الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحقاً السودان نحو التفكك الكامل؟
نشر في الراكوبة يوم 06 - 05 - 2022

حقيقة لا ندري من أين نبدأ؟ لكن دعنا نذكر أنفسنا أولاً بأن العنف المسلح الذي جرى خلال الأيام القليلة الماضية في مدينتي "كرينك" والجنينة لم يكن وليد صدفة، بل عمل مخطط ومبرمج في تنفيذه بعيداً عن معرفة عامة الشعب السوداني، وذلك منذ أواسط العقد الثامن من القرن الماضي. ولكن يبدو هذه المرة أن وسائل الاعلام المتطورة قد أوصلت صور الفظائع لحظة بلحظة للإنسان السوداني في كل أرجاء البلاد، بل العالم أجمع، مما تمّ وصفها من قبل السودانيين – في المركز نفسه – بأنها تطهير عرقي وإبادة جماعية بامتياز.
هذه الإبادة الجماعية الحالية التي بدأ تنفيذها يوم 22 إبريل 2022م في مدينة "كرينك" التي تقع في ولاية غرب دارفور، والتي راح ضحيتها أكثر من 201 قتيل – حسب إفادة والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر – وأكثر من 150 جريح. بينما يشير تقرير هيئة محامي دارفور وشركاؤها إلى أن عدد القتلى والجرحى يفوق بكثير الرقم المذكور، إذ أن عدد أسماء الموتى الذين تمّ دفنهم حتى يوم 27 إبريل بلغ 168 قتيل، وحسب تقرير الهيئة ذاتها ما زال الحصر جاري لمعرفة بقية أسماء الشهداء من الأطفال والنساء والرجال. الشاهد في الأمر أن هذا القتل البربري يمثل فقط أحد فصول مسلسل التطهير العرقي في منطقة دار مساليت في أقصى غرب السودان والتي بدأت منذ منتصف 1980، لذلك على الناس أن يتوقعوا أسوأ مما حدث، لسبب بسيط، وهو ضلوع حكومات المركز تخطيطاً وتوفير المعينات اللوجستية في عمليات الإبادة الجماعية.
عُرفياً، التطهير العرقي هو محاولة للتخلص من مجموعة إثنية أو دينية بعينها – في حالة مدينتي "كرينك" والجنينة المقصود تحديداً القبائل الإفريقية الأصل تحديداً قبائل المساليت، الإيرنقا، التاما، القِمِر، الفور، الذين يسكنون في منطقة دار مساليت – وذلك من خلال الترحيل أو التشريد أو القتل الجماعي، من أجل إقامة منطقة جغرافية متجانسة عرقياً – للعرب الأبالة، رعاة الإبل. لذلك فهي جريمة ضد الإنسانية بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. فالمرحلة التي وصل فيها أعمال القتل في "كرينك" والجنينة وما جاورهما، هي صورة طبق الأصل للإبادة الجماعية، والتي تعني عُرْفياً العنف المسلح ضد أفراد جماعة قومية، أو إثنية، أو عرقية أو دينية بقصد تدمير تلك الجماعة بأكملها. لذلك أعلنت الأمم المتحدة في العام 1948م أن الإبادة الجماعية جريمة دولية يجب معاقبة مرتكبيها.
قبل أن نسترسل كثيراً، دعنا نوضح بقدر الإمكان الهدف الأساسي للتطهير العرقي في دارفور ومن ثمّ تسلسل أحداثها . أولاً في تقديرنا أن جذور الأزمة الدارفورية تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي عندما تمّ طرد المسلمين من أسبانيا بقرار من الملك فيليب الثالث في 22 سبتمبر 1609م https://islamstory.com/ar/artical/20426/) (إلى شمال إفريقيا، ومن هناك بدأ زحف هؤلاء المطرودين شرقاً، لذلك تجد مثلاً "المحاميد"، أحد بطون الرزيقات، متواجدين حتى اليوم في الجزائر ومالي والنيجر وتشاد وإفريقيا الوسطى والسودان – في دارفور. ونستشهد هنا بدعوة الناطق الرسمي باسم مجلس الصحوة "علي مجوك المؤمن" مستنجداً بأبناء عمومته في تلك الدول والمجيئ إلى السودان لحماية الحرائر من اغتصاب الجنجويد لهن. وذلك عندما حصل صراع دموي قبل نحو أربع سنوات بين قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي وقوات مجلس الصحوة بقيادة موسى هلال، وكلاهما من بطون الرزيقات "الأبالة" بشمال دارفور.
