تدخل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أسبوعها الثالث، على الرغم من هدنة جديدة وجهود دولية في محاولة لوقف القتال، فيما يشير خبراء لموقع "الحرة" إلى سبل وسيناريوهات محتملة لنهاية الاقتتال الذي تسبب في مقتل المئات وإصابة ونزوح الآلاف داخل السودان وخارجها. معارك مستمرة غرق السودان في الفوضى منذ تفجر في منتصف أبريل الصراع الدامي على السلطة بين قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف ب"حميدتي". وفي ساعة مبكرة من صباح السبت، تم سماع أصوات ضربات جوية وأسلحة مضادة للطائرات وقذائف مدفعية في الخرطوم، وتصاعد الدخان الأسود فوق أجزاء من المدينة. والجمعة، استمر القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، رغم إعلان تمديد وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة، عندما هزت ضربات جوية وقصف بالدبابات والمدفعية الخرطوم ومدينتي بحري وأم درمان المجاورتين. ورغم موافقة الطرفين، الخميس، على تمديد الهدنة لثلاثة أيام أخري بوساطة الولاياتالمتحدة والسعودية والاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة، إلا أن أعمال العنف مستمرة في العاصمة ومناطق أخرى. من ينتهك الهدنة؟ اتهمت قوات الدعم السريع الجيش بانتهاك الهدنة بشن ضربات جوية على قواعدها بمدينة أم درمان، المجاورة للخرطوم والواقعة عند التقاء النيلين الأزرق والأبيض، وفي محلية جبل أولياء. وعلى جانب آخر، أنحى الجيش باللائمة على قوات الدعم السريع في الانتهاكات. وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد إبراهيم، إلى أن "مفهوم ومنظور مختلف للهدنة" بين الجيش وقوات الدعم السريع. وتنظر قوات الدعم السريع للهدنة على أنها "فرصة لالتقاط الأنفاس" وتحسين موقفها العسكري الميداني، بعد انقطاع خطوط الإمداد عنها نتيجة ضربات الجيش السوداني، وفقا لحديثه. ويقول إن "ضربات الجيش السوداني، أفقدت قيادات الدعم السريع السيطرة على القوات، وبالتالي تعمل تلك القوات وفقا لتوجيهات ميدانية فردية". بينما يحاول الجيش "تضييق الخناق" على الدعم السريع، لذلك فهو "ليس حريصا" على استمرار الهدنة، ويحاول السيطرة على مداخل ومنافذ الخرطوم، لتحسين "موقفه الميداني"، حسب الرشيد إبراهيم. ومن جانبه يرى المحلل العسكري والاستراتيجي، بابكر يوسف، أن قوات الدعم السريع هي تنتهك الهدنة وتهاجم الجيش الذي "يدافع عن نفسه". وفقد الدعم السريع الاتصالات بين القادة والجنود، ولذلك أصبحت السيطرة على القوات "صعبة جدا"، وفقا لحديثه لموقع "الحرة". ويشير إلى أن قوات الدعم السريع تستغل الهدنة لتمكين نفسها وإحراز أو اكتساب مواقع تجعلها "موجودة في الميدان". فيما يؤكد المحلل السياسي السوداني، محمد إلياس، لموقع "الحرة"، أن الجيش يقصف مقرات وارتكازات الدعم السريع، بينما يرد الأخير بمضادات الطائرات. وبذلك ينتهك الطرفان الهدنة، وتدور بينهما حاليا "معارك مستمرة بلا توقف"، حسب حديث الياس. ويشير المحلل السياسي السوداني، محمد عبدالله ود أبوك، إلى أن "الهدنة غير موجودة على الأرض" في ظل اشتداد حدة المواجهات والمعارك بين الطرفين. ويتحدث لموقع "الحرة"، عن عدم وجود آليات حقيقة لمراقبة "تطبيق الهدنة"، ولذلك فمن غير الممكن الوقوف على المتسبب في انتهاكها، حيث يلقي كل طرف باللائمة على الطرف الآخر. ويقول "لا نستطيع في ظل هذه الأجواء أن نحدد من بدأ بانتهاك الهدنة، لكن يمكن أن نتحدث عن طرف متشدد يرفع شعار تدمير الآخر ويرفض الجلوس معه الآن"، في إشارة لتصريحات البرهان الأخيرة. وفي تصريحات لقناة "الحرة"، الجمعة، قال البرهان إنه لن يجلس أبدا مع حميدتي، ووصف قواته ب"المتمردة على الدولة". كيف ستنتهي الأزمة؟ السبت، أكد مبعوث الأممالمتحدة إلى السودان، فولكر بيرتس، أن الطرفين المتحاربين في البلاد منفتحان بشكل أكبر على المفاوضات وأقرا بأن الصراع الذي اندلع منذ أسبوعين لا يمكن أن يستمر، وفقا ل"رويترز". وقال إن الطرفين رشحا ممثلين عنهما للمحادثات التي اقتُرحت إقامتها إما في جدة بالسعودية أو في جوبا بجنوب السودان، لكنه استطرد قائلا إن ثمة سؤالا عمليا حول إذا ما كان بوسعهما الذهاب إلى أي من المكانين "للجلوس معا فعليا". وأضاف أنه لم يُحدد جدولا زمنيا لإجراء محادثات. ويمثل هذا بصيص أمل حتى في ظل تواصل القتال، حسب "رويترز". ولذلك يؤكد ود أبوك، أن حل الأزمة هو "سياسي بامتياز" عبر الحوار الجاد والتفاوض. ويقول "على الجيش والدعم السريع إدراك حقيقة أن الحرب ليست خيارا مستمرا وإنما الحوار والتفاوض هما الأساس لحل المشكلات". ويتفق معه الياس، الذي يشير إلى عواقب وخيمة ل"استمرار الخيار العسكري، وعدم اعتماد الحل السياسي". ويقول إن لدى طرفي الصراع "القدرة والقوة الكافية للاستمرار في الاقتتال، وبذلك سيكون الخاسر الوحيد هو الشعب السوداني". ويؤكد أن الاقتتال المستمر أدخل السودان في "حالة من الفوضى" وتسبب في مقتل عدد كبير من المدنيين، وقد يجر البلاد إلى "حرب أهلية تستمر لعدة سنوات". ووفقا للأمم المتحدة، قُتل ما لا يقل عن 512 شخصا وأصيب ما يقرب من 4200، وتعتقد المنظمة أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. ونزح أكثر من 75 ألف شخص داخل السودان في الأسبوع الأول من القتال، وفقا للأمم المتحدة، ويعمل 16 بالمئة فحسب من المستشفيات في العاصمة بشكل طبيعي. ويشدد الياس على أن "الحل السياسي هو السبيل الأمثل لنهاية الأزمة، وإنقاذ البلاد من الانجراف نحو الهاوية". ويقول " إذا لم يجلس طرفي النزاع على طاولة المفاوضات برعاية دولية، فإن الوضع في السودان، سيزداد تعقيدا، وستذهب البلاد إلى حرب أهلية شاملة". لكن على جانب آخر، يرجح إبراهيم، كون "الحل العسكري" الخيار الأقرب لحسم الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع. ويشدد على أن "الاقتتال الحالي هو صراع للسيطرة على السلطة، ولا بد من وجود منتصر واحد"، ويقول " الأمر لا يقبل القسمة على اثنين". ويتفق معه يوسف الذي لا يرى "أي مجال للحل السياسي في الوقت الحالي"، مؤكدا أن "الحل العسكري هو الخيار الأرجح لنهاية الاقتتال بين الطرفين".