ايّ حرب تنشأ بين طرفين ، او معسكرين ، او اكثر , حيث التحالفات ، والحواضن ، حسب القناعات ، ومبادئ ايّ طرف. اي حرب تقوم وفق اهداف.. في الغالب يُساق احد الاطراف الي الحرب مُكرهاً ، او قل لابد له من الدخول فيها بضرورة الامر الواقع ، فالطرف الآخر تكون اهدافه اوضح ، فيُحدد ميدان المعركة ، حيث البداية ، و الكيفية ، والنمط. اهم عامل في الحرب هو الحواضن القريبة من ميدان المعركة ، فمن يفقد هذا المبدأ مهما تعاظمت قوته ، وعتاده فلا يمكن ان ينتصر ، وإن سيطر علي المشهد فمسألة وقت ليس إلا ستلحق به الهزيمة. في هذا الجانب لدينا امثلة لحروب كثيرة في الحاضر ، والماضي القريب خاضتها جيوش عظمى بتكاليف تفوق الخيال ، ولم تحقق إنتصارات ، حققت اهداف مرحلية تجاوزها الوقت بل فاقمت تعقيد المشهد. *نظرة علي مشهد حربنا التي هي قاب قوسين او ادنى.. اعتقد الشعب السوداني بعد ديسمبر قد حسم امره ، وحدد اهدافه من الحرب التي دخلها بالفعل ، وميادينها. اغرب حرب بها طرف واحد حامل للسلاح ، والطرف الآخر هو الشعب الذي دخل الحرب بسلاح السلمية الذي سيفتك بالجميع.. الاغرب .. العدو هو من يتصارع بعضه البعض ، لأجل السلطة ، وستكون عتبات القصر مقبرتهم جميعاً. الآن كل حملة السلاح في السودان فقدوا الرصيد القيمي، و الاخلاقي الذي كان محوره النضال لأجل قضايا وجدت تأيداً ، وتلاحم قطاعات كبيرة في المجتمع ، مثلت الحواضن، والقواعد . تناقصت القناعات ، والتأييد ، فتدنى لمستوى حواضن في حدها الاعلى لا يتجاوز القبيلة، او العشيرة ، في احسن الاحوال. الآن الكل يعتقد ان معركته هي الخرطوم ، وهذا سيسوق الجميع الي مقبرة جماعية. اعتقد الجميع لم يقرأ التاريخ جيداً عندما تكون الخرطوم هي الهدف. الخرطوم كانت عصية ، وستظل عصية علي الغزاة بمختلف اشكالهم ، فهي بؤرة تتلاقح فيها كل الإثنيات ، والثقافات ، فلا احد سيهنأ بها منفرداً ، حرباً ، او سلماً ، فإن كان ذلك ممكناً لآلت الي بني كوز الي ان يرث الله الارض. من الواضح ان الخرطوم لم تعد ارض معركة تصلح لتكون حاضنة لأيّ طرف ، فالكل فيها مستنزف ، والهروب من ارض المعركة مسألة وقت ليس إلا. الحرب لم تعد إمتلاك سلاح ، وعتاد ، او رجال فقط ، وهذه الجزئية غائبة عن الجميع ، والجهل لعب دوراً في إغراء الكثيرين. بالواضح .. ستُساق كل القوى الحاملة للسلاح الي الحرب مكرهة ، لأنها فقدت الرؤيا ، والهدف ، اما الطرف الآخر في المعادلة هو الشعب السوداني الذي يقوده عقل جمعي موحداً في مسألة رفض هذا الواقع بكل تفاصيله ، جميعهم مُكرهين لأنهم سيفقدون ما إكتسبوه بغير وجه حق ، وقد نصبوا انفسهم اوصياء علي الشعب بقوة السلاح. إستمرار هذا الوضع المأزوم ، والشاذ هو المناخ المناسب لوجودهم ، وفرض نفوذهم بالبلطجة ، وقوة السلاح. هو الأنسب بالنسبة لهم علي الإطلاق ، حيث التقاسم ، والهبوط الناعم الذي لا يخاطب في ازمات السودان إلا السلطة ، وإعادة تدويرها ، والمال. لذلك تجدهم الاعلى صوتاً لإخافة الناس من الحرب ، في عملية إبتزاز رخيصة لا تشبه إلا قطاع الطرق ، واللصوص ، والهمباتة. لقد إنفضح امركم .. لم يعد لديكم المبرر الاخلاقي لطرح ايّ رؤيا مرتبطة بقضايا الشعب.. جميعهم عبارة عن لصوص جهلة لا احد يمتلك برنامجاً لدولة محترمة ، ولا احداً يعرف ما هية الدولة. عندما سرق كبيرهم ، وعالمهم فكي جبرين قال : "ما جبت حاجة من عندي دا نهج الدولة، و الذين سبقوني". هذه الجملة فقط كافية لتلخيص الواقع ، وشحذ الهمم لمواجهة القادم الذي حده الادنى إرادة الشعب في الحرية والتحول الي دولة محترمة بعيداً عن البلطجة ، والهمبتة ، دولة الجميع فيها سواء. سؤال .. من هو الطرف الذي بيده ان يفرض الحرب ، والدخول فيها وقد حدد اهدافه بكل وضوح. هذا الطرف هو الشعب السوداني ، سيدخل الحرب باهداف واضحة ، وستُفرض إرادته ، علي الجميع ، وذلك جلياً ولا يزال الشعب يقاوم بلا هوادة لأربعة اعوام ، برغم آلة البطش ، والإرهاب ، والقتل. كل حملة السلاح لا احداً يمتلك مقومات الصمود في معركة الخرطوم ، فهم اكثرهم خوفاً من إندلاعها ، او بدايتها ، لأن مصيرهم حيث اتو من فيافي الصحراء ، ومن وراء الحدود. االقراءة الصحيحة هي ان الهروب من ارض المعركة سيكون اسرع من وقت الحشد لها. بالحساب العسكري .. الجندي الذي يُقاتل خارج طبيعته ، وحواضنه تزداد تكلفته اضعاف لمئات المرات ، وهذا ما لا يمكن ان تصمد امامه اعظم قوى في المشهد الماثل. كسرة.. الحرب شر ، لو اننا قارنا النفع بعدها سنجده غالباً علي شرورها.. الخير في هذه الحرب الحتمية سيخلصكم من هذا المشهد العبثي الذي إتخذ فيه الرجرجة والدهماء من السلاح وسيلة للنهب ، والسلب ، المُمنهج بسلطة الدولة ، وقطع الطرق. كسرة ونص.. غداً جميعهم سيهربون ، وستكون وطأة الحرب اشد علي اهلنا في دارفور ، لأن الجنجويد هم الطرف الاقوى هناك ، وما ادراك ما الصراع الدولي ، والوجود الروسي ، وتحالفه مع الجنجويد سيكون للصرع وجه آخر إن لم يحسم اهلنا هناك امرهم ويتحدوا جميعاً لمواجهة لوردات الحرب، والمرتزقة. كسرة ، وتلاتة ارباع.. سيهربون ، وسيتركوننا لنواجه مصيرنا الحتمي ، ومعركتنا المصيرية مع الفلول ، وبقايا دولة المشروع الجهنمي. سننتصر ، بإرادة الشعب ، وستنتصر الثورة .. يرون ذلك بعيداً ، ونراه رأيّ العين.. اخيراً.. لو راجيين تغيير بلا ثمن ندفعه جملةً واحدة ، سنظل ندفعه بالتقسيط ، وسنعجز في يوماً عن السداد ، فستلحق بنا الخسارة ، والهزيمة في اقبح محطات التاريخ. لا مجال للتهاون ، فعلي الجميع ان يشمر عن سواعد الجد ، والإستعداد للقادم الذي سيفرض نفسه علينا شئنا ، ام ابينا .. بآلياته المختلفة ، واشدها وطأة هي الجوع ، والإقتتال لأجل وجبة ، او قطعة خبز.