هذا التشتت لبطون قبيلة الرزيقات "الأبالة" وجددت ضالتها في السودان في سبعينات القرن الماضي، عندما كانت المعارضة السودانية ضد نظام النميري نشطة في ليبيا، فكان دخول المعارضة المسلحة الخرطوم في يوليو العام 1976م والذي سُمِيّ ب"غزو المرتزقة". في الحقيقة، رغم أن جل القوة التي دخلت العاصمة من عناصر سودانية، خاصة من قبائل دارفور، إلا أنها احتوت أيضاً عدد من عناصر القبائل العربية غير السودانية. لذلك تحمل تلك العملية جزء من صفة الارتزاق، وهي مشاركة الأجنبي في القتال في دولة أخرى من أجل المال، كما هو الحال اليوم في اليمن إذ يقاتل مجموعة من السودانيين وغيرهم من غرب إفريقيا من أجل حفنة من الدولارات، وقد تمت العملية بتنسيق كامل بين حميدتي والبرهان. الشاهد في الأمر هنا، أنه على ضوء حادثة ما يسمى بالمرتزقة، نما لدى حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي والجبهة القومية الإسلامية بقيادة د. حسن عبد الله الترابي، فكرة استقرار العرب الأجانب المشتتين في دول غرب إفريقيا واستيطانهم في دارفور من أجل خلق دوائر انتخابية مضمونة لهذين الحزبين ذات الأيديولوجية العروبية الإسلامية . فكان الإغراء، الحصول على حواكير – أراضي مملوكة لجماعة إثنية محددة – باسم كل عشيرة من عشائر العرب الأجانب أسوة بإخوتهم العرب "البقارة" أصحاب الحواكير منذ زمن سلطنة دارفور.
وبما أننا قد أشرنا في البداية إلى الهدف من الهجمات البربرية، ألا وهو استيطان الأجانب عنوة في أرض السودان، إذن من الأهمية بمكان أن نوضح بقدر الإمكان – حسب ما توفر لدينا من المعلومات التاريخية – أهم خطوات ومحطات برامج الاحتلال – قبل كل شيء، دعني أعترف أنا كاتب هذا المقال بل ومن معي من بقية أبناء دارفور، أننا أهملنا أيما اهمال في تسجيل وقائع التاريخ المعاصر بصفة خاصة ونشره للعامة – على كل حال، في تقديري أن بداية الاختبار كانت العام 1986م عندما دخلت قوات الفيلق الإسلامي بقيادة ابن عمر الأراضي السودانية في دارفور، وحصل قتال عنيف بين قوتين أجنبيتين داخل الأراضي السودانية، والحكومة السودانية، كما يقولون "سدت اضان بطينة والتانية بعجينة". لذلك يُعد هذا بمثابة إعطاء الضوء الأخضر للأجانب بأن يسرحوا ويمرحوا في بلاد السودان كيفما يشاؤون. المحطة التالية كانت إعلان "التجمع العربي" لمشروع ما سُمِيّ ب"قريش واحد" في الخامس من أكتوبر العام 1987م، هذا الإعلان باركه الصادق المهدي، رئيس وزراء السودان آنذاك، بل كافأ بعض قيادات "التجمع العربي" بمناصب رفيعة في الدولة، منهم على سبيل المثال، عبد الله علي