د. نور الدين بريمة حسبما ذكرنا في زاويتنا السابقة، انه تم تعيين ابن الوجيه مراجعًا داخليًا ، إستمر في الوظيفة .. ولكن سرعان ما قاموا بإبعاده من نيالا- مركز السيادة وإتخاذ القرار ، ومكان كنز المال وجني الثمار بالحرام. نعم تم نقله إلى إحدى محليات الولاية البعيدة فتزمّر ابن الوجيه ، وعبس وجهه وهو كظيم يتضجّر من عملية النقل، لأنه من عِلْية القوم ابن الحسب والنسب. فاشتكى إلى عمّه ، علّه يجد له حلًا عاجلً ا، يقيه من شر الهامش ، ويعيده ثانية إلى المركز- محل الوالي بنوم- كيف لا وعمّه هو أحد وجهاء المدينة وظرفائها ، ومن متخذي قرارها الذين لا يُرد لهم طلب. فسأل العم إبن أخيه عن سبب إبعاده من مركز إتخاذ القرار، فكان ردّه : ما في سبب وجيه لنقلي يا عمّو ، بس هم ما عايزني ، عشان أنا ما مؤتمر وطني وكمان ما من القبائل المرضي عنها!!!. ويا عجبي !! هل الإنتماء للمؤتمر الوطني ، أو القبيلة (X) مثلً ا، هي أسباب منطقية ووجيهه ، تحتاجها عملية نقل العاملين في الخدمة المدنية؟!!، نعم في زمان اللادولة فإنها أسباب ضرورية وملزمة. لأنهم عطّلوا القوانين ، حتى جعلوا الفساد دولة بينهم هكذا كانت دولة التمكين ، لربع قرن ونيف من الزمان ، صار للفساد مؤسسات ، سنّوا لها القوانين والتشريعات ، وأقاموا لها أجهزة الحماية والعدالة. وبعد علم الوجيه بعدم وجود أسباب مقنعة للنقل ، حمل عضو مجلس الولاية التشريعي شكوى إبن أخيه وذهب بها إلى متخذي القرار ، الذين يقومون بعمليات النقل. فلمّا سألهم مغاضبًا عن أسباب نقل ابن أخيه ، جاءت إجابتهم، يا سعادتك : (زُولك دَا شوّاف حارْ)، يعني أن إبنه لا يمرّر المستندات المالية ، ويدقّق نظره كثيرًا في مراجعتها. وبالتالي هذا لا ينفع مع دولة المشروع الكهنوتي ، أي المشروع القائم على لف الحقيقة ، وجعلها تدور في تبديد المال العام وسلب وإضاعة الحقوق. عندها ضحك الوجيه وأخذ نفسًا عميقًا وقال لهم : يعني لو (خلّ) أي ترك الشوف هل (بِترجّعُوه)؟!!، فأجابوه بنعم!!!، فخرج الوجيه مسرعًا مستبشرًا مهاتفًا ابن أخيه. بعد أن قدّم له درسًا في الأخلاق الكيزاني ، حذّره منها بشدّة ، وقال: (يا زول إنت لو تخلّي الشوف الحار ، الجماعة ديل برجّعوك ، ولو ما بتخلّي الشوف ، تكون قاعد في مكانك دَا). فما كان جواب إبنه ، إلا الاستجابة والتلبية للتوجيهات، بقوله : شُبّيك لُبّيك .. أنا خليت الشوف يا عمو ، هو أنا مالي ومال الهم ، ياخ أنا داقي فيه حجر دغش!!!. وبالفعل قاموا بإرجاعه مرة أخرى إلى نيالا رئاسة الولاية ، مركز التوجيه وإتخاذ القرار ، ووضع الإستراتيجيات ، يبدو أنه ما زال موجودًا فيها ، وأصبح في درجة وظيفية كبرى توجّه وتتخذ ما تشاء. هكذا كانت دولة التمكين الشمولية ونظامهم الكيزاني الدكتاتوري ، وما تبعهم من تابعيهم الفلولية الإنقلابية ، التي لا تقيم وزنا للقيم والأخلاق ولا ترعى إلًّا ولا ذمّة. وظلت دولتهم الفاسدة الفاشلة، تعتمد على الفاسدين المُفسدين ، لا تؤمن إلا بتوظيف الموالين لقيمها والمنفذين لأجندتها ولا أحد يجرؤ أن يحاسب الحسايب النسايب والأرايب. الذين دومًا ما تجدهم عند حسن الطلب ، فهم لا يعصون أمرًا لأولياء نعمتهم ، ويفعلون ما يؤمرون به ، ويقولون لهم سمعًا وطاعة ، لطالما أنهم يكسرون لهم القوانين والتشريعات بترتيبات إدارية. ليفعلوا ما يريدون وتوظيفهم في المواقع التي يرغبون ، على حد تصريح أحد عرّابيهم ، علي عثمان محمد طه ، خاصة عندما لا تتوافق التشريعات مع الشخص الذي يريدون تعيينه.