لا أعتقد أن هناك من يمتلك أدنى درجة من صحوة العقل والفؤاد والضمير تعتريه ذرة من شك في ان ما حدث في السودان ثورة كاملة الدسم بل فريدة في نوعها جريئة في إقدامها عندما واجهت أعتى أنواع الأنظمة القمعية التي شهدها التاريخ المعاصر.. وانتصرت هذه الثورة السلمية وقودها شباب قدموا النفس والنفيس فداء لوطنهم.. والمعروف أن الثورة باختصار في ادبيات علوم السياسة الحديث أنها حراك ينادي بالتغيير الجذري ضد نظام أفسد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد وأهدر كرامة الانسان وبدد إمكاناته وموارده البشرية والطبيعية.. والمتابع لثورة الشباب السودانية بكل عنفوانها وشعارها المدوي في تحقيق الحرية والسلام والعدالة يرى أنه من العدل أن يمثل حكومتها من هو متشرب بهذه القيم النبيلة ومن له الروح الثورية وقوة احتمال حرارة مطبخ الثورة حيث يتم اعداد مكونات الحسم الثوري الرادع الذي يكتسح كل من يقف في طريق برامج التغيير الثوري.. ما حدث في الفترة الانتقالية الماضية من أخطاء يجب تلافيها باختيار من يمتلك الإحساس بروح الثورة ومتطلباتها الآنية المستعجلة ترسيخا لقواعد البناء المستقبلي الديمقراطي لبلد حر معافى.. إذن لا مكان في القيادة بعد الان لمن كان محايدا في مقاعد المتفرجين وانما لمن هو مؤهل للبناء الثوري القوي تعتمل في نفسه ووجدانه عناصر الثورة وتوجهاتها وآمالها.. هذا هو الطريق الوحيد والخيار الأوحد المنقذ لما نحن فيه من تشرذم.. ولتختفي الى الابد الأصوات الخائرة المترددة الضعيفة إكراما للشهداء وأسرهم الذين بذلوا الروح من اجل أن نعيش والاجيال القادمة في عز وكرامة.. ولعله من المفارقات المضحكة المبكية أنه بعد كل الذي حدث من ثورة شعبية عارمة أنهت حكم الفرد ليقام نظام ديمقراطي مدني ما زالت البلاد تُبتلى بمن يفكر بنفس عقلية المخلوع بانه هو الذي يمنح الديمقراطية ويقرر متى وكيف تقام ومن الذي يشرف عليها.. هل من المعقول ان يكون هناك في القرن الواحد وعشرين من لا يدري بأن الديمقراطية نظام مؤسسي معقد ينمو من تحت الى اعلى "Bottom Up" ولا يُفرض من أعلى إلى أسفل" Top Down" لا عجب أن هناك من لا يزال بينه وبين ما حدث من ثورة فجوة كبيرة من سوء الفهم والتقدير.. لقد غاب عن فهمهم المريض أن ما جرى وما زال يجري هو ثورة في الوعي أما النظام القديم وفلوله فإنهم يدفعون ثمن فاتورة الوعي بحقيقتهم التي تعرت طيلة ثلاثين عاما من الحكم الفاسد ..