مسار. بعد ذلك بدأت حوادث القتل الانفرادي للقبائل غير العربية تتوالى بشكل ممنهج، وسميت تلك الحقبة بالنهب المسلح، وهي تسمية ضللت الرأي العام السوداني، وكما قلت من قبل أن المسألة برمتها مخططة ومبرمجة بدقة. لذلك تطورت وتيرة القتل الممنهج دون تدخل الحكومات لوضع حدٍ لهذا العبث، فجاءت أولى الأحداث الكبيرة في غرب دارفور، في أول أيام عيد الفطر وكان ذلك في يناير العام 1999م عندما قامت مجموعة من العرب الأبالة بهجوم دامي على قرية "تباريك" وحرق ما بين 50 إلى 60 قرية. الجدير بالذكر أن قرية "تباريك" هذه، هي القرية التي ولد فيها الشاعر السوداني البارز، محمد مفتاح رجب الفيتوري من أب ليبي وأم سودانية من قبيلة المساليت. هنا قامت الحكومة المركزية بعزل والي غرب دارفور، إبراهيم يحيى، وهو من الكوادر القيادية في الجبهة القومية الإسلامية ومن أبناء المساليت، وتولى أمر ولاية غرب دارفور الفريق، محمد الدابي، الذي عينه البشير في فبراير العام 1999م ممثلاً له في ولايات دارفور ومسئولاً عن الأمن بتفويض وصلاحيات الرئيس. ويقال إنه جاء بميزانية ضخمة لتهدئة الأوضاع الأمنية، لكن في الواقع كان من ضمن مهامه الاستراتيجية توطين العرب الأبالة في محلية صليعة بغرب دارفور، الجدير بالذكر أن عبد الفتاح البرهان كان مدير مكتب الدابي في تلك الفترة. أيضاً في بدء الألفية الثانية، تمّ في عهد الجبهة القومية الإسلامية المشئوم، تأسيس قوات "حرس الحدود" وهي قوات تم انشاؤها من مليشيات "الجنجويد" بقيادة شيخ "المحاميد" موسى هلال، هذه القوة هي التي ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية والاغتصاب وكل الجرائم ضد الإنسانية. وعندما رأى علي عثمان محمد طه أن موسى هلال قد استنفد أغراضه تمّ استبداله ونصب محله محمد حمدان دقلو، وفي ذات الوقت تمّ تغيير اسم قوات حرس الحدود إلى "قوات الدعم السريع"وبصلاحيات ودعم لوجستي أكبر، حتى صارت هذه القوات توازي الجيش السوداني . في العام 2008م قامت الجبهة القومية الإسلامية وبإشراف مباشر من عبدالرحيم محمد حسين، وزير الدفاع آنذاك بأمر تسليح 20 قبيلة عربية من كردفان ودارفور، شملت التسليح بنادق الكلاشنكوف، رشاشات قرنوف، مدافع هاون، رشاش دوشكا، ويبقى السؤال ما الغرض من تمليك هذه الأسلحة النارية الحكومية لمواطنين مدنيين؟ ولتقاتل ضد من؟ ولماذا تمليك الأسلحة الحكومية للقبائل العربية فقط؟ الإجابة البديهية هي للاستخدام في عمليات الإبادة الجماعية، وهذا ما جعل عبد الرحيم محمد حسين أحد الأربعة المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا .
