أسئلة دون إجابة، وبالتالي هو تلاعب بالألفاظ ولم ولن يأتي بأي سلام لأي جزء من السودان. إذا أخذنا مسار دارفور على سبيل المثال، السؤال المنطقي هو، هل قضية دارفور مجزأ لعدة قضايا؟ وهل دارفور تحتاج لعدة حركات مسلحة، ولأجل ماذا؟ الواقع المرير هو أن قادة الحركات الدارفورية ممثلة في، خميس عبد الله أبكر وجبريل إبراهيم محمد والهادي إدريس يحيى والطاهر حجر ومني أركو مناوي وعبد الله يحيى ومساعديهم كان وما زال هدفهم الأساسي هو الحصول على مناصب في الدولة للارتزاق عليها، ولم يكن أبداً في يوم من الأيام يهدفون إلى تحقيق السلام لإنسان دارفور ناهيك للسودان أجمع. لن أتطرق هنا لبنود الاتفاقية إلا لبندين فقط، وذلك أن جميع بنود الاتفاق لم ينفذ منها إلا الأجزاء الخاصة بالوظائف العليا – الدستورية – أما البندين المعنيان هنا، هما الثالث والسادس من الفصل السادس تحت عنوان "تنمية قطاع الرحل والرعاة بإقليم دارفور" (1) البند 3 ينص على "وضع سياسات بديلة وتشريعات ومؤسسات وآليات تلبي حاجة الرعاة والرحل في حق استخدام الأرض والموارد الطبيعية". وهذا يعني بوضوح تام من دون أي لبس أو غموض إلغاء كل الحواكير وتوزيعها للأجانب. (2) البند 6 ينص على "تسهيل وتبسيط إجراءات حصول الرحل والرعاة على الأوراق الثبوتية". هذا البند يقول، إن أهل دارفور قد قبلوا مجبرين بالقوة، السماح للأجانب بالجنسية السودانية، وبالتالي هم يدعون قبائل الأبالة بأن يستبيحوا أرض دارفور. لذلك من أجل المنافع الذاتية قام هؤلاء بالتوقيع على اتفاق جوبا لسلام السودان وباعوا أرض الوطن بحفنة دولارات لم تكفيهم لإطعام جنودهم.
فالذي حصل في "كرينك" والجنينة بغرب دارفور، يستدعي بأن تتحمل حركات دارفور وزرها كاملاً، فقد لازمت هذه الحركات الصمت المميت إزاء التطهير العرقي في غرب دارفور، بل صرح جبريل إبراهيم وزير المالية المركزي لوسائل الإعلام أثناء زيارته لمدينة الجنينة قبل عام، أنه لا شيء اسمه حاكورة، قال هذا وفي جعبته البند الثالث المذكور أعلاه. إذن فإن قيادات هذه الحركات قد ارتكبت عمدًا مع الرصد والترصد جريمة الخيانة العظمى في حق الوطن، وبما أن الانقلاب المشئوم في شهره السابع لم يستطع تكوين حكومة، على الشعب السوداني أن يحاكم كل الذين وقعوا اتفاق جوبا لسلام السودان وخاصة قيادات حركات دارفور بجريمة الخيانة العظمي.
في ختام هذه المقالة، نقول إن أركان تفكك البلاد الثلاث قد اكتملت وهي: (1) التخطيط المركزي المسبق بجعل هوية السودان أحادية عروب إسلامية، مناقضاً في ذلك واقع البلاد التعددي، وهي عصبية مقيتة ومميتة أدت إلى فصل الجزء الجنوبي من السودان.
(2) ظهور العنصر المنفذ لبرامج العروبة، وهو العرب الأبالة المشتتين في دول غرب وشمال إفريقيا الذين يبحثون عن أرض للاستقرار، إذ تجمعت كل تنظيماتها أخيراً في منظومة "قوات الدعم السريع".
(3) الركن الثالث، يتمثل فيما يسمى بالقيادات الإقليمية التابعة للمركز الظالم من أجل منافع ذاتية. وبالتالي فإن انضمام هذا الركن الثالث للأول والثاني رأت المنظومة غير الوطنية واعتقادها ان باستطاعتها السيطرة التامة على البلاد، لذا في اعتقاد هذه المنظومة أن بيع الأراضي السودانية للأجانب إقليم تلو إقليم قد بات أمراً ميسوراً. لكن نست أو تناست هذه المنظومة الظلامية المضللة، أن الركن الرابع الأصل، وهو الشعب السوداني قادم موحداً وبعزيمة قوية، لينقذ السودان مرة واحدة وللأبد من العقلية الضالة التي لا تعرف معنى الوطنية منذ الاستقلال، ومن ثمّ نبذ ورمي العقلية التبعية التي تعمل دائماً على تنفيذ توجهات الجهات الأجنبية إلى مزبلة التاريخ، والخلاص من العقلية الإقصائية التي تعمل ليل نهار على تفرقة أهل السودان. لذا عاجلاً أم آجلاً سوف يتمكن الشعب السوداني من القضاء النهائي على العقلية الخائنة التي تبيع أرض الوطن، ونبذ العقلية التي لا تملك أية قدرة على إدارة البلاد بروح الوطن، وهذا هو المقصود بالتحرير، أي تحرير العقلية الضالة الخائنة.
كلمة أخيرة لأهل السودان، إن الإبادة الجماعية الأخيرة في غرب دارفور قد حث أئمة المساجد في الجنينة أن ينادوا الناس بحمل السلاح للدفاع عن الأرض والعِرْض، لقناعتهم بالغياب التام للحكومة، وهذا النداء مرده الانفلات التام من عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم التي ترقى لعقوبة الإعدام، في العرف القانوني.
ثانياً علت أصوات من الإقليم تنادي بحق تقرير المصير، بل بالانفصال لأن منطقة دار مساليت انضمت طوعاً للسودان العام 1924م للتخلص من هجمات الاستعمار الفرنسي لها، لذا طالما الحكومة السودانية لا توفر الأمن من الأفضل الخروج عنها طوعاً أيضاً، وهذا حق شرعي. لكنني أرى أن ممارسة التطهير العرقي وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي تمارس علناً في إنسان دارفور وبمعرفة تامة من السلطات الحكومية المركزية والإقليمية، كل هذه الممارسات الإجرامية ترقى بدرجة امتياز أن يطالب أهل دارفور الأمم المتحدة بتطبيق البند السابع في دارفور وبمهام واضحة لصناعة السلام، أكرر "صناعة السلام في دارفور" -تيمور الشرقية مثالاً في العام 1999م- وبالتالي يجب أن يتم نزع السلاح كليةً من جميع المواطنين، بمعنى آخر يجب أن تتولى الأمم المتحدة الوصاية على إدارة دارفور استناداً على القانون الدولي. بل فوق هذا، يشهد كل الأجيال الحالية، فشل جميع اتفاقات السلام في السودان لتحقيق السلام، سواء في دارفور أو الشرق أو جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. لذلك لن يتأتى السلام والاستقرار المستدام في السودان إلا في ظل الوصاية الأممية في الفترة الانتقالية والتي تجب ألا تزيد مدتها عن خمس سنوات بمهام أساسي، من ضمنها نزع السلاح من جميع المدنيين وكذا إعادة تنظيم القوات النظامية. وهذه الوصاية الأممية قد تحمي البلاد من ويلات الانشطار.


[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.