يبدو لي أن السرد الموجز المقدم أعلاه قد أعطى صورة ضرورية لفهم الأحداث الدامية في السودان ممثلة في دارفور، لكن في قناعتي أن الصورة المأساوية في دارفور سوف تكتمل عندما نوجز هنا في ختام هذه المقالة دور أبناء دارفور في هذه المأساة الإنسانية . لن أتحدث هنا عن مشاركة أبناء دارفور في الأحزاب السياسية المختلفة، بل وفي القوات النظامية، ومساهمتهم السلبية، والضارة للسودان ولدارفور بصفة خاصة. لكن سأركز بإيجاز عن دور ما يسمى بقيادات الحركات المسلحة الدارفورية، خاصة تلك القيادات التي وقعت اتفاق جوبا لسلام السودان، في جوبا بجمهورية جنوب السودان في 31 أغسطس العام 2020م. أولاً السؤال البديهي هو، أي سلام هذا الذي يقسم أزمة الدولة السياسية إلى خمس مسارات مناطقية؟ – اتفاق سلام مسار دارفور، اتفاق سلام مسار المنطقتين، اتفاق سلام مسار الشرق، اتفاق سلام مسار الشمال، اتفاق سلام مسار الوسط- لذلك قلنا منذ أول يوم أن هذا الاتفاق قد خلق عدة أسئلة دون إجابة، وبالتالي هو تلاعب بالألفاظ ولم ولن يأتي بأي سلام لأي جزء من السودان. إذا أخذنا مسار دارفور على سبيل المثال، السؤال المنطقي هو، هل قضية دارفور مجزأ لعدة قضايا؟ وهل دارفور تحتاج لعدة حركات مسلحة، ولأجل ماذا؟ الواقع المرير هو أن قادة الحركات الدارفورية ممثلة في، خميس عبد الله أبكر وجبريل إبراهيم محمد والهادي إدريس يحيى والطاهر حجر ومني أركو مناوي وعبد الله يحيى ومساعديهم كان وما زال هدفهم الأساسي هو الحصول على مناصب في الدولة للارتزاق عليها، ولم يكن أبداً في يوم من الأيام يهدفون إلى تحقيق السلام لإنسان دارفور ناهيك للسودان أجمع. لن أتطرق هنا لبنود الاتفاقية إلا لبندين فقط، وذلك أن جميع بنود الاتفاق لم ينفذ منها إلا الأجزاء الخاصة بالوظائف العليا – الدستورية – أما البندين المعنيان هنا، هما الثالث والسادس من الفصل السادس تحت عنوان "تنمية قطاع الرحل والرعاة بإقليم دارفور" (1) البند 3 ينص على "وضع سياسات بديلة وتشريعات ومؤسسات وآليات تلبي حاجة الرعاة والرحل في حق استخدام الأرض والموارد الطبيعية". وهذا يعني بوضوح تام من دون أي لبس أو غموض إلغاء كل الحواكير وتوزيعها للأجانب. (2) البند 6 ينص على "تسهيل وتبسيط إجراءات حصول الرحل والرعاة على الأوراق الثبوتية". هذا البند يقول، إن أهل دارفور قد قبلوا مجبرين بالقوة، السماح للأجانب بالجنسية السودانية، وبالتالي هم يدعون قبائل الأبالة بأن يستبيحوا أرض دارفور. لذلك من أجل المنافع الذاتية قام هؤلاء بالتوقيع على اتفاق جوبا لسلام السودان وباعوا أرض الوطن بحفنة دولارات لم تكفيهم لإطعام جنودهم.
فالذي حصل في "كرينك" والجنينة بغرب دارفور، يستدعي بأن تتحمل حركات دارفور وزرها كاملاً، فقد لازمت هذه الحركات الصمت المميت إزاء التطهير العرقي في غرب دارفور، بل صرح جبريل إبراهيم وزير المالية المركزي لوسائل الإعلام أثناء زيارته لمدينة الجنينة قبل عام، أنه لا شيء اسمه حاكورة، قال هذا وفي جعبته البند الثالث المذكور أعلاه. إذن فإن قيادات هذه الحركات قد ارتكبت عمدًا مع الرصد والترصد جريمة الخيانة العظمى في حق الوطن، وبما أن الانقلاب المشئوم في شهره السابع لم يستطع تكوين حكومة، على الشعب السوداني أن يحاكم كل الذين وقعوا اتفاق جوبا لسلام السودان وخاصة قيادات حركات دارفور بجريمة الخيانة العظمي.
في ختام هذه المقالة، نقول إن أركان تفكك البلاد الثلاث قد اكتملت وهي: (1) التخطيط المركزي المسبق بجعل هوية السودان أحادية عروب إسلامية، مناقضاً في ذلك واقع البلاد التعددي، وهي عصبية مقيتة ومميتة أدت إلى فصل الجزء الجنوبي من السودان.
(2) ظهور العنصر المنفذ لبرامج العروبة، وهو العرب الأبالة المشتتين في دول غرب وشمال إفريقيا الذين يبحثون عن أرض للاستقرار، إذ تجمعت كل تنظيماتها أخيراً في منظومة "قوات الدعم السريع".
(3) الركن الثالث، يتمثل فيما يسمى بالقيادات الإقليمية التابعة للمركز الظالم من أجل منافع ذاتية. وبالتالي فإن انضمام هذا الركن الثالث للأول والثاني رأت المنظومة غير الوطنية واعتقادها ان باستطاعتها السيطرة التامة على البلاد، لذا في اعتقاد هذه المنظومة أن بيع الأراضي السودانية للأجانب إقليم تلو إقليم قد بات أمراً ميسوراً. لكن نست أو تناست هذه المنظومة الظلامية المضللة، أن الركن الرابع الأصل، وهو الشعب السوداني قادم موحداً وبعزيمة قوية، لينقذ السودان مرة واحدة وللأبد من العقلية الضالة التي لا تعرف معنى الوطنية منذ الاستقلال، ومن ثمّ نبذ ورمي العقلية التبعية التي تعمل دائماً على تنفيذ توجهات الجهات الأجنبية إلى مزبلة التاريخ، والخلاص من العقلية الإقصائية التي تعمل ليل نهار على تفرقة أهل السودان. لذا عاجلاً أم آجلاً سوف يتمكن الشعب السوداني من القضاء النهائي على العقلية الخائنة التي تبيع أرض الوطن، ونبذ العقلية التي لا تملك أية قدرة على إدارة البلاد بروح الوطن، وهذا هو المقصود بالتحرير، أي تحرير العقلية الضالة الخائنة.
كلمة أخيرة لأهل السودان، إن الإبادة الجماعية الأخيرة في غرب دارفور قد حث أئمة المساجد في الجنينة أن ينادوا الناس بحمل السلاح للدفاع عن الأرض والعِرْض، لقناعتهم بالغياب التام للحكومة، وهذا النداء مرده الانفلات التام من عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم التي ترقى لعقوبة الإعدام، في العرف القانوني.
ثانياً علت أصوات من الإقليم تنادي بحق تقرير المصير، بل بالانفصال لأن منطقة دار مساليت انضمت طوعاً للسودان العام 1924م للتخلص من هجمات الاستعمار الفرنسي لها، لذا طالما الحكومة السودانية لا توفر الأمن من الأفضل الخروج عنها طوعاً أيضاً، وهذا حق شرعي. لكنني أرى أن ممارسة التطهير العرقي وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي تمارس علناً في إنسان دارفور وبمعرفة تامة من السلطات الحكومية المركزية والإقليمية، كل هذه الممارسات الإجرامية ترقى بدرجة امتياز أن يطالب أهل دارفور الأمم المتحدة بتطبيق البند السابع في دارفور وبمهام واضحة لصناعة السلام، أكرر "صناعة السلام في دارفور" -تيمور الشرقية مثالاً في العام 1999م- وبالتالي يجب أن يتم نزع السلاح كليةً من جميع المواطنين، بمعنى آخر يجب أن تتولى الأمم المتحدة الوصاية على إدارة دارفور استناداً على القانون الدولي. بل فوق هذا، يشهد كل الأجيال الحالية، فشل جميع اتفاقات السلام في السودان لتحقيق السلام، سواء في دارفور أو الشرق أو جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. لذلك لن يتأتى السلام والاستقرار المستدام في السودان إلا في ظل الوصاية الأممية في الفترة الانتقالية والتي تجب ألا تزيد مدتها عن خمس سنوات بمهام أساسي، من ضمنها نزع السلاح من جميع المدنيين وكذا إعادة تنظيم القوات النظامية. وهذه الوصاية الأممية قد تحمي البلاد من ويلات الانشطار.


[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.